عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 12-11-2009, 05:00 PM
أبومسلم أبومسلم غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,410
Thumbs up ******* القراء السبعة ( 5 ) *******

تلقي الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن من جبريل عليه السلام





إن القرآن الكريم كلام الله تعالى حقيقة بلفظه ومعناه, أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم معجزة له, لهدايه خلقه تعالى, بوساطة جبريل عليه السلام, ولا شك أن الإعتماد في نقل القرآن الكريم هو التلقي والمشافهة.

وقد روعي في تسميته قرآنا كونه متلواً بالألسن, كما روعي في تسميته كتاباً كونه مدوناً بالأقلام, فكلتا التسميتين بالمعنى الواقع عليه, وتسميته بهذين الاسمين إشارة إلى أن من حقه العناية بحفظه في موضعين, لا في موضع واحد, وأعني بذلك أنه ينبغي حفظه في الصدور والسطور معا, وهي قاعدة ثابتة, منذ أن كُتب القرآن الكريم في اللوح المحفوظ وأنزل إلى بيت العزة في السماء الدنيا, وأوحي إلى جبريل عليه السلام فأخذه جبريل من الله تعالى سماعا, ونزل به إلى قلب محمد صلى الله عليه وسلم وتلقاه صحابته رضوان الله عليهم من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبقى طريقة الأخذ للقرآن بهذه الصورة إلى أن تقوم الساعة.( كما في مناهل العرفان 1/ 45 )

وقد نزل القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفرقا على ثلاث وعشرين سنة – على الأرجح – ثلاث عشر سنة بمكة, وعشر سنين بالمدينة ( كما في مناهل العرفان 1/ 53 ). وهذا يعني أن نزول القرآن على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كان منذ رسالته إلى قبيل وفاته, وكان ينزل مفرقا بحسب الحوادث, ومقتضيات الأحوال, تبعا لحاجة المسلمين إلى التشريع, وذلك لتثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم, وأنه أدعى إلى قبوله, وأيسر على أمة محمد صلى الله عليه وسلم في حفظ القرآن وفهمه, بخلاف ما لو نزل جملة واحدة, وإلى هذه المعاني يشير ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (( إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار, حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام, ولو أنزل أول شيء ( لا تشربوا الخمر ) لقالوا: لا ندع الخمر أبداً))
( أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب تأليف القرآن 6/ 101), ومما يعضد هذا المعنى قوله تعالى: ((وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) )) الإسراء, وقوله تعالى ردا على الكافرين حينما طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطلب من ربه أن ينزل القرآن جملة واحدة حيث يقول: ((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً (32) )) الفرقان.

ولو قيل كيف ينزل جبريل عليه السلام بالقرآن إلى محمد صلى الله عليه وسلم ؟؟
لقيل إن جبريل عليه السلام يهبط بالقرآن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصور وأساليب متعددة, فتارة يظهر للرسول في صورته الحقيقية الملكية, وتارة يظهر في صورة إنسان يراه الحاضرون ويستمعون إليه, وتارة ينزل على المصطفى صلى الله عليه وسلم خفية فلا يُرى, ولكن مع ذلك قد يظهر على الرسول صلى الله عليه وسلم أثر الوحي, فيغط غطيط النائم, ويغيب غيبة, ويستغرق مدة في لقاء الروح الأمين, وقد يتأثر جسمه صلى الله عليه وسلم من أثر الوحي, حيث يتصبب عرقا في اليوم الشديد البرد, وقد يكون وقع الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم كوقع الجرس إذا صلصل في أذن سامعه, وذلك أشد أنواعه.

وربما سمع الصحابه رضوان الله عليهم صوتا عند وجه النبي صلى الله عليه وسلم كأنه دويّ النحل, لكنهم لا يفقهون كلاماً ولا حديثاً بخلافه صلى الله عليه وسلم فإنه يسمع ويعي ما يوحى إليه, فإذا انجلى عنه الوحي وجد ما أوحي إليه حاضراً في ذاكرته منتقشاً في حافظته, كأنما كتب في قلبه كتابة ( كما في المناهل 1/ 64-91 ).

ومنها الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس – وهو أشدّه عليّ – فيفصم عني ( أي يُقلع عني, كما في النهاية لابن الأثير 3/ 452 ) وقد وعيت عنه ما قال, وأحيانا يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول ))قالت عائشة: (( ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصّد عرقاً ))( البخاري كتاب بدء الوحي 1/ 2 ).

والقرآن الكريم لم ينزل منه شيء إلا عن طريق جبريل عليه السلام, بل كله أوحي به في اليقظة وحيا جليا, كما ذكر ذلك السيوطي في كيفيات الوحي, راداً على من زعم نزول سورة الكوثر في المنام, على أنها حالة كانت تعتريه عند نزول الوحي من الغيبوبة عما حوله. ( كما في الإتقان 1/ 19,60 )

وهنا سؤالان يطرح كل منهما نفسه, الأول منهما:
هل نزل شيء من القرآن في حالة تمثل جبريل بصورة رجل ؟ والثاني كيف تلقى الرسول صلى الله عليه وسلم القراءات من جبريل ؟

وللإجابة على السؤال الأول, لا بد أن ننظر في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم والأحاديث الواردة في ذلك, وبإطلاعي على ذلك لم أجد رواية تدل على أن جبريل عليه السلام – وهو في صورة رجل – نزل بشيء من القرآن, ولكن صح نزوله على هيئة رجل في وحي السنة, كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوماً للناس فأتاه رجل فقال: ما الإيمان ؟ قال: (( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله ..فقال هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم ))( البخاري, كتاب الإيمان, باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان 1/ 18 ).

ومما يرجح نزول القرآن على الصورة الأولى قوله تعالى: ((إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5) )) المزمل. وقد ذكر الدامغاني( في قاموس القرآن) في مادة ( ث ق ل ) وحدها تسعة أوجه منها الشدة العظيمة, والثقل بعينه, وبمعنى: عظيم القدر.

وقال ابن جرير الطبري في معنى الآية: " وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: إن الله وصفه بأنه قول ثقيل فهو كما وصفه به ثقيل محمله, ثقيل العمل بحدوده وفرائضه" ( كما في جامع البيان 29/ 80 ).
وقال الشوكاني في تفسيره عند هذه الآية : أي سنوحي إليك القرآن وهو ثقيل ( فتح القدير 5/ 316 ), إذن يترجح بعد ذكر أقوال المفسرين أن القرآن ثقيل تلقيه, وهذا لا يكون إلا في الحالة الأولى. وفي الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنه قال: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعالج من التنزيل شدة ..)) ( البخاري, كتاب بدء الوحي 1/ 4 ).

وذكر ابن جرير في تفسيره عند هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها ( أي: باطن العنق, كما في غريب الحديث لابن الجوزي 1/ 152 ), فما تستطيع أن تحرك حتى يسرى عنه ( جامع البيان 29/ 80 ).

وحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم: (( وكان جبينه يتفصّد عرقاً في اليوم الشديد البرد )). كل هذه الأحاديث والآثار تدل على أن القرآن الكريم نزل على الهيئة الأولى, ولا يمنع من دخول وحي السنة في ذلك, وإنما الصورة الأولى أليق بنزول القرآن والصورة الثانية بوحي السنة, والله أعلم.
وبعد الجواب على التساؤل الأول يحسن بنا الوقوف قليلا للإجابة على التساؤل الآخر, الذي يُسأل فيه عن كيفية تلقي الرسول صلى الله عليه وسلم القراءات من جبريل عليه السلام ؟

فنقول: إن الله تعالى قال مخبراً عن الرسول صلى الله عليه وسلم, والكتاب الذي أنزل عليه: ((وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6))) النمل, وقال تعالى: (( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) )) الشعراء.

فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقى القراءات بوساطة جبريل عليه السلام, حيث كان يلقاه, في كل ليلة من رمضان فيدارسه ما نزل من القرآن العظيم ( البخاري, كتاب بدء الوحي, باب كيف كان الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/ 4 ), وطريقة هذه المدارسة, كما جاء في الحديث الصحيح ( البخاري, كتاب بدء الوحي, باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم 6/ 101 ) أن كلاً منهما يقرأ على الآخر – صلى الله عليه وسلم , وأنهما يتدارسان ما ينزل طول السنة.

وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( أقرأني جبريل على الحرف, فراجعته, فلم يزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف )) ( البخاري, كتاب فضائل القرآن, باب أنزل القرآن على سبعة أحرف 6/ 100), وعلى هذا تجيء قراءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسورة الفرقان, وقراءة هشام بن حكيم رضي الله عنه لها, وإلا ما صح أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لكل منهما في قراءته وقد اختلفتا ( كذلك أنزلت ) ( البخاري, كتاب فضائل القرآن, باب أنزل القرآن على سبعة أحرف 6/ 10), إلا إذا كان جبريل عليه السلام أقرأه مرة بهذا ومرة بهذا.

وبهذه الأحاديث الصحيحة يتقرر القول بأن الله تعالى قد أباح للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ القرآن بهذه الحروف السبعة – تيسيراً على الأمة وتوسيعاً عليها – وأن جبريل عليه السلام قد عارضه بهذه الحروف السبعة, ولا قيمة لما يخالف هذا القول من الآراء التي ترى أن الرسول صلى الله عليه وسلم عارض جبريل عليه السلام لبعض القراءات دون بعض ( البرهان 1/ 211-227, الإتقان 1/ 145 ).




يتبع بعون الله
رد مع اقتباس