عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-10-2009, 10:47 PM
حسين إبراهيم أبوسبيحة حسين إبراهيم أبوسبيحة غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 53
افتراضي حكم عنعنة المدلس في الصحيحين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

قبل الكلام عن حكم رواية المدلسين المعنعنة في الصحيحين نذكر مرلتب المدلسين

في التدليس كما ذكرها الحافظ ابن حجر رحمه الله في مقدمة كتابه طبقات

المدلسين لكي يكون هذا أصلا يٌبنى عليه تصوير المسألة فإن من يتكلم في

احاديث المدلسين المعنعنة التي رواها الشيخان أو يستشكل ذلك في غالب أمره

يستصحب حكما عاما يندرج تحته خبر كل مدلس و هذا مبني عنده على تساوي

مراتب المدلسين في التدليس ، و إذا كانت حقيقة الأمر في نفسه ليس كذلك

بل قائمة على التفاوت بين مراتب المدلسين ظهر نصيب هذا الحكم العام من الحقيقة.




طبقات المدلسين
_______

قال الحافظ ابن حجر في كتابه طبقات المدلسين :أما بعد فهذه معرفة مراتب

الموصوفين بالتدليس في أسانيد الحديث النبوي لخصتها في هذه الاوراق لتحفظ

وهي مستمدة من جامع التحصيل للامام صلاح الدين العلائي شيخ شيوخنا

تغمده الله برحمته من زيادات كثيرة في الاسماء تعرف بالتأمل وهم على

خمس مراتب. الاولى : من لم يوصف بذلك الا نادرا كيحيى بن

سعيد الانصاري .

الثانية : من احتمل الائمة تدليسه وأخرجوا له في

الصحيح لامامته وقلة تدليسه في جنب ما روى كالثوري أو كان لا يدلس

الا عن ثقة كإبن عيينة. الثالثة : من أكثر من التدليس فلم يحتج

الائمة من أحاديثهم الا بما صرحوا فيه بالسماع ومنهم من رد حديثهم مطلقا

ومنهم من قبلهم كأبي الزبير المكي. الرابعة : من اتفق على أنه لا يحتج

بشئ من حديثهم الا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء

والمجاهيل كبقية بن الوليد. الخامسة : من ضعف بأمر آخر سوى

التدليس فحديثهم مردود ولو صرحوا بالسماع.(1)


فهذا التقسيم المستنبط من سبر الرواة و المرويات يشهد بتفاوت مراتب المدلسين

و اختلاف تعامل الائمة مع مروياتهم فقد بيّن الحافظ في هذه المقدمة إن تفاوت

مراتب المدلسين جعل أئمة هذا الشأن يحكمون على مروياتهم حسب طبقاتهم

في التدليس ، فما رواه سفيان الثوري و ابن عيينة معنعنا ليس في درجة

ما يرويه بقية بن الوليد معنعنا بل ردوا عنعنات بقية و حكموا عليها حكما عاما بالضعف

و لم يعاملوا عنعنات الثوري و ابن عيينه بمثل ما فعلوا مع عنعنات بقية بن الوليد و هولاء

ثلاثتهم قد عٌرفوا بالتدليس.

و هنا محل استشكال من يستصحب الحكم العام فمن يستصحب الحكم العام

في عدم قبول رواية المدلس إذا عنعن حتى يصرح بالسماع يستشكل تخريج


الشيخان لرواة مدلسين لم يصرحوا بالسماع ، و هذا الإستشكال قد اجاب عنه

الامام النووي و الحافظ الحلبي كما نقل ذلك عنهما الحافظ ابن حجر في النكت على

مقدمة ابن الصلاح قال :قال النووي في مختصره " ما كان في الصحيحين

وغيرهما من الكتب الصحيحة عن المدلسين يعني فمحمول على ثبوت سماعه

من جهة أخرى وكذا قال الحافظ الحلبي في القدح المعلى إن المعنعنات

التي في الصحيحين منزّلة منزلة السماع.(2) و قد ضعّف الامام ابن دقيق

العيد جواب الامام النووي هذا و رأى فيه أنه احالة على جهالة و مجرد احتمال

لكن الصحيح صحة جواب الامام النووي و إنه وجه صحيح من وجوه الجواب على

احاديث الصحيحين المعنعنة عن من عُرف بالتدليس و مما يبّين صحة جواب

الامام النووي إن الامام البخاري و مسلم ليس من شرطهما اخراج حديث المدلس

الذي لم يصرح بالسماع ، و في كتابيهما غير حديث رواه من عُرف بالتدليس

معنعنا و لا سبيل الى دفع التناقض بين الشرط و التطبيق المخالف له إلا بمثل

ما أجاب به الامام النووي ، و لو تخلّف ما اشترطوه في احاديث يسيرة لعٌلّل ذلك

بالوهم و السهو و نحوهما أمّا أن هذا الأمر قد وقع في رواية احاديث كثيرة فلا سبيل الى فهمه

إلا بمثل ما أجاب به الامام النووي. الوجه الثاني: إن الأئمة و إن أطلقوا لفظ التدليس على

من عُرف منه ذلك إلا أنهم لا يقصدون دائما الحكم العام على الرواي في كل ما رواه معنعنا فقد يُعرف

الراوي بالتدليس عن شيوخ دون غيرهم فلا يكون تدليسه تدلسيا عاما بل في شيوخ دون شيوخ

فلا يستفاد من قولهم فلان مدلس الاطلاق إلا إذا ذكروا ذلك عنه كما هو الحال في تدليس بقية

ابن الوليد و أمثاله الذين غلب عليهم التدليس ، و من أمثلة اطلاق التدليس على الراوي و المراد

به تدليس مقيد ما قاله ابن سعد في طبقاته في ترجمة حميد الطويل:وكان حميد ثقة كثير الحديث

إلا أنه ربما دلس عن أنس بن مالك(3) و روى العجلي باسناده عن شعبة أنه قال :

لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثا(4)فهذا المنقول عن حميد الطويل يبين

تدليسه فهو مدلس و تدليسه كان عن أنس ثم ليس كل ما رواه عن أنس دلسه بل استثنى منه شعبة

أربعة و عشرين حديثا لم يدلسها عنه ، و قال أبو داود : قلت لأحمد بن حنبل زكريا بن أبي

زائدة فقال لا بأس به قلت مثل مطرف قال لا كلهم ثقة كان عند زكريا كتاب وكان يقول فيه

الشعبي ولكن كان يدلس يأخذ عن جابر وبيان ولا يسمى (5). و روى عبد الرحمن بن أبي

حاتم

الرازي عن يحيى بن يحيى النيسابوري و قد سئل عن خارجة بن مصعب فقال: خارجة عندنا

مستقيم الحديث ولم يكن ينكر من حديثه الا ما كان يدلس عن غياث فانا قد

كنا قد عرفنا تلك الاحاديث فلا نعرض له (6).فهذه النقول تبيّن أن وصف الراوي بالتدليس

قد لا يكون على اطلاقه بل تدليسه كان عن شيخ أو شيوخ معينين فلا تٌحمل راويته المعنعة عن

غيرهم بالتدليس إلا بدليل و هذا ما يقال فيما رواه صاحبا الصحيح في الجملة من احاديث من وُصِف

بالتدليس و رووا عنه دون تصريح بالسماع في ظاهر السند فهذا سبيله إما على ثبوت السماع في هذه

في هذه الاحاديث المخصوصةالتي أخرجاها و إن ثبت تدليس الراوي في جملة الرواية عن هذا الشيخ

الذي جاءت هذه الأحاديث من طريقه و هذا أمر يقع للراوي فقد يثبت له في الشيخ الواحد سماع و تدليس

فقد ذكر الحافظ ابن رجب عن الكرابيسي أنه سمع علي بن المديني يقول : لم يصح عندنا

سماع الأعمش من مجاهد إلا نحواً من ستة أو سبعة(7) و معنى كلام ابن المديني أن باقي روايته


عنه تدليس فهذا احتمال أو يكون الراوي الموصوف بالتدليس لم يثبت تدليسه عن هذا الشيخ الذي

الذي جاءت رواية المدلس من طريقه في الصحيحين. فاحاديث المدلسين المعنعنة في الصحيحين

لا تخرج عن هذه الاحتمالات في جملتها و إخراجها عن هذه الاحتمالات يتعارض مع ما اشترطه

هذان الامامان من ترك عنعنة المدلس الذي لم يصرح بالسماع و إن جوّزنا عليهما الغفلة و السهو

في يسير هذا الامر فمن البعيد تجويزها عليهما في أحاديث كثيرة أخرجاها معنعنة عن مدلسين

و هما من اكابر القوم في هذا الشأن و من مصنفاتهم و مصنفات أمثالهم من الأئمة تلقى العلماء

علوم الحديث و دقائقها.









و الله الموفق








_____________________________
(1)طبقات المدلسين ص14

(2)النكت على مقدمة ابن الصلاح ج 1 /92 _93

(3)الطبقات الكبرى ج2 /252

(4)معرفة الثقات للعجلي ج1 /352

(5)سؤالات الآجري ص185

(6) الجرح و التعديل ج3 /376

(7)شرح علل الترمذي لابن رجب ص447
رد مع اقتباس