عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 06-04-2017, 05:19 AM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي


قراءة في قصيدة رثاء ديك
بداح السبيعي



من القصائد الجميلة التي لقيت نجاحاً كبيراً عند المتلقين قصيدة "رثاء ديك" أو "الديك الغالي" كما سماها الراوي محمد الشرهان، وتحفل هذه القصيدة بالعديد من الجماليات التي أود الاشارة الى بعضها في السطور التالية، ولو نظرنا أولاً الى بناء القصيدة لوجدنا بأنه يقوم على ثلاثة مقاطع أو مشاهد ذات طابع قصصي، وهذه المشاهد صاغها المبدع عبدالمحسن ناصر الصالح - رحمه الله - في 37بيتاً، يقول الشاعر في مستهلها:

لي ديك ضبط توقيته

يوعي النايم تصويته

لولا طيبه ما شريته

بريال وقرش الدلالي

لكن ممدوح لي طيبه

ترتيب الساعة ترتيبه

لولا آذانه وش ابي به

مانيب بسن الجهالي

والمشهد الأول من القصيدة (1-22) هو بمثابة التمهيد للمشهدين التاليين، ويرسم فيه الشاعر ببراعة فائقة ملامح بطل قصيدته/قصته، ويصف لنا شكل الديك ولونه وقوته وجمال صوته، ويعدد في المقابل المزايا التي وفرها له:

عجين الحنطه ماكوله

مع ما حصل من محصوله

الحكي كثره وشهوله

ياكل مع بنتي وعيالي

من غليه عندي عززته

بأربع فرخات جوزته

كني سلطان من حزته

القصد انه عندي غالي

ويصور لنا في المقطع الثاني (23-40) طريقة موت الديك تحت اسنان القط الذي ارسله جيرانه الذين حسدوه عليه، ولعل اجمل ابيات هذا المشهد - في نظري - هي الابيات التي تنقل لنا الحوار الذي دار بين الدجاجات (زوجات الديك!) بعد احساسهن بمقتله، وفي هذه الابيات تصوير حركي بديع (يرقص - يلعب - ينفض) اشاع في المشهد جواً من الحيوية والطرافة:

حدى زوجاته حست به

لكن موته مادريت به

قالت يا اختي رجلك وش به

يرقص كنه فيه هبالي

قالت يلعب لعب العرضه

أو ينفض بشته فيه ارضه

والا الريس يقضي فرضه

لا والله طاح الرجالي

جت لمه قالت لاباس

وراك نيم بالساس

يا خواتي ماله راس

وين رويسه واعزالي؟

صاحت من ذا فنه فنه

واعقلهن قالت غطنه

وادعن للميت بالجنه

عمر الشمس وفيه زالي

وينتقل بنا الشاعر بعد هذه الابيات مباشرة للمشهد الثالث (41-37) الذي يبدأ من سماعه لصراخ ابنائه بعد علمهم بمقتل الديك، ومن ثم تصوير رحلة البحث عن القط القاتل:

انا قاعد عند دلالي

والى حس صياح عيالي

واقحص واصبخ بالفنجالي

عجل مذعور مهتالي

وكما استمعنا لصوت الدجاجات في المشاهد السابق، ينقل لنا الشاعر هنا صوت ابنه الصغير "سليم":

قال سليم يا باباه

شب البندق في علباه

دام السرقة في مخباه

تشهد عن لوم العذالي

ومما يلفت النظر ان (الموت) يقابلنا في ختام مشاهد القصيدة الثلاثة، ففي المشاهد الاول اشار الشاعر بعد وصفه لجمال الديك وسعادته وقوته الى حتمية موته، فالموت لا يفرق بين ضعيف وقوي:

اثر الدنيا عابيه له

تبرم للديك وتفتل له

ماهي بالموت آوية له

ماهوب اول ولا تالي

وكما انتهى المشاهد الثاني بموت الديك، فإن المشهد الثالث والاخير ينتهي بأخذ ثأر الديك المغدور، وموت القط الغادر على يد الشاعر:

عبيت البندق من حيني

قلت ان جاء صيروا صاحيني

واثره بالصفه يوحيني

من صبحه فيها نزالي

بالثاريه ديك سليم

تسرق وتقابل يا دغيم

طخيته والاه مخيم

شروى شن الدلو البالي

ومن يقرأ هذه القصيدة كاملة او يستمع لها، فسيشعر بسلاسة ابياتها وجمالها على الرغم من طولها، وسبب ذلك في اعتقادي هو بنائها على بحر قصير ورشيق، واستثمار الشاعر لشكل (المروبع) الذي تتغير فيه القافية بعد كل مقطع مكون من أربعة أشطر، مما أسهم في كسر الرتابة التي كان يمكن ان يشعر بها المتلقي نظراً لطول القصيدة، وكذلك نجح الشاعر بتفوق في استثمار العديد من عناصر أو ادوات الفنون النثرية كالقص والحوار والصراع بين الشخصيات وتعددها، وكذلك في اجراء الحديث على لسان الطيور، إضافة الى مهارته الشعرية الكبيرة في التصوير والوصف.
====================
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس