عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-05-2011, 10:38 AM
أبومعاذ الحضرمي الأثري أبومعاذ الحضرمي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: اليمن
المشاركات: 1,139
افتراضي

* الشبهة السابعة: يقول البعض أن قول الرسول :«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد» مخصص لحديث «كل بدعة ضلالة» ومبين للمراد منها؛ إذ لو كانت البدعة ضلالة بدون استثناء؛ لقال الحديث: من أحدث في أمرنا هذا شيئاً؛ فهو رد!! لكن لما قال:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد»؛ أفاد أن المحدث نوعان: ما ليس من الدين، بأن كان مخالفاً لقواعده ودلائله؛ فهو مردود، وهو البدعة الضلالة، وما هو من الدين، بأن شهد له أصل، وأيده دليل؛ فهو صحيح مقبول، وهو السنة الحسنة !!
الجواب:
(معلوم من قواعد العلم ومبادئه أن روايات الأحاديث النبوية يفسر بعضها بعضاً، ويشرح بعضها ما غمض من بعضها الآخر.
فهذه الرواية يوضحها ويزيل لبسها المتوهم فيها ما يلي:
أولاً: الرواية الأخرى للحديث نفسه، وهي:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا؛ فهو رد».
فهذا إيضاح جلي للرواية ذاتها، يكشف صورة العمل المحدث المردود، ويبين أنه كل عمل ليس عليه أمر الدين؛ فهذا شامل للكيفية والصفة والهيئة إذا لم ترد عن النبي .
إذ إعراب «ليس عليه أمرنا» أنها في محل نصبِ صفةٍ لـ «عملاً»، فصفة المحدَثِ أنه ليس عليه أمرُ النبي .
ثانياً: أن تطبيق السلف وفهمهم - وهم القوم لا يشقى الآخذ بقولهم- لهذا الحديث لم يكن على هذا الوجه المستنكر، وإنما كان على الجادة الموافقة لأصول اللغة، وقواعد الاستدلال.
ففي روايات كثيرة عنهم - رحمهم الله - تراهم يستنكرون أعمالاً مشروعة الأصل محدثة الكيفية والصفة، ويصفونها بالابتداع) (1) وقد مر معنا بعض الأمثلة.



* الشبهة الثامنة: استدلالهم بما جاء عن غضيف بن الحارث tأنه قال:«بعث إلي عبد الملك بن مروان فقال: يا أبا أسماء إنا قد جمعنا الناس على أمرين، قلت: وما هما؟
قال: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر.
فقال: أما انهما أمثل بدعكم عندي، ولست مجيبك إلى شيء منهما.
قال: لم؟
قال: لأن النبي rقال:« ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة» فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة» أخرجه احمد.
الجواب:
(أولاً: إن هذا الأثر لا يثبت، بل هو ضعيف، لأن في إسناده أبا بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني وهو ضعيف، ضعفه أحمد، وأبو داود، وأبو حاتم، وابن معين وأبو زرعة، وابن سعد، وابن عدي، والدارقطني، انظر ترجمته في «تهذيب التهذيب» (12/28-29)، و«تقريب التهذيب»(2/398)، و«ميزان الاعتدال»(4/498)، و«سير أعلام النبلاء» (7/64))( 1 ).
(ثانياً: على افتراض صحة هذا الأثر، فإنه قد سبق التنبيه على أنه لا يجوز أن يعارض كلام رسول الله rبكلام أحد من الناس كائناً من كان.
ثالثاً: ان غضيف بن الحارث tرفض الاستجابة لهذه البدع، وردها، ولو كانت حسنة، لما امتنع من الأخذ بها.
رابعاً: أن قوله:«أمثل بدعكم»، أمر نسبي، أي هي بالنسبة للبدع الأخرى أخف
شراً، وأقل مخالفة.
خامساً: استدل غضيف t- على فرض صحة الأثر والحديث- على ترك هذه البدع بحديث:«ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة» فلو كانت هذه البدعة حسنة، لم يرفع من السنة مثلها، لأن رفع السنة عقوبة، والحسن لا يعاقب عليه)( 1 ).


* الشبهة التاسعة: زيادة عثمان بن عفان tللأذان الأول يوم الجمعة.
الجواب:
(لقد فعل عثمان ذلك لمصلحة، وهو أن الناس عندما كثروا؛ وتباعدت منازلهم عن المسجد؛ رأى هذا الأذان نافعاً لاتساعها وكثرة أهلها، فيدعوهم ذلك إلى الاستعداد)( 1 )، يدل على ذلك ما جاء في «صحيح البخاري» عن السائب بن يزيد أنه قال:«كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي rوأبي بكرٍ وعمر ب. فلما كان عثمان t وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء».
(وقد نقل القرطبي في «تفسيره»(18/100) عن الماوردي قوله:«فأما الأذان الأول فمحدث، فعله عثمان tليتأهب الناس لحضور الخطبة عند اتساع المدينة وكثرة أهلها» انتهى كلامه - /- فمن صرف النظر عن هذه العلة، وتمسك بأذان عثمان t مطلقاً لا يكون مقتدياً به، بل هو مخالف له حيث لم ينظر بعين الاعتبار إلى تلك العلة التي لولاها لما كان لعثمان tأن يزيد على سنته عليه الصلاة والسلام وسنة الخليفتين من بعده.
ولهذا قال الإمام الشافعي في كتابه «الأم»(1/173):«وقد كان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدثه، ويقول: أحدثه معاوية، وأيهما كان فالأمر الذي كان على عهد رسول الله rأحب إلي، فإن أذن جماعة من المؤذنين والإمام على المنبر، وأذن كما يؤذن اليوم أذان قبل أذان المؤذنين إذا جلس الإمام على المنبر كرهت ذلك له، ولا يفسد شيء
من صلاته»اهـ)(2).
ففعل عثمان tيعتبر من المصلحة المرسلة (و «المصلحة المرسَلة» في تعريف الأصوليين هي:«الأوصاف التي تلائم تصرفات الشارع ومقاصده، ولكن لم يشهد لها دليل معين من الشرع بالاعتبار أو الإلغاء، ويحصل من ربط الحكم بها جلب مصلحةٍ أو دفع مفسدةٍ عن الناس».
وسميت «مرسلة»؛ لعدم وجود ما يوافقها أو يخالفها في الشرع؛ أي: أرسلت إرسالاً وأطلقت إطلاقاً.
والضابط الذي تتميز به المصلحة المرسلة من البدع المحدثة هو ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم»(2/594):
«والضابط في هذا- والله أعلم - أن يقال: إن الناس لا يحدثون شيئاً إلا لأنهم يرونه مصلحةً، إذ لو اعتقدوه مفسدةً؛ لم يحدثوه؛ فإنه لا يدعو إليه عقل ولا دين.
فما رآه الناس مصلحةً؛ نظر في السبب المحوج إليه: فإن كان السبب المحوج إليه أمراً حدث بعد النبي لكن من غير تفريط منهم؛ فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه.
وكذلك إن كان المقتضي لفعله قائماً على عهد رسول الله r، لكن تركه النبي r لمعارضٍ زال بموته وأما ما لم يحدث سبب يحوج إليه، أو كان السبب المحوج إليه بعض ذنوب العباد فهنا لا يجوز الإحداث.
فكل أمرٍ يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله rموجوداً، لو كان مصلحةٍ ولم يُفْعَل: يُعْلم أنه ليس بمصلحةٍ.
وأما ما حدث المقتضي له بعد موته من غير معصية الخالق؛ فقد يكون مصلحةً..الخ».
وخلاصةُ القول: أن «حاصل المصالح المرسلة يرجع إلى حفظ أمرٍ ضروري، أو رفع حرجٍ لازم في الدين».
وليست البدع - عند من يدعيها- هكذا بيقين)( 1 ) لأن المبتدع إنما يفعل البدع بقصد زيادة التقرب إلى الله وإن لم يكن هناك حاجة لإحداث ذلك الفعل.


* الشبهة العاشرة: قول الإمام الشافعي- /-:«البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة، فهو محمود، وما خالف السنة، فهو مذموم» واحتج بقول عمر tفي قيام رمضان:«نعمت البدعة هذه» رواه أبو نعيم في «حلية الأولياء»(9/113).
وقوله:المحدثات من الأمور ضربان: ما أحدث يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، فهذه بدعة ضلالة. وما أحدث من الخير لا خلاف لواحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة. قد قال عمر في قيام رمضان:«نعمت البدعة هذه».
يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى. أخرجه البيهقي في «مناقب الشافعي»(1/469).
الجواب:
قال الشيخ سليم الهلالي في «البدعة وأثرها السيئ في الأمة»راداً على من يستدل بقول الإمام الشافعي هذا (ص63- 66):
«أولاً: بالنسبة لما أخرجه أبو نعيم في «الحلية» ‏(9/113) ففي سنده عبدالله بن محمد العطشي، ذكره الخطيب البغدادي في «تاريخه» والسمعاني في «الأنساب» ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وأما بالنسبة لما أخرجه البيهقي ففيه محمد بن موسى الفضل، لم أجد له ترجمة( 1 ).
ثانياً: قول الشافعي إن صح لا يصح أن يكون معارضاً أو مخصصاً لعموم حديث رسول الله r.
والشافعي نفسه- رحمه الله- نقل عنه أصحابه أن قول الصحابي إذا انفرد ليس حجة، ولا يجب على من بعده تقليده، ومع كون ما نسب إلى الإمام الشافعي فيه نظر بدليل ما في «الرسالة» للشافعي (‎ص597- 598)، فكيف يكون قول الشافعي حجة، وقول الصحابي ليس بحجة؟!
ثالثاً:كيف يقول الشافعي /بالبدعة الحسنة وهو القائل:«من استحسن فقد شرع».
والقائل في «الرسالة»(‎ص507):«إنما الاستحسان تلذذ».
وعقد فصلاً في كتابه «الأم» (7/293- 304) بعنوان:«إبطال الاستحسان».
لذلك؛ من أراد أن يفسر كلام الشافعي- /- فليفعل ضمن قواعد وأصول الشافعي، وهذا يقتضي أن يفهم أصوله، وهذا الأمر مشهود في كل العلوم، فمن جهل اصطلاحات أربابها جهل معنى أقاويلهم، وأبعد النجعة في تفسيرها.
إن المتأمل في كلام الشافعي- /- لا يشك أنه قصد بالبدعة المحمودة البدعة في اللغة، وهذا واضح في احتجاج الشافعي- /- بقول عمر، وعلى هذا الأصل يفسر كلام الشافعي، وأنه أراد ما أراده عمر بن الخطاب tأي: البدعة اللغوية (‎كما سبق بيانه) لا الشرعية؛ فإنها كلها ضلالة؛ لأنها تخالف الكتاب، والسنة، والإجماع، والأثر» انتهى كلامه بتصرف.


* الشبهة الحادية عشر: أن بعض العلماء قسم البدعة إلى خمسة أقسام، واجبة كالرد على أهل الزيغ؛ وتعلم العلوم الشرعية وتصنيف الكتب في ذلك، ومندوبة كإحداث الربط والمدارس والأذان على المنائر وصنع إحسان لم يعهد في الصدر الأول، ومكروهة كزخرفة المساجد، ومباحة كالتوسع في المأكل والمشرب، ومحرمة وهي ما أحدث لمخالفة السنة ولم تشمله أدلة الشرع العامة ولم يحتو على مصلحة شرعية.
الجواب:
أولاً: بالنسبة إلى تقسيم البدع إلى خمسة أقسام فالجواب عنه: قول النبي r:«كل بدعةٍ ضلالة»‏‏ وهذا الحديث عام لم يدخله التخصيص كما سبق بيان ذلك.
ثانياً: قال الإمام الشاطبي في «الاعتصام» ‏(1/246) عن هذا التقسيم:
«إن ‎هذا التقسيم أمرٌ مخترع، لا يدل عليه دليلَ شرعي، بل هو في نفسه متدافع؛ لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي؛ لا من نصوص الشرع ولا من قواعده، إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوبٍ أو ندبٍ أو إباحةٍ؛ لما كان ثَمَّ بدعةٌ، ولَكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها، أو المخير فيها.
فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعاً، وبين كون الأدلَة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمعٌ بين متنافيين.
أما المكروه منها والمحرم؛ فمسلم من جهة كونها بدعاً لا من جهةٍ أخرى، إذ لو دل دليل على منع أمر ما أو كراهته؛ لم يثبت ذلك كونه بدعة؛ لإمكان أن يكون معصية كالقتل والسرقة وشرب الخمر ونحوها، فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم البتة، إلا الكراهية والتحريم حسبما يذكر في بابه).
هذا بالنسبة إلى التقسيم المذكور، أما بالنسبة إلى الأمثلة التي ذكروها لهذا التقسيم فالجواب عنها ما يلي:
(أما الرد على أهل الزيغ فإنه من إنكار المنكر لأن البدع هي أعظم المنكرات بعد الشرك بالله، وهو أيضاً من الجهاد في سبيل الله ومن النصيحة للمسلمين.
قال رسول الله r:«ما من نبيً بعثه الله في أمةٍ قبلي، إِلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته و يقتدون بأمره. ثم إنها تخلف من بعدهم خلوفٌ، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن؛ وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل»رواه مسلم.
وقد أنكر النبي rعلى الثلاثة الذين قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فقال رسول الله r:«أما والله؛ إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني».
وأنكر ابن مسعود وأبو موسى ب على الذين اجتمعوا للذكر بطريقة غير مشروعة؛ كما سبق بيانه،ولما خرج الخوارج وأظهروا بدعتهم أنكر ذلك الصحابة وقاتلوهم، ولم يخالف أحد من الصحابة  في إنكار بدعتهم ووجوب قتالهم. وقد وردت الأحاديث الكثيرة في ذمهم والأمر بقتالهم إذا خرجوا)( 1 ).
وأما بالنسبة للتصنيف في جميع العلوم النافعة فالأصل فيه قول النبي r:«بلغوا عني ولو آية»‏ رواه البخاري، وقوله r:«نضر الله امرءا سمع مقالتي فبلَغها، فرب حامل فقهٍ غير فقيهٍ، ورب حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه» ( 2 )، ومن وسائل التبليغ
تصنيف الكتب الشرعية.
(‎وقد كان بعض الصحابة يكتب الأحاديث في عهد الرسول r؛ فقد جاء في «سنن الترمذي» عن أبي هريرة tأنه قال:«‏ليس أحد من أصحاب رسول الله r أكثر حديثاً عن رسول الله r مني إلا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب»، وذكر أهل السير أنه كان لرسول الله rكتاب يكتبون له الوحي وغيره)(1).
بل قد حث النبي rعلى كتابة العلم فقال:«قيدوا العلم بالكتابة»(2).
(أما بالنسبة لإحداث الربط فلا نقول بأنه ليس له عهد لدى سلفنا الصالح، فأين أنتم عن الصفة وأهل الصفة، فهي رباط على فقراء الصحابة، وهي أصل في مشروعية وقف الأربطة على الفقراء)(3).
(وأما المدارس؛ فلا يتعلق بها أمر تعبدي يقال في مثله: بدعة؛ إلا على فرض أن يكون من السنة أن لا يقرأ العلم إلا بالمساجد، وهذا لا يوجد، بل العلم كان في الزمان الأول يبث بكل مكان؛ من مسجد، أو منزل، أو سفر، أو حضر، أو غير ذلك، حتى في الأسواق فإذا أعد أحد من الناس مدرسة يعين بإعدادها الطلبة؛ فلا يزيد ذلك على إعداده له منزلا من منازله، أو حائطاً من حوائطه، أو غير ذلك فأين مدخل البدعة ها هنا؟
وإن قيل: إن البدعة في تخصيص ذلك الموضع دون غيره والتخصيص ها هنا ليس
بتخصيص تعبدي وإنما هو تعيين بالحبس كما تتعيَّن سائر الأمور المحبسة، وتخصيصها
ليس ببدعة، فكذلك ما نحن فيه)( 1 ).
(وأما الأذان على المنارة فلا يدخل في مسمى البدعة لأن البدعة في الأذان هي الزيادة في ألفاظه مثل قول الرافضة أشهد أن علياً ولي الله وقول بعضهم أشهد أن علياً حجة الله، وقولهم حي على خير العمل وتكريرهم قول لا إله إلا الله مرتين في آخر الأذان ورفعهم الصوت بالصلاة على النبي rبعد الآذان، فهذا هو المبتدع في الأذان.
وأما الأذان على المكان المرتفع فهو مروي عن بلال tفقد روى أبو داود والبيهقي عن عروة بن الزبير عن امرأة من بني النجار قالت:«كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر» وقد ترجم له أبو داود بقوله:«الأذان فوق المنارة» وترجم له البيهقي بقوله:«الأذان في المنارة»)( 2 ).
(‎وأما صنع الإحسان فإنه من المعروف وليس من البدع سواء كان معهوداً في الصدر الأول أو لم يكن معهوداً فيه.
وقد قال الله تعالى:إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ] النحل:90[ وقال تعالى:وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين ]البقرة:195[ والآيات والأحاديث الصحيحة في الحث على الإحسان كثيرة جداً، ولم يحدد صور معينة للإحسان بحيث لا يجوز فعل غيرها، وإنما يذم منه ما تجاوز الحد وكان من التبذير)(3).
(وأما زخرفة المساجد فكيف يقال أنها من البدع المكروهة، وقد نص رسول الله r على النهي عنها، وقد نهى عنها عمر أيضا، فهي منهي عنها نصاً.
فعن ابن عباس ب قال: قال رسول الله r:«ما أمرت بتشييد المساجد» قال ابن عباس:«لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى» أخرجه أبو داود(1) وأمر عمر ببناء المسجد وقال:«أكن الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس»)(2).
(‎وأما بالنسبة للتوسع في المأكل والمشرب فهذه من الأمور المباحة ولا يقصد باستعمالها أمر تعبدي، فهي مشمولة بالنص النبوي الكريم:«أنتم أعلم بأمور دنياكم»رواه مسلم؛ وقوله تعالى:وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ]الأعراف:31[ فما استحدثه الناس في أمور حياتهم مما لا يتعارض مع النصوص العامة في مراعاة الاقتصاد والإباحة العامة، فلا يعتبر بدعا، فقد عرف العلماء البدعة بأنها طريقة محدثة في الدين)(3).
وأما البدع المحرمة وهي حسب تعريفهم: ما أحدث لمخالفة السنة، ولم تشمله الأدلة العامة؛ ولم يحتو على مصلحة شرعية.
فالجواب عن ذلك: أن هذه الشروط مخالفة للأحاديث النبوية والآثار السلفية التي جاءت في التحذير من البدع عموماً دون تخصيص أو تفصيل بين ما أحدث خلاف السنة أو غيره وإليك البيان:
1 - قال رسول الله r:«كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة» وهذا الحديث عام في إنكار جميع البدع كما سبق بيان ذلك.
2 - أن النبي rاخبر عن وقوع الاختلاف بعده فقال:«فإن من يعش منكم؛ فسيرى اختلاَفاً كثيراً» ‏وارشد من يدرك هذا الاختلاف بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده فقال:«فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ »‏ولم يقل لهم: فعليكم بما يوافق سنتي وسنة الخلفاء الراشدين ولم يخالفها مثلاً، ثم حذرهم من المحدثات عموماً فقال:«وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة» ولم يقل: وإياكم ومحدثات الأمور المخالفة لسنتي، فإن كل محدثة مخالفة لسنتي وسنة الخلفاء بدعة؛ وكل بدعة مخالفة لذلك فهي ضلالة.
3 - قال الصحابي الجليل عبدالله بن عمر ب:«كل بدعةٍ ضلالة وإن رآها الناس حسنةً» (1)ولم يخصص بدعة من أخرى.
4 - وقال عبد الله بن مسعود t:«أيها الناس! إنكم ستحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم محدَثة؛ فعليكم بالأمرِ الأول»(2).
5 - وقد مر معنا إنكار ابن عمر بزيادة الصلاة على النبي rبعد العطاس! بحجة أن النبي rلم يعلمهم ذلك؛ وكذلك إنكار عائشة ك على المرأة التي سألتها عن سبب أن المرأة الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة بحجة أن الرسول rلم يأمرهم بقضاء الصلاة وإنما أمرهم بقضاء الصيام.
فهذه الأدلة وغـيرها تبين فساد تلك الشروط التي اشترطـوها في البدعة المنكرة حسب زعمهم.
(والحاصل من جميعِ ما ذكر فيه قد وضح منه أن البدع لا تنقسم إلى ذلك الانقسام بل هي من قبيل المنهي عنه إما كراهةً وإما تحريماً)(3).
* الشبهة الثانية عشر: يقول البعض: إن ترك الرسول r للفعل لا يدل على التحريم إلا إذا جاء في ذلك دليل صريح، فكيف يحتج على إنكار البدع الحسنـة حسب زعمهم بحجة أن الرسول r لم يفعل ذلك؟
الجواب:
(أولاً: أن الله تعالى قال فيما امتن به على عباده:الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ]المائدة:3[ وفي هذه الآية دليل على أنه لا يجوز إحداث البدع لأنها ليست من الدين الذي أكمله الله تعالى لهذه الأمة في حياة نبيها ورضيه لهم.
ثانياً: أن رسول الله r قال:«‏إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتتن وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدةً» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال:«ما أنا عليه وأصحابي» ‏رواه الترمذي( 1 ) وهذا الحديث يدل على أن إحداث البدع لا يجوز لأنها من الأعمال التي لم يكن عليها رسول الله rوأصحابه)( 2 ).
ثالثاً:(«من المقرر عند ذوي التحقيق من أهل العلم أن كل عبادةٍ مزعومةٍ لم يشرعها لنا رسول الله r بقوله، ولم يتقرب هو بها إلى الله بفعله، فهي مخالفة لسنته؛ لأن السنة على قسمين: سنة فعلية، وسنة تركية.
فما تركه r من تلك العبادات؛ فمن السنة تركها.
ألا ترى مَثلاً أن الأذان للعيدين ولدفن الميت مع كونه ذكراً وتعظيماً لله ﻷ لم يجز
التقرب به إلى الله عز وجل، وما ذاك إلا لكونه سنة تركها رسول الله r.
وقد فهم هذا المعنى أصحابه r، فكثر عنهم التحذير من البدع تحذيراً عاماً؛ كما هو مذكور في موضعه»‏.
ولتقرير قاعدة السنة التركية أقول: أصل قاعدة ‎(السنة التركية) مأخوذ من عدة أدلةٍ؛ منها:
حديث الثلاثة نفر الذين جاؤوا إلى أزواج رسول الله r يسألون عن عبادة الرسول r … الخ وقد ذكرته فيما سبق.
فقد أنكر الرسول r عليهم، ورد فعلهم، مع أن أصل العبادات التي أرادوا القيام بها مشروعة، ولكن لما كانت الكيفية والصفة التي قام بها هؤلاء الثلاثةُ في هذه العبادات (‎متروكةً) في تطبيق رسول الله r وغير واردةٍ فيه، أنكر ذلك عليهم.
فهذه ترجمة عملية منه r لقوله r:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا (ولم يقل من عمل عملاً عليه نهينا) فهو رد»‏.
فهذا عمل مشروع الأصل، لكن ليس عليه أمر النبي rوهديه، فهو مردودٌ على صاحبه، غير مقبول منه.
وخلاصة القول:«إن الترك - مع حرصه × على إحراز فضيلة النفل - دليل الكراهة» ‏كما قاله الإمام العيني كما في «إعلام أهل العصر»‏للعظيم آبادي (ص95) ومن أمثلة ذلك ما سبقت الإشارة إليه في أول هذا المبحث: الأذان لصلاة العيد:
فالأذان مشروع في أصله، لكن لم يفعله رسول الله r ولا أصحابه، وتركوه، فتركهم له سنة يجب إتباعهم فيها.
وكذا الأذان للاستسقاء والجنازة ونحوهما.
فمن فعل من التعبديات والقربات ما تركوه؛ فقد واقع البدعة، وتلبس بها.
قال الحافظ ابن رجب في «فضل علم السلف» (ص31):«فأما ما اتفق السلف
على تركه؛ فلا يجوز العمل به؛ لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يعمل به».
وللشيخ العلامة الشنقيطي في «أضواء البيان» (6/317-320) مبحثاً ماتعاً في أن الترك فعل؛ فهذا يؤكد أن «الترك سنة»‏، إذ تعريف السنة أنها:«ما وَرَدَ عن النبي r من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو صفةٍ ».
فتمام إتباع السنة يكون بترك ما وَرَدَ تركه، وفعل ما وَرَدَ فعله، وإلا فباب البدعة يفتح؛ عياذاً بالله تعالى.
ولابن القيم- /- تفصيل بديع ماتع فيما نقله الصحابة  لتركه r؛ قال رحمه الله:«أما نقلهم لتركه؛ فهو نوعان، وكلاهما سنة:
أحدهما: تصريحهم بأنه ترك كذا وكذا ولم يفعله؛ كقوله في شهداء أحد:«ولم يغسلهم، ولم يصل عليهم»؛ وقوله في صلاة العيد:«لم يكن أذان، ولا إقامة، ولا نداء»، وقوله في جمعه r بين الصلاتين:«ولم يسبح بينهما ولا على إثر واحدةٍ منهم»... ونظائره.
والثاني: عدم نقلهم لما لو فعله؛ لتوفرت هممهم ودواعيهم، أو أكثرهم أو واحد منهم، على نقله، فحيث لم ينقله واحدٌ منهم ألبتة، ولا حدث به في مجمعٍ أبداً؛ عُلم أنه لم يكن...».
ثم ذكر / عدة أمثلةٍ على ذلك منها: تركه r التلفظ بالنية عند دخول الصلاة، وترك الدعاء بعد الصلاة على هيئة الاجتماع … وغير ذلك، ثم قال:«… ومن ها هنا يعلم أن القول باستحباب ذلك خلاف السنة؛ فإن تركه r سنة كما أن فعله سنة، فإذا استحببنا فعل ما تركه؛ كان نظير استحبابنا ترك ما فعله، ولا فرق»)( 1 ).
تنبيه: قال الشيخ علي الحلبي- حفظه الله – في«علم أصول البدع» (ص114- 118):
(كتب الغماري المبتدع رسالةً موجزةً سماها «حُسْنَ التفهم والدَّرْك لمسألةِ الترْك»، تكلم فيها بكلامٍ غير سديدٍ، خالطاً بين المسائل الأصولية خلطاً قبيحاً، يترفع عنه صغار الطلبة.
ومجال تعقبه وتحقيقِ القول في المسائل التي أوردها في رسالته كبير جدا، أفردت له رسالة خاصة، عنوانها «دفع الشك في تحقيق مسألة الترك»‏ يسر الله إتمامها.
ولكي لا أخلي المقام هنا من إشارةٍ تكشف انحرافه وتناقضه أقول:
ذكر في مواضع من كتابه (‎ص9) وغيرها تأصيل مسألة الترك؛ قائلاً:
«فمن زعم تحريم شيءٍ بدعوى أن النبي r لم يفعله؛ فقد ادعى ما ليس عليه دليل، وكانت دعواه مردودةً».
وقال ‎(ص124):«ترك الشيء لا يدل على منعه؛ لأنه ليس بنهي».
وقد ذكر (ص151) أمثلةً على الترك مستحسناً لها؛ منها:
1- الاحتفال بالمولد النبوي.
2- تشييع الجنازة بالذكر.
3- إحياء ليلة النصف من شعبان. وغيرها!
لكنه - من قبل و من بعد - ناقض نفسه، فعد بعض المحدثات التي هي جارية على أصوله مساق الحسن والاستحسان: بدعاً قبيحةً، ومحدثاتٍ سخيفةٍ!!
فقد قال (‎ص37):«وأما المغاربة؛ فزادوا بدعةً أخرى، وهي إقامة الجمعة في المساجد على التوالي والترتيب... وهذا اتساع في الابتداع، لا يؤيده دليل!!
ولا تشمله قاعدة!!».
كذا قال ناقضاً ما أصله قبل!
وماذا؟! اتساع في الابتداع!!
فأين أدلة استحساناتك وقواعد محدثاتك؟!
وقال (‎ص38):«بعض الأئمة الجهلة يخطب الجمعة ويصليها في مسجدٍ، ثم يذهب إلى مسجدٍ آخر، فيخطب فيه الجمعة، ويصليها أيضاً، فيرتكب بدعةً قبيحةً، ويصلي جمعةً باطلةً، يأثم عليها ولا يثاب».
كذا!! وهو تناقض عجاب!!
وقال (‎ص38- 39):«شاع في المغرب الأذان للظهر مرتين، بينهما نحو ساعةٍ، والأذان للعصر مرتين بينهما عشر دقائق، وفي تطوان يؤذن للعشاء مرتين أيضاً، وهذه بدعةٌ سخيفةٌ، لا توجد إلا في المغرب، ولم يشرعِ الأذان؛ إلا عند دخول الوقت للإعلام بالصلاة، والأذان بعده لاغٍ غير مشروعٍ».
وغير هذا وذاك من أمثلةٍ تجعل كتابه كله ‎عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ ]التوبة:
109[.
فما هو الذي جعل هذه المحدثات منكرةً عندك وهي مستحسنة عند أصحابها؟!
فلماذا رفضتها أنت منهم بلا ضابطٍ؟!
ولماذا هم لا يرفضون - أيضاً- مستحسناتك؟!
ثم ألا تدخل هذه المحدَثات كلها التي أنكرتها تحت العمومات القرآنية التي أشرت إليها في صدر رسالتك الشوهاء (‎ص11) جاعلاً إياها الأصل في استحسان البدع؛ كمثل قوله تعالى:وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ]الحج: 77[... وغيرها؟!
فلماذا تصف تلك الفعال - وهي خير - بالسخافة وتشنع على أصحابها بالإنكار؟!
وأنت القائل (‎ص11):«فمن زعم في فعل خيرٍ مستحدثٍ أنه بدعةٌ مذمومةٌ؛ فقد أخطأ وتجرأ على الله ورسوله، حيث ذم ما ندبا إليه في عموميات الكتاب والسنة»!
فهذا حكم منه على نفسه أوقعه على أم رأسه! وإبطالٌ لكتابه من أسه وأساسه!
وأوضح من السابق كله ما قاله (‎ص39) في حكم إرسال اليدين في الصلاة، حيث صرح بقوله:«لم يفعله النبي r ولا الصحابة؛ فهو بدعة لا شك».
ووصفَها (ص40) بأنها:«زلةٌ قبيحةٌ، حيث جعلوا البدعة مندوبة، والسنة مكروهةً!!».
قلت - القائل الشيخ علي الحلبي -:وبيان كبير زلَله في هذا الموضعِ أن (‎عدم الفعل) هو عين ‎(الترك)!!
فاستدل بمجرد (‎الترك) على الحكم بالبدعية والوصف بقبح الزلة!!
وهل غير هذا نقول؟!
أم أنه الانحراف عن الجادة؟ والخلط في تخريج الفروع على الأصول!!
وما أحسن كلامه(‎ص51)مقلوباً على نفسه:«وأغلب أخطاء هؤلاء المبتدعة-وما أكثرها- تأتي من جهة جهلهم بالأصول، وعدم تمكنهم من قواعده، مع ضيقِ باعهم، وقلة اطلاعهم»!!
فلا قوة إلا بالله، ولا رب سواه.
وصفوة القول في هذه المسألة العظيمة ما قاله الإمام الشافعي /تعالى تقعيداً وتأصيلاً كما في «فتح الباري»‏(3/475):«ولكنا نتبع السنة فعلاً أو تركاً»‏) انتهى كلام الشيخ علي الحلبي جزاه الله خيراً.


* الشبهة الثالثة عشر: أن بعض الصحابة قد فعلوا أمورا تعبدية ولم يكن فيها دليل خاص؛ ومع ذلك أقرهم الرسول r؛ ولم ينكر عليهم ذلك، كقصة خبيب بن عدي t التي رواها البخاري وفيها أن المشركين لما أرادوا أن يقتلوه طلب منهم أن يتركوه لكي يصلى ركعتين قبل القتل فقال أبو هريرة راوي القصة:«‎فكان خبيب هو الذي سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبراً»، وقصة بلال t عندما كان يصلي ركعتين بعد كل وضوء.
فدل ذلك على جواز إحداث أمور تعبدية وإن لم يفعلها الرسول r.
الجواب:
(إن فعل الصحابة موقوفاً على إقرار النبي r له، وكان فعلهم قبل نزول آية كمال الدين وتمام النعمة.
وأما بعدها مما ابتدعه الخلف فمن أين لهم أن يعلموا إن كان النبيr يقره أو ينهى عنه؟
أبالكشف الصوفي؟!
ولئن اقر النبي r فعل خبيب وبلال في الصلاة بعد كل وضـوء فإنه لم يقر البراء بن عازب على خطئه في الدعاء الذي علمه إياه النبي r وفيه:«آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت» ‏‏فقال البراء:«فجعلت استذكرهن: وبرسولك الذي أرسلت»، فقال النبي r:«لا، وبنبيك الذي أرسلت»‏‏ رواه البخاري ومسلم.
ولم يقر النبي r عثمان بن مظعون على التبتل وسماه رهبنة، ولم يقر الصحابة الذين سألوا عن عبادةِ النبي r فلما أخبروا بها، كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي r؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا؛ فأنا أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله rفقال:«أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله؛ إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني» رواه البخاري وقد مر معنا سابقاً.
فمن أين تضمنون إقرار النبي r لبدعكم وقد مات؟ وقد بلغكم قبل موته أن كل بدعة في الدين مردودة؟)( 1).
وكل هذا يدل على أن ما أحدثه بعض الصحابة من أمور تعبدية أصبح سنة بإقرار الرسول rلا بمجرد فعل الصحابة.
وقد قال عبد الفتاح أبو غده( 2 )؛ بعد ذكره لقصة خبيب بن عدي t:
(‎قال العلامة القسطلاني في «إرشاد الساري»(5/165):«وإنما صار فعل خبيب سنةً، لأنه فعل ذلك في حياة الشارع r واستحسنه».
وقال أيضاً (5/261):«وإنما صار ذلك سنةً، لأنه فعل في حياته r فاستحسنه واقره».
وقال أيضاً(6/314):«واستشكل قوله:«أول من سن»،إذ السنة إنما هي أقوال رسول الله r وأفعاله وأحواله، وأجيب بأنه فعلهما في حياته r واستحسنهما»انتهى كلام القسطلاني.
- ثم قال أبو غدة -: وواضح من حديث أبي هريرة وقصة قتل خبيب فيه:
«أن لفظ (‎السنة) ولفظَ (‎سن) معناه: الفعل المشروع المتبوع في الدين، وعلى هذا فلا يصح لمتفقهٍ أن يستدل على سنية صلاة الركعتين عند القتل، بأن الحديث جاء فيه لفظ «سن»، فتكون صلاتهما سنةً مستحبةً، لأن حكم السنية لصلاة ركعتين هنا استفيد من دليلٍ آخر خارج لفظ «سن» بلا ريب وهو إقرار الرسول r لفعله)( 1 ).


الخاتمة وتحتوي على طريق الخلاص من البدع
(بعد أن ظهر جلياً أن «كل بدعة ضلالة»، فما هو طريق الخلاص من البدع التي هي مفتاح الضلال؟
فالجواب هو ما قاله الرسول الأعظم r:«تركت فيكم أمرين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي» رواه مالك في «الموطأ» والحاكم.
وقال الموفق ابن قدامة في «ذم التأويل»(ص35) بعد أن ذكر أدلةً كثيرةً في لزوم إتباع السلف الصالح:«قد ثبت وجوب إتباع السلف رحمة الله عليهم بالكتاب والسنة والإجماع، والعبرة دلت عليه؛ فإن السلف لا يخلوا من أن يكونوا مصيبين أو مخطئين، فإن كانوا مصيبين؛ وجب إتباعهم؛ لأن إتباع الصواب واجبٌ وركوب الخطأ حرامٌ، ولأنهم إذا كانوا مصيبين كانوا على الصراطِ المستقيم ومخالفهم متبعٌ لسبيل الشيطان الهادي إلى صراط الجحيم، وقد أمر الله تعالى بإتباع سبيله وصراطه، ونهى عن إتباع ما سواه، فقال:وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ]الأنعام:153[.
وإن زعم زاعم أنهم مخطئون؛ كان قادحاً في حق الإسلام كله؛ لأنه إن جاز أن يخطئوا في هذا؛ جاز خطؤهم في غيره من الإِسلام كله، وينبغي أن لا تنقل الأخبار التي نقلوها، ولا تثبت معجزات النبي r التي رووها، فتبطل الرسالة، وتزول الشريعةُ‍ ولا يجوز لمسلم أن يقول هذا أو يعتقده».
إذن؛ «الطريق الوحيد للخلاص من البدع وآثارها السيئة هو الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقاداً وعِلماً وعملاً» محوطاً ذلك كله بالاهتداء بهدي السلف وفهمهم ونهجهم وتطبيقهم لهذين الوحيين الشريفين؛ فهم- رحمهم الله - أعظم الناس حباً وأشدهم إتباعاً، وأكثرهم حرصاً، وأعمقهم علماً، وأوسعهم درايةً.
بهذا الطريق- وحسب - يتمسك المسلم بدينه مبرءاً من كل شائبة، بعيداً عن كل محدثةٍ ونائبة.
فـــ «عضوا عليه بالنواجذ»؛ تهتدوا وترشدوا.
وهذا الطريق يسيرً على من يسره الله له، وسهل على من سهله الله عليه، لكنه يحتاج إلى جهودٍ علميةٍ ودعويةٍ متكاتفةٍ متعاونةٍ، ساقها الصدق، وأساسها الحب والأخوة - بعيداً عن أي حزبيةٍ أو تكتلٍ أو تمحورٍ -، ومنطلقها العمل بأمرِه تعالى:‏‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ ]المائدة:2[.
والله الهادي - وحدَه - إلى سواءِ السبيل)( 1 ) والحمد لله رب العالمين.



حمل " البراهين على ألا بدعة حسنة في الدين والرد على شبه المخالفين "


http://alhdrme.googlepages.com/albraheen.rar
رد مع اقتباس