عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11-06-2010, 11:39 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي وقفـــــات مـــــع التربيــــــة الإيمانيــــــة للـحــــــج - الجزء الثاني

وقفـــــات مـــــع التربيــــــة الإيمانيــــــة للحــــــج

الجزء الثاني

الوقفة الثالثة: تمام التسليم والرضى بقضاء الله - تعالى - وقدره، والثبات على الحق وعدم اليأس والقنوط من رحمة الله - تعالى-، واليقين بما عند الله، وحسن التوكل على الله - عز وجل -، بعد بذل الجهد بالدعاء، والسَعي للأخذ بالأسباب المشروعة.

قد يبلغ الإنسان مراده وما يتمناه من شهوات الدنيا وما فيها من زينةٍ ومتاعٍ ومنصبٍ ومالٍ وجمالٍ وولد، ولكن حبذا لو خلى بنفسه وتفكر، هل هذا كل ما يصبو إليه ؟ هل يشعر برضا وارتياح ؟ هل يشعر بهدوء نفسي بداخله ؟.

إن الطمأنينــــة والرضا، نفحـــــة إيمانيـــــة، ولذة روحيـــــة، لا يستشعرها إلاَ من كان قلبه متصلاً بالله، متعلقًا باللـــــه، مطمئنًا بذكر اللـــــه، وما عند اللــــه، نابضًا بالحركة والحيـــــاة، تشعّ روحُه نورًا ينبئ عن تميز إيماني، وتهذيب نفسي، متجها بمشاعره إلى حب الله - تعالى -، وحب رسوله ﷺ، ملتزما بالمنهج الرباني الذي أنزله الله - تبارك وتعالى - على رسوله ﷺ، لا يَحيدُ عنهُ قيْدَ أُنمُلة - قدر اٍستطاعته -.

إن صدق المحبة لله - تعالى - يتجلَى عند الإمتحان، عند الإبتلاء. فإذا اشتد على العبد الكرب فليتذكر الأنبياء، وليستشعر فضل الدعاء، ولذة المناجاة والقرب من الرب - تبارك وتعالى-، فهو – سبحانه - السميع العليم المجيب الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه.

لقد خرج رسول الله ﷺ من مكة، من أحب البلاد إليه، صابرًا محتسبًا، بعدما أوذي في سبيل الله من أهله وأقرب الناس إليه، ثبت، لم يتراجع عن دعوة الحق التي دعا إليها، فعاد بفضل الله - تعالى - إليها فاتحًا منتصرًا بعد أن أرسى قواعد دولة الإسلام في طيبة الطيبة «المدينة المنوّرة».

ولنا أيضا في قصة إبراهيم مع ابنه إسماعيل - عليهما الصلاة والسلام -، أسوة حسنة في سرعة الإجابة، وحسن اليقين، وتمام التسليم والرضا بأمر الله - تبارك وتعالى -.

قال الله - تعالى -: ﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ۞ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ۞ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ۞ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيم ۞ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ ۞ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ۞ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ۞ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ۞ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ۞ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم ۞ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ۞ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ۞ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ۞ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ۞ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ۞ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ [سورة الصافات: 98 - 113].

كان هذا اختبار الرب - تبارك وتعالى - لخليله إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، وامتحانه إياه، امتثل للأمر طاعة لله سبحانه، فآثر مرضاته، ولم يقدم مَحَبّةَ فَلذَةِ كَبِدِه على محبّة ربه - تبارك وتعالى -، وامتثل إسماعيل - عليه الصلاة والسلام - رغم صغر سِنه - طاعةً لأمر ربه - سبحانه -، ثم طاعةً لوالده، فأقرّ اللهُ العَيْنَ بِإبقاءِ الإبْنِ على سلامته، وفداهُ الله - سبحانه - بِذِبْحٍ عظيم، ليكونَ سُنّةً باقيةً في أمّته، فها هي (ذبح الأضاحي) سُنةَ أبينا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - تُحيَى في كل أضحىً من كل عام.

ثمّ أمتن عليه بفضله وكرمه بإسحق إبنا آخرَ مباركاً له، وأتمّ عليه نِعَمَه، بأن جعل النبوّة في ذريته، ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [سورة الصافات: 105] .

ولنا كذلك في السيدة هاجر أسوة حسنة، ومثال رائع في الطاعة، وتمام التسليم، والرضى، وحسن التوكل على الله - سبحانه وتعالى - مع بذل الأسباب المشروعة، وعدم القنوط والإستسلام لليأس في أحلكِ الظروف، فقد قالت لزوجها إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - عندما تركها ورضيعها في مكة: (يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟! فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت له: آللهُ أمرك بهذا ؟ قال: نعم . قالت: (إذاً لا يُضَيّعُنا الله، ثم رجعت).

طمأنينة ! هدوء نفسي ! وتسليم ، بلا تسخط، ولا تذمر، ولا اعتراض. أين منها الكثيرات من النساء في زماننا ؟ فلنراجـــــع أنفســـــنا !!.

3. الوقفة الثالثة: الترغيب والترهيب: وذلك بشحذ الهمَة من خلال تحفيز الطاقات ودوافع الخير الكامنة في النفوس، والتحذير من الشر، وبيان المصالح وميزاتها، والمفاسد وما يترتب عليها، وربط عمل الدنيا بالآخرة، والإقتداء بهدي النبوة في تعاملنا مع غيرنا، كل من موقعه.

ولنا في رسولنا ﷺ أيضا أسوة حسنة:

أ - ففي الترغيب في الحج: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله ﷺ: (أبشروا هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينظرون أخرى) [صحيح الجامع 36].

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ: (ما أهلَ مهلَ قط، ولا كبَر مكبَر قط، إلاَ بشَر بالجنة) [صحيح الجامع 5569] و [الصحيحة 1621].

وعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة) [صحيح الجامع 2901].

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله ﷺ: (أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام، فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك، يكتب الله لك بها حسنة، ويمحو عنك بها سيئه، وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي جاؤوني شعثاً غبراً من كل فج عميق، يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني، فكيف لو رأوني ؟ فلو كان عليك مثل رملٍ عالج، أو مثل أيام الدنيا، أو مثل قطر السماء ذنوباً غسلها الله عنك، وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك، وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرةٍ تسقط حسنة، فإذا طفت بالبيتِ خرجت من ذنوبكَ كيومِ ولدتكَ أمّك) [صحيح الجامع 1360].

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله ﷺ: (من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه كان كعتق رقبة لا يضع قدما ولا يرفع أخرى إلاَ حطّ الله عنه بها خطيئة وكتب له بها حسنة) [صحيح الجامع 6380].

وعنه - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله ﷺ: (من طاف بالبيت سبعًا وصلى ركعتين كان كعتق رقبة) [صحيح الجامع 7379].

وعن أم معقل - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله ﷺ: (إن الحج والعمرة لمن سبيل الله، وإن عمرة في رمضان تعدل حجة) [صحيح الجامع 1599].

وفي رواية أخرى عن أم معقل، وعن عدد من الصحابة - رضي الله عنهم - قالت: قال رسول الله ﷺ: (عمرة في رمضان كحجة معي) [صحيح الجامع 4098].

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت: يا رسول الله ! ألا نغزو ونجاهد معك ؟ فقال: (لكن أحسن الجهاد وأجمله حج مبرور) [صحيح الجامع 5160].

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله ﷺ: (إن لكِ من الأجر على قدر نصبكِ ونفقتكِ) [صحيح الجامع 2160].

ب. وأما الترهيب: فذلك لأن العبد قد يعتريه أحيانا الفتور، والغفلة، والنسيان، الضعف، وعدم القدرة، ثم الفناء، ثم البعث والجزاء .. ثم ينتظر مصيره إما إلى جنة وإما إلى نار. فعليه باغتنام الفرص في هذه الدار، فإنها ليست بدار قرار.
فعن الفضل ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله ﷺ: (من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة وتعرض الحاجة) [صحيح الجامع 6004].

وقال رسول الله ﷺ: (إن عبدا أصححت له جسمه ووسعت عليه في المعيشة، يمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم) [ترتيب صحيح الجامع 1/ 415].

وأخبَرَ - صلى الله عليه وسلم - أن الكعبة سَتُهدم، وحث على المبادرة بالإستمتاع بالتقرب إلى الله – تعالى - في بيته الحرام قبل فوات الأوان .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: (استمتعوا من هذا البيت، فإنهُ قد هُدِمَ مرتين ويرفع في الثالثة) [صحيح الجامع 955].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ: (يخرب الكعبة ذوالسويقتين من الحبشة) [مختصر مسلم 2032].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: (كأنّي انظرُ إليهِ أسودَ أفحَجَ ينقُضُها حجراً حجرا – يعني الكعبة -) [صحيح الجامع 4469].

الوقفة الرابعة: مراقبة الله - تبارك وتعالى - في السر والعلانية :وذلك بأن (تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك). بها يبلغ العبد بإسلامه وإيمانه أعلى المراتب : مرتبة الإحسان؛ قال الله - تعالى -: ﴿جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [سورة المائدة: 97].

أ. فينبغي على الحاج أن يراجع نفسه، وأن يتخلق بخلق الإسلام ويلتزم بآدابه، وذلك مراعاةً لشرفِ الزمان والمكان، وتعظيماً لشعائر اللهِ في بيت الله، وحرم الله، وتواضعاً للحق باتباعه، وللخَلقِ بِحُسْنِ الخُلق، وحفظِ الجوارح. فلا يفعلُ ما لا يليقُ بطهارة المكان وقدسيته، وليجعل ذلك ديدنًا له بقية حياته، متمسكا به حتى بعد عودته.
قال – تعالى -: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [سورة الحج: 25].

ب. ليستشعر أهمية الأخوة الإيمانية، وفضل الصبر عليها على تقوى من الله، فلا ينطلق لسانٌ بسوء، أو يُرفع سلاح، أو تمتدّ يدٌ إلا بحق: فالربّ واحد، والقبلةُ واحدة، والمناسك واحدة، تؤدَى بوقت واحد على صعيد واحد، والكل في ذلك سواء، لا فضل لعربيٍ على أعجميٍ إلاّ بالتقوى.
قال الله - تعالى -:﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [سورة البقرة: 197].

ت. وليستشعر المؤمن وهو يجأر بالتلبية: الإقبال على الله - تبارك وتعالى -، والتواضع له بالتخلي عن لباسه واستبداله بلباس الإحرام، وتجرد الرجال من المخيط فترة الإحرام، ولبسهم البياض؛ لباس النقاء والصفاء.

وليتفكـّر في التجرد من متاع الدنيا وزخرفها، وليستشعر الخضوع بكشف الرؤوس أثناء الحج، وانحناءها بتقصير الشعر أو حلقه طاعةً وعبوديةً لله - تبارك وتعالى - فلا ينبغي أن تنحني لسواه.

ث. وليستشعر بهيبة اللقاء، أمام هذه الحشود العظيمة، يوم العرض الأكبر - يوم القيامة -: يوم الوقوف بين يدي الله سبحانه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فيعقد العزم على ألاَ يعود إلى ما كان عليه من غفلة، وسهو، ولهو، وَبُعدٍ عن سبيل الله، وذلك بفعل الخيرات، وترك المنكرات، والتصميم على هَجْر البدع والمعاصي، وعدم التهاون في اقترافها، وكبح جماح شهوات النفس وحظوظها، وَحُسْنِ الخُلق، وذلك رغبةً عن المظاهر البراقة، وإيثارًا لما عند الله - تبارك وتعالى -، وحرصًا على نقاءِ الظاهر والباطن، فإنّ المؤمن يَربَأ بنفسِهِ حياءً من ربه - تبارك وتعالى - أن يطّلعَ عليهِ وهو يعصيه بعد أن آوى إليه في بيته، وفي أحبّ البقاع إليه.

جـ. وليستشعر أمانة التكليف، فيكون ذلك دافعًا له على تأدية المناسك على أكمل وجه قدر استطاعته، رغبة فيما عند الله – تبارك وتعالى -، ونيلًا لرضاه .

5. الوقفة الخامسة: تقوى الله - عز وجل -؛ إذ أنها وصية الأولين والآخرين، وجماع الأمر، وخيرُ زاد ينتفع به أولو الألباب الذين يخافون عقاب الله - تعالى - وعذابه، قال - سبحانه -: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [سورة البقرة: 197].
اختص الله - تبارك وتعالى - أُولِي الْأَلْبَابِ بهذا النداء الرباني ، لعلمه – سبحانه - بصدق محبتهم وعبوديتهم له سبحانه، فأمرنا بالتزود لما يُحيي هذه الأجساد، وقرَنَهُ بالتزوَد بخير زاد، - زاد التقوى، الزاد الروحي المعنوي - وذلك لما فيه من حياة للقلوب والأرواح.

افتتح الله - تبارك وتعالى - سورة الحج بالحثَ على التقوى فقال - جلَّ شأنه - ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [سورة الحج: 1]. وذكَّرَ بها في عدة آياتٍ كريماتٍ بَعد أن بيّنَ فيها أحكام الحج، مما يزيد اهتمام الحاج بالإقبال عليها وتحقيقها بإخلاص، خوفًا من أن يعتريه نسيان أو يُرَدّ عليه عمل. لقوله - تعالى -: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [سورة الحج: 32].

وقال تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ [سورة الحج: 37] .

الوقفة السادسة: التيسير: من فضل الله تعالى على المسلمين أن سهل لهم أداء شعائرهم ولم يشق عليهم، ولم يكلفهم ما لا يستطيعون: قال - تعالى -: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [سورة البقرة: 185].

ومن التيسير: أ. الأمر بالحج في حدود الإستطاعة؛ لقول الله - تعالى -: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ۞ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [سورة آل عمران: 97].

على أن تراعي الإستطاعة الجسدية والمادية، وألاَ يتركَ من يعول، عالةً على من خَلفَهُ.

ومن الإستطاعة وجوب وجود المحرم للمرأة.

ب. ومن التيسير: شرع المتعة في الحج، والإشتراط، والهدي، والجمع والقصر، والإنابة والتوكيل، والطواف والسعي راجلا وراكبا. وشُرعَ للحاج أخذُ قسطٍ من الراحة بعد بذل الجهدِ في أداء الشعيرة، لينشط لما بعدها.

ت. ولمن ضعفت قدرته على الجهاد قال رسول الله ﷺ: (هَلُمَّ إلى جهادٍ لا شوكة فيه: الحج) رواه الطبراني في الكبير عن الحسين - رضي الله عنهما - [صحيح الجامع 7044].

ث. وللنساء، قال رسول الله ﷺ: (جهادكن الحج) رواه البخاري - رحمه الله تعالى - عن عائشة - رضي الله عنها -.

جـ. وفي يوم النحر، جلس رسول الله ﷺ للناس فما سئل عن شيء قُدّمَ قبلَ شيءٍ إلاَ قال: لا حرج، لا حرج، وكل ذلك من التيسير.

هــا نحن نرى جموعاً غفيرة ... أعداداً هائلة ملايين تتواجد لأداء شعيرة العمرة والحج بوقت وجيز في آن واحد، وعلى صعيد واحد يؤدون شعائرهم وصلواتهم بأوقاتها بانتظام، بيسر وسهوله خلال أيام.
لقاء رباني عظيم يتكرر في العمرة على مدار العام، وفي الحج مرةً في كل عام، ملتقى يلتقي به الملسمون من شتى بقاع الأرض يتعارفون بينهم، ويشهدون منافع دينية ودنيوية لهم؛ يعجز عن تنظيم مثل هذا اللقاء والإستعداد له أعظم المؤسسات في غير هذه البقعة المباركة من الأرض، فإنهم يستنفرون طاقاتهم ويعدّون العدّة والأموال، ويتهيئون قبل سنوات للقاءٍ قد يدومُ أياماً أو ساعات ثم ينتهي، وقد يكون على مستوى ضئيل من الأهمية لجماعات قليلة، أو أفراد - فشتان ... شتان !! -.

الوقفة السابعة: شُـكر الله - تبارك وتعالى -: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [سورة إبراهيم: 37].

الحمد لله على عموم نعمه، الحمد لله على نعمة الإسلام؛ الإيمان؛ الهداية، العافية، الرزق، استجابة الدعاء، بلوغ المراد؛ ونعمة التوفيق للشكر، قال الله - تعالى -: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [سورة النحل 53].

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أسأل الله - عز وجل - أن يتمَ علينا وإياكم نعمَهُ ظاهرة وباطنه، وأن يمنّ علينا بعمرة وحجة خالصة ابتغاء مرضاته وابتغاء وجهه الكريم، وأن يعيننا على ذكره، وشكره، وحسن عبادته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.


من محاضرات «ملتقى الحج» في اللجنة النسائية بمركز الإمام الألباني رحمه الله – تعالى -.

بقلم وتقديم : أم عبد الله نجلاء الصالح
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس