عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 02-03-2011, 12:17 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي موقف الإمام أحمد بن حنبل من وليّ الأمر في زمن الفتنة

موقف الإمام أحمد بن حنبل من وليّ الأمر في زمن الفتنة (*)

قال حنبل بن اسحق بن حنبل : [لمّا أظهر الواثق هذه المقالة، وضَرَبَ عليها وَحَبَس، جاء نفرٌ إلى أبي عبد الله – يعني : أحمد بن حنبل – رحمه الله -، من فقهاء أهل بغداد فيهم : بكر بن عبد الله وإبراهيم بن علي المطبخي، وفضل بن عاصم، وغيرهم، فأتوْا أبا عبد الله، وسألوا أن يدخلوا عليه، فاستأذنتُ لهم، فدخلوا عليه.

فقالوا له : يا أبا عبد الله ! إن الأمرَ قد فشا وتفاقم، وهذا الرجل يفعل ويفعل، وقد أظهر ما أظهر، ونحن نَخافُهُ على ما هو أكثر من هذا.
وذكروا له أن ابن أبي داؤد مضى أن يأمر المُعَلمين بتعليم الصّبيان في الكتاب مع القرآن، القرآن كذا وكذا .
فقال لهم أبو عبدالله : وماذا تريدون ؟.

قالوا : أتيناك نشاورك فيما نريد.

قال : فما تريدون ؟.

قالوا: لا نرضى بإمْرَتِهِ ولا بسُلطانِه.

فناظرهم أبو عبد الله ساعة حتى قالَ لهم – وأنا حاضِرُهُم - : أرأيتم إن لم يبقَ لكم هذا الأمر، أليسَ قد صِرتُم مِن ذلكَ إلى المَكْروه ؟.
عليكم بالنكِرَةِ بقلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تَشُقّوا عصا المُسلمين، ولا تسفكوا دماءكم، ولا دماء المُسلمين معكم، انظروا في عاقبة أمركم، ولا تعجلوا، واصبروا حتى يستريحَ بَرٌّ، ويُسْتَراحُ مِن فاجِر.
ودار بينهم في ذلك كلامٌ كثير لم أحفظه، واحتَجّ عليهم أبو عبدالله بهذا.

فقال بعضهم : إنا نخافُ على أولادِنا ، إذا ظَهر هذا لم يعرفوا غيرَهُ ويُمحى الإسلامُ ويُدْرَس.

فقال أبو عبدالله : كلاّ، إنّ الله – عزّ وجلّ – ناصِرٌ دينه، وإنّ هذا الأمر له ربّ ينصرُه، وإنّ الإسلامَ عزيزٌ منيع.

فخرجوا من عند أبي عبد الله ولم يُجِبهُم إلى شئ ممّا عزموا عليه، أكثرَ من النّهيِ عن ذلك والإحتجاج عليهم بالسمع والطاعة، حتى يُفَرّجَ الله ُعن الأمـّــة، فلمْ يقبلوا منه.

فلمــّــا خرجوا قال لي بعضُهم : امضِ مَعَنا إلى مَنزلِ فلان رجلٌ سمّوه حتى نُوعِدُهُ لأمْرٍ نُريدُه.
فَذكرْتُ ذلكَ لأبي ، فقال لي أبي : لا تَذهَبْ، واعتَلْ عليه، فإني لا آمَنُ أنْ يَغمِسوكَ معهم ، فيكون لأبي عبدِ اللهِ في ذلك ذكر، فاعْتَلَلْتُ عليهِم وَلم أمضِ معهم.
فلما انصرفوا دخلتُ أنا وأبي على أبي عبدالله.

فقال أبو عبد الله لأبي : يا أبا يوسف ! هؤلاءِ قومٌ قدْ أُشْرِبَ قلوبُهُم ما يَخرُجُ مِنها فيما أحسب، فنسألُ اللهَ السّلامــــَـــة، ما لنا ولِهذهِ الآفـــَـــة ، وما أحِبّ لأحَدٍ أن يفعلَ هــــــــذا.

فقلتُ له : يا أبا عبدالله ! وهذا عندَكَ صَواب ؟.

قال : لا ، هذا خلافُ الآثار التي أمِرنا فيها بالصبر.

ثُمّ قال أبو عبد الله : قال النبيّ – صلى الله عليه وسلم - : (وَإن ضَرَبَكَ فاصْبِر، وَإن حَرَمَكَ فاصْبِر، وإنْ وُلـّـيتََ أمْرَهُ فاصْبِر).
وقال عبدلله بن مسعود – رضي الله عنه : كذا، وذكر أبو عبدالله كلاماً لم أحفظه.

قال حنبل : فمضى القوم، فكانَ مِن أمْرهِم أنهم لم يُحْمَدوا، ولمْ ينالوا ما أرادوا، اختفوا مِنَ السّلطان وَهَرَبوا، وَأُخِذَ بَعضُهُم فَحُبِس وماتَ في الحبْس]. [انتهى كلامه].

قال فضيلة الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن العبــّــــاد البدر – حفظه الله تعالى -:

وفي هذه القصــّـة أبلغُ عِظَــَــةٍ في خطورةِ مُخالفَــَــةِ مَنهَجِ أهْلِ السّنةِ والجَماعَةِ في هذا الأصْل العَظيم، وأنّ مفارقَ منهجهم لا يجني مِن ذلك إلا مِثلَ هذه العواقب الوَخيمـــة،إضافــــةً إلى مُجانبَــــتِهِ للحَقّ، ومُفارقـَـــتِهِ للصّواب.


يُتبع إن شاء الله - تعالى -
______
المراجع :

(*) من مقدمة : [قاعدة مختصرة في وجوب طاعة الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم وولاة الأمور لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية 661 – 728 هـ.
تحقيق : فضيلة الشيخ عبدالرزاق بن عبد المحسن العبـــّـــاد البدر – حفظه الله تعالى - (ص 16 - 18)].

وانظر :[فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (12/ 488)].
[محنة الإمام "أحمد بن حنبل " لحنبل بن اسحاق (ص 70 – 72)].
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس