عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-05-2018, 03:06 PM
ابو اميمة محمد74 ابو اميمة محمد74 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المغرب
المشاركات: 13,664
افتراضي سلسلة مقالات بعنوان "حقيقة الإخوان الجدد" الحلقة24/ الدكتور محمد بن الحبيب ابو الفتح

حقيقة الإخوان الجدد (24)
الانتكاسة السادسة:موقفهم من البدعة الإضافية (7)

شبهات وجوابها:
• الشبهة الثالثة: الاحتجاج بتتابع أجيال من (العلماء) على إقرار بدعة ما في بلد ما. فيقول قائلهم: كيف يُعقل أن يكون علماء بلدنا كلُّهم على خطإ حين تتابعوا على إقرار هذه البدعة عبر قرون متلاحقة؟
• قلت: الجواب عن هذه الشبهة الضعيفة من وجوه:
الأول: الحجة في إجماع الأمة لا في إجماع أهل بلد على فرض وقوعه.
الثاني: لا بد أن يوجد من علماء البلد من ينكر البدعة، وإن كانوا قلة في بعض الأعصار والأمصار.
الثالث: في عصر الجمود والتقليد، لا يستغرب أن تتابع أجيال من الفقهاء على تقليد من سبقهم.
الرابع: إذا كنتم تستعظمون أن يتتابع علماء بلدكم على خطإ، فأعظم من ذلك عندنا أن يتتابع علماء القرون الفاضلة كلهم على ترك هذه العبادة التي تريدون تسويغها، فأيهما أعظم وقعا في نفوسكم: إجماع السلف باختلاف أمصارهم على ترك العبادة، أو تتابع أهل بلدكم على فعلها؟!
فإذا كنتم تقولون: كيف يُعقل أن يكون علماء بلدنا كلهم على خطإ؟
فنحن نقول: كيف يُعقل أن يتتابع علماء القرون الفاضلة كلهم أجمعون أبتعون على ترك هذا العمل لو كان مشروعا؟
كيف غِّيبَت هذه العبادة -لو كانت خيرا- عن جيل الصحابة ثم عن جيل التابعين، ثم عن جيل أتباع التابعين حتى انقرض آخرُهم؟
أتظنون أن هذه العبادة ادخرها الله لكم دونهم؟!
أما نحن فنقول: لو كانت خيرا لسبقونا إليها؟!
كما قال الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى: "وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه"، قال: " ... أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَيَقُولُونَ فِي كُلِّ فِعْلٍ وَقَوْلٍ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ الصَّحَابَةِ: هُوَ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَيْرًا لسبقونا إليه، لأنهم لَمْ يَتْرُكُوا خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ إِلَّا وَقَدْ بَادَرُوا إِلَيْهَا".
ويلحق بهذه الشبهة الواهية شبهة أخرى من جنسها، وهي:
• الشبهة الرابعة: دعوى أن تقسيم البدع إلى حسن وقبيح قول الجمهور، ودعوى أن الجمهور يرون أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : "كل بدعة ضلالة" ليس على عمومه.
• الجواب عن هذه الشبهة من وجوه:
1. إن كان المقصود بالجمهور أكثر العلماء فإن هذا يحتاج إلى تتبع واستقراء ولا يُكْتَفَى فيه بمجرد التخمين والظن.
2. إن كان المقصود بالجمهور جمهور الخلف والمتأخرين؛ فَمَحَلّ نَظَرٍ واحْتِمَال، وأما جمهور السلف قبل القرن السابع؛ فلا يصح عنهم -قَطْعاً- القولُ بتقسيم البدع إلى حَسَنٍ وَقَبِيحٍ...
3. أن الشاطبي قد حكى إجماع السلف على إنكار البدع عموما من غير تقسيم لها إلى حسن وقبيح، معتمدا في ذلك على الاستقراء، فقال رحمه الله في معرض بيانه أن ذم البدع والمحدثات عام لا يخص محدثة دون غيرها:
"... والثالث: إِجْمَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ يَلِيهِمْ عَلَى ذَمِّهَا كَذَلِكَ، وَتَقْبِيحِهَا، وَالْهُرُوبِ عَنْهَا وَعَمَّنِ اتَّسَمَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ تَوَقُّفٌ وَلَا مَثْنَوِيَّةٌ، فَهُوَ بِحَسَبِ الِاسْتِقْرَاءِ إِجْمَاعٌ ثَابِتٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ لَيْسَتْ بِحَقٍّ، بَلْ هِيَ مِنَ الْبَاطِلِ." [الاعتصام1/188- طبعة الهلالي].
فكيف يعارض إجماع السلف بقول جمهور الخلف على فرض ثُبُوتِهِ عنهم؟!
4. أنه لا يُعرف قائل بتقسيم البدعة إلى الأقسام الخمسة قبل العز بن عبد السلام رحمه الله، وتبعه على ذلك تلميذه القرافي، ولهذا عقد الشاطبي فصلا في الرد عليهما (الاعتصام 1/241)، ولو عَلِمَ الشاطبي قائلا بذلك قبل العز بن عبد السلام لنقل كلامه لِيَرُدَّ عليه.
5. أن القرافي نفسه حكى اتفاق الأصحاب على ذم البدعة عموما، ثم رجح القول بالتقسيم، فقال: " اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ فِيمَا رَأَيْتُ مُتَّفِقُونَ عَلَى إِنْكَارِ الْبِدَعِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرُهُ، وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ وَأَنَّهَا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ" [الاعتصام1/241، وبمعناه في الذخيرة 13/234].
وقد رد عليه الشاطبي، وأنكر عليه مخالفة الاتفاق الذي حكاه فقال: " ... فَمَا ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ عَنِ الْأَصْحَابِ مِنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى إِنْكَارِ الْبِدَعِ صَحِيحٌ، وَمَا قَسَّمَهُ فِيهَا غَيْرُ صَحِيحٍ. وَمِنَ الْعَجَبِ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ مَعَ الْمُصَادَمَةِ بِالْخِلَافِ، وَمَعَ مَعْرِفَتِهِ بِمَا يَلْزَمُهُ فِي خَرْقِ الْإِجْمَاعِ، وكَأَنَّهُ إِنَّمَا اتَّبَعَ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ شَيْخَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ؛ فَإِنَّ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرٌ مِنْهُ أَنَّهُ سَمَّى الْمَصَالِحَ الْمُرْسَلَةَ بِدَعًا؛ بِنَاءً -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ أَعْيَانُهَا تَحْتَ النُّصُوصِ الْمُعَيَّنَةِ، وَإِنْ كَانَتْ تُلَائِمُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ...." [الاعتصام 1/246].
وفي كلام الشاطبي هذا إِشارة إلى أن الخلاف مع العز بن عبد السلام لفظي؛ لأنه سمى المصلحة المرسلة بدعة.
6. على فرض أن القول بتقسيم البدعة هو قول الجمهور، فإن الحجة في النصوص، وفي الإجماع، لا في قول الجمهور، ثم إنه لا مانع من مخالفة قول الجمهور خاصة إذا كان مُصَادِمًا للنصوص، قال الإمام ابن القيم: "...وَمَنْ تَأَمَّلَ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَإِلَى الْآنَ، وَاسْتَقْرَأَ أَحْوَالَهُمْ وَجَدَهُمْ مُجْمِعِينَ عَلَى تَسْوِيغِ خِلَافِ الْجُمْهُورِ، وَوَجَدَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَقْوَالًا عَدِيدَةً انْفَرَدَ بِهَا عَنِ الْجُمْهُورِ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ قَطُّ" [زاد المعاد 5/214].
وقد دلت النصوص بعمومها على ذم البدعة مطلقا، والأصل بقاء العموم على عمومه حتى يرد المخصص، وأما تخصيص العموم بغير مُخَصِّص، أو ادِّعاء الخصوص في لفظ العموم بغير دليل؛ فإنه تَحَكُّم وَاتباع للهوى.
قال الشاطبي رحمه الله متحدثا عن أوجه دلالة النصوص على عموم ذم البدعة:
" أَحَدُهَا: أَنَّهَا جَاءَتْ مُطْلَقَةً عَامَّةً عَلَى كَثْرَتِهَا، لَمْ يَقَعْ فِيهَا اسْتِثْنَاءٌ أَلْبَتَّةَ، وَلَمْ يَأْتِ فِيهَا مَا يَقْتَضِي أَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ هُدًى، وَلَا جَاءَ فِيهَا: كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ إِلَّا كَذَا وَكَذَا، وَلَا شَيْءَ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي، فَلَوْ كَانَ هُنَالِكَ مُحْدَثَةٌ يَقْتَضِي النَّظَرُ الشَّرْعِيُّ فِيهَا الِاسْتِحْسَانَ أَوْ أَنَّهَا لَاحِقَةٌ بِالْمَشْرُوعَاتِ؛ لَذُكِرَ ذَلِكَ فِي آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ، لَكِنَّهُ لَا يُوجَدُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْأَدِلَّةَ بِأَسْرِهَا عَلَى حَقِيقَةِ ظَاهِرِهَا مِنَ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ مُقْتَضَاهَا فَرْدٌ مِنَ الْأَفْرَادِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الْأُصُولِ الْعِلْمِيَّةِ أَنَّ كُلَّ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ أَوْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ كُلِّيٍّ، إِذَا تَكَرَّرَتْ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَأُتِيَ بِهَا شَوَاهِدُ عَلَى مَعَانٍ أُصُولِيَّةٍ أَوْ فُرُوعِيَّةٍ، وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا تَقْيِيدٌ وَلَا تَخْصِيصٌ، مَعَ تَكَرُّرِهَا وَإِعَادَةِ تَقَرُّرِهَا، فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى بَقَائِهَا عَلَى مُقْتَضَى لَفْظِهَا مِنَ الْعُمُومِ... فَمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، إِذْ جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَالْمُتَكَرِّرَةِ فِي أَوْقَاتٍ شَتَّى وَبِحَسَبِ الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ: أَنَّ «كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»، وَأَنَّ «كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ»... وَمَا كَانَ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْبِدَعَ مَذْمُومَةٌ، وَلَمْ يَأْتِ فِي آيَةٍ وَلَا حَدِيثٍ تَقْيِيدٌ وَلَا تَخْصِيصٌ، وَلَا مَا يُفْهَمُ مِنْهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْكُلِّيَّةِ فِيهَا؛ فَدَلَّ ذَلِكَ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّهَا عَلَى عُمُومِهَا وَإِطْلَاقِهَا...".
7. أن تقسيم البدعة حتى لو فرض أنه قول الجمهور فإنه يلزم منه الوقوع في التناقض، وذلك لأن البدعة " مِنْ بَابِ مُضَادَّةِ الشَّارِعِ وَاطِّرَاحِ الشَّرْعِ، وَكُلُّ مَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، فَمُحَالٌ أَنْ يَنْقَسِمَ إِلَى حَسَنٍ وَقَبِيحٍ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يُمْدَحُ وَمِنْهُ مَا يُذَمُّ، إِذْ لَا يَصِحُّ فِي مَعْقُولٍ وَلَا مَنْقُولٍ اسْتِحْسَانُ مُشَاقَّةِ الشَّارِعِ... وَأَيْضًا؛ فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ جَاءَ فِي النَّقْلِ اسْتِحْسَانُ بَعْضِ الْبِدَعِ أَوِ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِهَا عَنِ الذَّمِّ، لَمْ يُتَصَوَّرْ؛ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ طَرِيقَةٌ تُضَاهِي الْمَشْرُوعَةَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ، وَكَوْنُ الشَّارِعِ يَسْتَحْسِنُهَا دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا، إِذْ لَوْ قَالَ الشَّارِعُ: الْمُحْدَثَةُ الْفُلَانِيَّةُ حَسَنَةٌ؛ لَصَارَتْ مَشْرُوعَةً، كَمَا أَشَارُوا إِلَيْهِ فِي الِاسْتِحْسَانِ..." [الاعتصام 1/188-189].
والله أعلم.
__________________
زيارة صفحتي محاضرات ودروس قناة الأثر الفضائية
https://www.youtube.com/channel/UCjde0TI908CgIdptAC8cJog
رد مع اقتباس