عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 03-23-2012, 04:13 PM
خالد بن إبراهيم آل كاملة خالد بن إبراهيم آل كاملة غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 5,683
افتراضي

السؤال 201: هل رفع الأيدي للمأموم في صلاة الجنازة مع كل تكبيرة سنة أم بدعة، وكذلك صلاة العيد ؟
الجواب : ثبت رفع الأيدي عن ابن عمر رضي الله عنهما، فمن غلب على ظنه أن ابن عمر ما فعل ذلك إلا اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم فحينئذ له أن يرفع، ومن سبر فقه ابن عمر ونظر فيه يجد أن له انفرادات كثيرة، فقد ثبت عنه أنه كان يغسل بياض عينيه، وثبت عنه أنه كان يزاحم على الحجر الأسود، وثبت عنه أنه كان يوجب المسح على الجبيرة، وثبت عنه انفرادات كثيرة، لذا يذكر أن أبا جعفر المنصور، لما طلب من الإمام مالك أن يكتب الموطأ، فكتب له: ((أن اكتب لي كتاباً، ووطئه توطئة وإياك وشواذ ابن مسعود وتشديدات ابن عمر، ورخص ابن عباس)).
فالمقصود أن ابن عمر له بعض التشديدات وله مسائل انفراد بها، فلما علمنا انفراده من جهة، ولم يؤثر عن رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه في التكبيرات في صلاة الجنازة ولم يؤثر ذلك عن غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت القرائن على أن هذا من فعله هو – أي ابن عمر- والذي أراه قريباً للسنة عدم رفع اليدين في تكبيرات الجنازة، والعيدين ، والله أعلم ...

السؤال 202: ما صحة هذا الحديث: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياءً عثمان وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ وأفرضهم زيد، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة}؟
الجواب: آخر هذا الحديث ثابت في الصحيحين وهو: {لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة}، وهذا هو القسم الصحيح منه مرفوعاً، وأما ما عداه فهو من كلام بعض الرواة وحصل فيه إدراج، والإدراج الذي وقع فيه إنما هو من حديث أنس، وقد فصل بعض الرواة أن أبا قِلابه رواه من قوله هو: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياءً عثمان وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ وأفرضهم زيد) ثم قال: (عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة}).
فبعض الرواة عن أنس أدرج، فجعل الحديث في مساق واحد مرفوعاً، وبعضهم فصل ، فجعل آخره مرفوعاً، وما قبله من أقوال بعض الرواة كأبي قلابه وقتادة وهذا هو الصحيح في السنة، وقد نصص على ذلك أكثر من عشرة من الحفاظ، وعلى رأسهم الحاكم في "معرفة علوم الحديث" وابن عبد البر في "التمهيد"، وابن تيمية في أكثر من موطن من الفتاوى بل برهن على ذلك بكلام عجيب تلميذ ابن تيمية الإمام الحافظ- ابن عبد الهدي، ألف جزءاً خاصاً في إثبات هذا الأمر، وابن عبد الهادي مات صغيراً، وقالوا لو أن الله رزقه عمراً طويلاً، لكان الدرقطني في العلل، وكان ابن تيمية في مجالسه لما يشكل عليه حديث كان يسأله.
وقد ذكر هذا الحديث بتمامه على أنه صحيح مرفوعاً، شيخنا أبو عبدالرحمن الألباني في كتابه "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ولما وقفت على جزء محمد بن عبدالهادي مخطوطاً وقرأته وتابعت النظر وكتبت ورقات، فاتصلت بالشيخ ذات يوم وأخبرته أني أحب أطلعه على ما عندي فزرته وقرأت عليه ما كتبت، وكان الشيخ رحمه الله يسمع ويصغي ويدون بعض الأشياء عنده ، ولما أتممت النقولات التي ذكرتها عن كثير من العلماء، أخذ الشيخ نسخته من السلسلة الصحيحة المجلد الثالث وكتب عليها: (يحول إلى الضعيفة) .
ولم أر أحداً ممن كتب في تراجعات الشيخ اليوم، وهم جماعة، ذكر هذا الحديث، ولذا بودي لو أن طالب علم ييسر له الله عز وجل أن ينظر في حواشي الشيخ التي قد كتبها على كتبه.
ونرى اليوم ظاهرة ليست حسنة ولا مليحة ولا نحبها، وهي أن نطبع كتب باسم الشيخ ويكون الشيخ قد كتب عليها بعض التعليقات لنفسه، فسيطبع قريباً "سبل السلام" ويقال أخرجه الألباني، وهذا خطأ؛ ففرق بين من يريد أن يخدم كتاباً فيدرسه دراسة جيدة ويخرج أحاديثه، وبين من يكتب تعليقات على حديث أو مسألة يفيض منها، والذي قبل هذا الحديث والذي بعده، والذي قبل هذه المسألة والذي بعدها لا يوجد فيه عناية لهذا المحقق أفلمثل هذه الهوامش المبثوثة هنا وهناك يقال: حققه فلان ، هذه ليست لغة العلم.
وكم أعجبني صنيع الإمام السخاوي مع شيخه ابن حجر (وابن حجر كان قيماً على كتب الوقف في العالم الإسلامي، كما تعلمون) لذا فقد أبدع في تخريجاته في "الفتح" فكم أعجبني السخاوي في كتابه العظيم "الجواهر والدر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" لما عقد فصلاً خاصاً بهوامش ابن حجر على كتبه، فنقل الهوامش التي على الكتب، فلو أن طالب علم نظر في كتب الشيخ ودون هوامشة التي على الكتب، هذا يغنينا عن عشرات المجلدات في المستقبل ويكون مجلداً واحداً، وحينئذ نكون هذه لغة علمية، وما عداها ليست كذلك، والله أعلم ..

السؤال 203: هل يجهر الإمام بالبسملة في الصلاة الجهرية؟
الجواب: وقع في هذه المسألة خلاف، وكذلك وقع الخلاف هل هي آية من سورة الفاتحة أم لا، والراجح أنها آية من الفاتحة، ويجب على الإمام والمأموم أن يقرأ البسملة، وأخرج الحاكم في مستدركه حديثاً بإسناد ظاهرة الصحة، من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص، رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها}، فهي على الأرجح الأقوال أنها آية من الفاتحة.
أما بالنسبة للجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية، فالأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم كانوا يسرون، فقد ثبت في الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يستفتحون بـ {الحمد لله رب العالمين}، ومذهب الجماهير الإسرار، ومذهب الشافعي الجهر بها، فالشافعي رحمه الله وجه حديث أنس وقال: معنى قوله: كانوا يستفتحون بـ {الحمد لله رب العالمين}، أي إن أنساً رضي الله عنه، أراد أن يقول إن النبي وصاحبيه كانوا يقرأون الفاتحة قبل ما تيسر من القرآن فلو أنه قال كانوا يستفتحون بـ{بسم الله الرحمن الرحيم}، فان هناك بسمله في غير الفاتحه فلا يلزم من قوله ذاك انهم كانوا لا يقولون "بسم الله الرحمن الرحيم" لأن المراد أنهم كانوا يقرأون الفاتحة قبل ما تيسر من القرآن، فحتى يعبر عن هذه الحقيقة فكان يقول: (يستفتحون بـ{الحمد لله} ...) فليس في هذا دلالة على عدم الجهر بالبسملة أو إسقاطها.
ورد عليه جماهير العلماء براويات أخر بعضها ثابت في صحيح الإمام مسلم وفي بعض الروايات عن أنس قال: (كانوا يستفتحون بـ{الحمد لله رب العالمين}) وفي رواية (كانوا يسرون {بسم الله الرحمن الرحيم}) إذن ليس الكلام كما وجهه الشافعي رحمه الله، فمذهب الجماهير أبي حنيفة ومالك ورواية عن أحمد أنه لا يستحب للامام أن يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" حتى أن الإمام مالكاً رحمه الله لما قيل له إن فلاناً ينكر على من لم يجهر بالبسملة غضب، وقال : سبحان أيريد أن يذبح؟
وإن رأى الإمام أن بإسراره بالبسملة، ودوامه على ذلك، يترتب عليه أن بعض العوام قد يظن أن البسملة ليست من الفاتحة، فيستحب له أن يجهر بها أحياناً، فقط من باب الإعلام أنها من الفاتحة، واختيار ابن تيمية وابن القيم : إن غالب هديه صلى الله عليه وسلم الإسرار وكان يجهر أحياناً، والأحاديث التي فيها ذلك معلومة، والله أعلم....

السؤال 204: هل يجوز للرجل في البيت أن يؤم أهله إن لم يكن له أولاد ذكور؟
الجواب: يجوز للرجل أن يصلي مع زوجته جماعة، فإذا كان الرجل قد تأخر عن الجماعة بعذر، أو أن الجماعة ليست واجبة في حقه، لمرض أو عذر المطر، وأراد أن يصلي مع زوجه فلا حرج، فالصلاة جماعة في البيت أكثر ثواباً وأحب إلى الله من الصلاة فرادى.
وإن صلى الرجل مع زوجه، فالزوجة تكون خلفه، ولا تكون بجانبه، وإن كان له ولد ذكر وزوجة، فالولد يقف بجانبه والزوجة تقف خلفهما، وإن كان له زوجة وبنات فيقفن في صف خلفه، وإن كان له ولدان وزوجة فالولدان يقفان في صف خلفه، والزوجة تقف في صف وحدها خلف الولدين وهكذا، والله أعلم...

السؤال 205: هل قلب اليدين في الدعاء، عند الدعاء على الظالمين وإنزال البلاء عليهم، من السنة أم هو بدعة؟
الجواب: بعض الناس يفعل هذا، وهذا القلب لليدين لم يثبت فيه حديث، وليس بمشروع، والله أعلم

السؤال 206: هل نأخذ بالحديث الضعيف أم لا؟
الجواب: نحن نعتقد اعتقادً جازماً لا شك فيه، أن دين الله كامل، وفي الصحيح غنية تماماً عن الضعيف، ومذهب إمامي الدنيا في الحديث، الإمام محمد بن اسماعيل البخاري والإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري، فمذهبهما أن الحديث الضعيف لا يؤخذ به على الإطلاق، وقد نصص على ذلك الإمام مسلم في مقدمه صحيحه، فلا يجوز للرجل أن يحتج بالضعيف.
ومن أراد أن يحتج بالضعيف فإنما يحتج به بشروط ذكرها ابن حجر في "تبيين العجب في فضل رجب" ومدارها على الاعتماد على أحاديث صحيحة وردت في الباب فعاد الأمر للصحيح، ورحم الله الذهبي القائل: (وأي خير في حديث اختلط صحيحه بواهيه وأنت لا تفليه ولا تبحث عن ناقليه) فالمطلوب أن نتثبت ويحرم على الواعظ وعلى الخطيب وعلى طالب العلم، وعلى المفتي أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يتقين أن النبي قاله، بتصحيح أهل العلم المختصين في ذلك الحديث، فلا يكون الإنسان كحاطب ليل.
وأخبرني بعض الشاميين من العلماء، قال: بلوت الناس فوق المنابر، إن أراد الواحد منهم أن يوثق القصة أو الحديث الذي يقوله، وقد يكون صفحات طويلة فيقول: أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات ، حتى يتثبت أن هذا الحديث مسند، وابن الجوزي قد قال عنه : موضوع.
وإن لم يكن ، في الحقيقة شيء من مناقب الشيخ الألباني رحمه الله، إلا التدقيق على التصحيح والتضعيف، والاستدلال على الصحيح، وتوجيه أنظار الأمة بكاملها لذلك، كفاه فخراً، فهو مجدد بإجماع عقلاء الأمة في هذا الباب، ما أحد سبقه إلى بلوغ هذا الأمر حتى الرسائل العلمية والجامعية ما كانت تنتبه لهذه الأشياء، فتجد الواحد منهم، كبعض المفكرين والفقهاء يقيم بحثاً طويلاً ويؤلف كتاباً، كما فعل مالك بن نبي، أقامه على أحاديث ضعيفة وموضوعة، كتاباً طويلاً عريضاً والحديث الذي اعتمد عليه موضوع وكذب.
أما الشروط التي ذكرها ابن حجر للعمل في الحديث الضعيف كما نقلها عنه السخاوي في "القول البديع" فذكر شروطاً لو فحصنا هذه الشروط لوجدناها نظرية، ولا قيمة لها من العملية، فقال: يشترط للعمل في الحديث الضعيف في فضائل الأعمال شروط؛ الأول: ألا يكون ضعفه شديداً، فأغلب الأحاديث التي يذكرها الناس هذه الأيام سقطت، والثاني : أن يبين من يحتج بالحديث أنه ضعيف، والثالث: أن يقوم مقام هذا الحديث الضعيف أصل صحيح في الدين، فماذا بقي؟ فالنتيجة أن الحديث الضعيف لا يعمل به في فضائل الأعمال ومثال ذلك: صلاة الضحى قام في الشرع ما يأذن بمشروعيتها ، فيأتينا حديث فيه ضعف أنها لها من الأجور والفضائل كذا وكذا، فأنا أصلي الضحى من أجل الأصل الموجود في الشرع، لا من أجل الحديث، فالحديث الضعيف أصبح لا فائدة منه.
فالصواب أن الحديث لا يعمل به، وفي الصحيح غنية عن الضعيف، ولا يوجد في ديننا حديث ضعفه يسير على الشروط المذكورة، إلا وقد قام أصل في الشرع من أجله نعمل بالطاعة.
ومن اللطائف التي تذكر في هذه المناسبة عن الشافعي، رحمه الله، أنه في كتابه "الأم" وغيره علق الفتوى على صحة أحاديث كثيرة، فيقول: إن ثبتت صحته فأقول به، وكان الشافعي لما يلتقي بأحمد يتثبت منه من صحة بعض الأحاديث، وكان أحمد يتثبت منه من صحة فهم ،لأن الشافعي يمتاز بذكاء ومعرفة قوية في العربية، وعد بعضهم كلامه حجة في العربية لأنه لم يعرف عنه لحن في كلامه أبداً، وكلامه قوي جزل وهو صاحب حجة وبيان، فكان – رحمه الله – يعلق القول في مسائل عديدة على فرض صحة الحديث، ومن بديع مصنفات ابن حجر، أن جمع هذه المسائل ودرس أسانيدها وبين صحتها من ضعفها في كتاب مستقل له، لكنه مفقود، والله أعلم...

السؤال 207: هل يجوز الأضحية عن الميت؟
الجواب: الثابت من فعله صلى الله عليه وسلم أنه لما ضحى قال: {من محمد وآل محمد وأمة محمد} صلى الله عليه وسلم, وذلك فيما أخرج مسلم في صحيحه بإسناده، إلى عائشة رضي الله عنها قالت: {أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به، فقال لها: {يا عائشة هلمي المدية}، ثم قال: {اشحذيها بحجر}، ففعلت، ثم أخذها، وأخذ الكبش، فأضجعه ثم ذبحه، ثم قال: {باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد} ثم ضحى به}، ففي هذا الحديث إشارة إلى أنه لا تجوز الأضحية عن الميت استقلالاً، وإنما تجوز تبعاً، ولهذا قال الفقهاء: الواجب على كل بيت أضحيه واحدة وهذه الأضحية تجزئ عن الأحياء منهم والأموات.
والعجب من الناس! فإنهم يقصرون في الأضحية في الحياة، ثم يتقصدون ويشعرون بالقصور إن تركت عن الأموات، وقد ذكر من جواز الأضحية عن الأموات استقلالاً لا تبعاً، قالوا: ومع ذلك فهذا عمل مرجوح لأنه لا إيثار في القربات فالأصل في الإنسان أن لا يؤثر غيره في القربات وإن كانا أبويه سواء كانا أحياءاً أو أمواتاً.
ويؤكد ذلك هديه العملي صلى الله عليه وسلم، وصحبه، فالنبي صلى الله عليه وسلم مات عمه في حياته وماتت زوجتان له، وهما خديجة وزينب بنت خزيمة رضي الله تعالى عنهما، ومات قبله أيضاً ولده ابراهيم وثلاث من بناته، ولم يؤثر عنه قط أنه ضحى عن واحد من الأموات، فالأضحية تكون على أهل البيت الواحد أضحية واحدة على الوجوب، ويجوز الزيادة عليها، وهذه تجزئ عن الأحياء والأموات، ولا يشرع أن يخص الأموات بالأضحية دون الأحياء، والله الهادي الموفق.

السؤال 208: ما هي المواصفات المستحبة في الشاة التي يضحى بها؟ وهل تجوز الأضحية بأكثر من شاة؟ وهل تجوز الأضحية بالشاة الحامل؟
الجواب: ثبت في صحيح الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين، فأن يكون الكبش تاماً أقرناً وأن يكون مليئاً غير ناقص، هذا هو الأفضل، وإن كان القرن لا يؤكل، فمن الأفضل أن يضحى به، وكما ثبت في الحديث السابق أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش يطأ في سواد أي قدماه سود، ويبرك في سواد، أي ركبتيه سوداوان، وينظر في سواد، أي عيناه سوداوتان، فمن السنة أن يبحث الإنسان عن كبش أملح أسفل قدميه سواد وركبتاه وعيناه كذلك..
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين ، فمن وفق لكبشين فحسن ،وإلا فالواحد يجزئ، وثبت في سنن أبي داود عن جابر رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين موجوئين، أي خصيين، والكبش الخصي لحمه مليء، وثبت أيضاً في سنن أبي داود من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين فحيلين، والكبش الفحيل هو القوي في الخلقة، وفحيل كل شيء: جيده وقويه، وليس المراد به الخصي، حتى لا يتعارض مع السابق.
فهذه مواصفات الكبش الذي ضحى به صلى الله عليه وسلم: مليء، أقرن، يمشي في سواد، يبرك في سواد، ينظر في سواد، موجوء، فحيل تام الخلقة.
ويجوز التضحية بأكثر من شاة، لكن يكره التباهي بالأضاحي، فهي عبادة كالصلاة، كما قال تعالى: {فصل لربك وانحر}، فينبغي أن تكون لله، وأن لا يقع فيها المباهاة، ولما أكثر الناس من المباهاة زمن التابعين، أمسك بعض الصحابة عن الإكثار من الأضحية.
أما الشاة الحامل فتجوز الأضحية بها، كما تجوز بالشاة الحائل(التي لا حمل بها) والشرع أطلق ذلك ولم يقيد، فما أطلقه الشرع نطلقه، وما قيده نقيده، فلو جاء التقييد بأن تكون حائلاً، لقلنا به، والله أعلم ...

السؤال 209: رجل له أولاد يأكلون ويشربون معاً، فهل تجزئ الأضحية عنهم؟ وعمن تجزئ الأضحية؟
الجواب: الواجب في الأضحية على أهل البيت الواحد أضحية واحدة، فلو أن رجلاً له أولاد ومطعمهم ومشربهم ومدخلهم ومخرجهم واحد، فالأضحية الواحدة تجزئهم، وهم بمثابة الرفقاء في السفر.
لكن لو وجدت عمارة فيها أب وأولاد وكل له شقة ،وكل له مطعم، وعائلة وأسرة، فتجب على كل أسرة منهم أضحية، وقد ثبت فيما أخرج الترمذي وابن ماجه ومالك بأسانيدهم أن عبدالله بن عمارة قال: (سمعت عطاء بن يسار يقول: سألت أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه، كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته) وهذا هو الشاهد، وقال: (فيأكلون ويطعمون حتى تباهي الناس فصارت كما ترى) أي يكثرون من الذبح، أما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يذبحون الشاة الواحدة عن الرجل وعن أهل بيته.
والأضحية تجزئ عن ثلاثة أنواع من الناس: فالنوع الأول: القرابة، مثل الزوجة والأولاد،والنوع الثاني: تجزئ عمن دخل في النفقة الواجبة، فرجل له أخ صغير قاصر، نفقته عليه، فإن الأضحية تجزئ عنه أيضاً، والنوع الثالث: من عايشك في مسكنك كمن كفل يتيماًن ورباه وعاش معه في بيته، فالأضحية تجزئ عنه، فهؤلاء هم أهل البيت الواحد.

السؤال 210: هل يجوز الاشتراك في الأضحية؟
الجواب: نعم يجوز، لكل سبعة من المكلفين، الواجب في حقهم الأضحية أن يشتركوا في بدنة أو في بقرة، كما يجوز ذلك في هذي الحج.
فقد ثبت في الصحيحين من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك والبقر، كل سبعة في بدنة) وفي رواية: (اشتركنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج كل سبعة منا في بدنة) فقال رجل لجابر: أيشرك في البقر ما يشترك في الجزور؟ فقال: (ما هي إلا من البدن).
لكن وقع خلاف شديد هل هذا السبع يجزئ عن الرجل فقط أم أنه يجزئ عنه وعن أهل بيته؟ فمنهم من قال: لا يجزئ إلا عنه، لأنه ليس دماً كاملاً، وإنما هو جزء من دم، ولا يوجد دليل خاص عن الإجزاء لأهل البيت، والنسك عبادة توقيفية، فالمراد أن البدنة تجزئ عن سبعة، أي تجزئ عن سبعة أشخاص لا أنها تجزئ عن سبعة شياه وسبعة دماء، فالشاب إن كان غنياً، وليس له زوجة وأولاد، وأراد أن يضحي عن نفسه فاشترك مع غيره، فلا حرج، لكن إن كان له أهل تحت إمرته، فالأصل أن يخصهم بدم، ولا يضحي بجزء من دم، وهذا أفضل وفيه خروج من الخلاف، والله أعلم...

السؤال 211: ما هي العيوب التي يجب تجنبها في الأضحية؟
الجواب: الأضاحي لها شروط، فهي طاعة من الطاعات، وهي تكون من الإبل أو البقر أو الغنم، سواء كان ضاناً أم معزاً، ولا بد في هذه الأنعام أن تكن خالية وسليمة من عيوب، والعيوب ثلاثة أقسام، قسم ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها لا تجزئ، وقسم منها فيها كراهة مع الإجزاء، وقسم ثالث عيب معفو عنه، فألا يوجد في الأضحية من باب الأفضلية فقط، ومن باب التمام والكمال.
فأما العيوب التي لا تجزئ، فقد ذكرها صلى الله عليه وسلم في قوله: {أربع لا تجزئ من الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها والكسيرة التي لا تنقي}.
أما العوراء التي ليس عورها ببين تجزئ، أما البين عورها فهي التي انخسفت عينها، فعينها إما طافية أو طافئة، أي: إما غير موجودة بالكلية أو بارزة، ومعنى العور: العيب، لذا ثبت في الصحيح أن الدجال أعور العين اليمنى وأعور العين اليسرى ، وهذا لا تعارض فيه، فالأعور الشيء المعيب، فإذا كانت عوراء لا ينصر، وعورها غير بين إلا بعد التدقيق والفحص، هذه عوراء ليس عورها ببين، فالأضحية بها جائزة، وإنما هي خلاف الأولى، ويلحق بالعوراء التي ليس عورها ببين العشواء، وهي التي ترى بالنهار ولا ترى بالليل فهذه عوراء ليس بين عورها، لأنها تحتاج إلى فحص.
وأيضاً إذا كانت لا تجوز الأضحية بالعوراء فمن باب أولى لا تجوز بالعمياء، لأن العور عيب معقول المعنى.
وأما المريضة البين مرضها، هي الشاة المجدورة ، أو التي أصابها الطاعون، والجرباء، والمرض الذي يؤثر على اللحم، بحيث أن هذا اللحم لا يؤكل، فإنها لا تجزئ، وإلا أجزأت مع النقصان، أما الشاة التي في الطلق فهذا ليس مرض بين، أما الشاة التي صدم رأسها بشيء، أو تردت عن علو، فأغمي عليها، فهذا مرض بين.
وأما العرجاء البين ظلعها، فإن كان العرج يسيراً، فهذا معفو عنه، كالشاة التي في مشيتها غمز، لكنها تمشي، والضابط في ذلك كما قال العلماء، أنها إن أطاقت المشي مع شاة صحيحة وتابعت الأكل والرعي والشرب، فهذه عرجاء غير بين، وإن كان في رجلها علة، أما التي إن أقعدت لا تستطيع القيام فمن باب أولى وإن كانت لا تستطيع اللحاق بالسليمات فهذا مآلها أن تكون ضعيفة، فلا تجزئ، ويلحق بها الشاة الزمنة التي يغلب عليها الجلوس.
وهذا العيب وهو القعود ينظر فيه إلى المعنى، وهو عدم القدرة على الأكل، وأن تكون سمينة لا مجرد القعود، فقال المالكية: لو وجدت شاة وكانت سمينة جداً، ولا تستطيع المشي من شدة سمنها فهذه الراجح أنه يجوز التضحية بها.
أما الكسيرة أو العجفاء التي لا تنقي، هي الشاة الهزيلة التي لا مخ في عظمها المجوف، مثل عظم الساق والعضد والفخذ، فإن الشاة إذا أكلت وقويت فإنه يتولد في عظمها المجوف نخاع، فالتي لا تنقي هي التي من شدة ضعفها ونحافتها فإنه لا يوجد مخ في عظمها المجوف، فهذه لا تجزئ، وهذا يعرفه أهل الخبرة، علامة ذلك بأن الشاة لا يوجد عندها رغبة في الأكل.
أما العيوب التي يكره أن تكون في الأضحية لكنها تجزئ إن وقعت، فقد قال علي رضي الله عنه: {أمرنا أن نستشرف العين والأذن}، أي: أن ننظر وأن ندقق في العين والأذن وأن نختار السالمة من العيوب وورد في الحديث نفسه: {وألا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء} والمقابلة: هي التي شقت أذنها من الأمام عرضاً، والشرقاء التي شقت أذنها من الأمام طولاً، والخرقاء التي خرقت أذنها، فالأضحية بهذه الأنواع، أي التي ليست أذنها تامة، فالأضحية بها تجزئ، لكن مع الكراهة.
وهذا مذهب جماهير أهل العلم والأضحية الجماء، أي التي لا قرن لها جائزة، لكن السنة أن يكون أقرن والأضحية العضباء، التي ذهب أكثر قرنها جائزة أيضاً، وعدم الإجزاء، ورد في حديث ضعيف عن علي، والشاة الصمعاء الصغيرة الأذن تجوز الأضحية بها، والبتراء التي لا إلية لها، أيضاً تجزئ، وكذلك التي جف لبنها وكاد يموت ضرعها، على أرجح الأقوال تجزئ، لأن اللبن غير مقصود في الأضحية، والهتماء، التي سقط أسنانها فالراجح أنها تجزئ، فكل هذه العيوب لا تمنع الإجزاء ،لكن أن تكون سالمة أفضل وأحسن، والله أعلم ....
أما إذا طرأ العيب على الأضحية بعدما عينها صاحبها، فينظر في العيب فإن كان قصور، فهذه الأضحية مثل الأمانة عند الإنسان،إن قصر فيها تحملها، وإن لم يقصر فيها لا يتحملها، فإذا تعيبت بعدما تعينت، ولم يكن قصور من صاحبها، فإنها تجزئ على أرجح الأقوال، أما إن قصر صاحبها، كأن حملها مالم تحتمل، أو وضعها في برد، أو غير ذلك، فطرأ عليها عيب، أو أنها تغيبت قبل أن تتعين، فلا بد أن يشتري أضحية ثانية، والله أعلم..
أما إن فرت أو ماتت بعد ما عينها ،فله أن يشتري غيرها، ما لم يفرط، بناءً على القاعدة السابقة، فإن وجدها بعدما فرت وكان قد ذبح غيرها فلا شيء عليه..
ويجوز للرجل بعد ما عين أضحيته أن يتحول إلى أخرى أحسن منها، ودليل ذلك ما أخرجه أبو داود وأحمد والدارمي عن جابر رضي الله عنه، أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة، أن أصلي في بيت المقدس، فقال له صلى الله عليه وسلم: {صل ها هنا}، فأعاد عليه، فقال: {صل ها هنا}، فأعاد عليه ثالثة، فقال له صلى الله عليه وسلم: {شأنك إذن}، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشده إلى صلاة أفضل من الصلاة في بيت المقدس، وهي الصلاة في مسجده، لذا جوز العلماء أن ينتقل الإنسان من طاعة إلى طاعة أفضل منها، مثل أن ينتقل من شاة، وإن تعينت إلى شاة أفضل، وفي هذا نفع زائد للفقراء، فإذا جاز الانتقال من الأفضلية فمن باب أولى إن ضاعت جاز البدل عنها، والله أعلم ..

السؤال 212: هل يجزى توزيع المال بدل الأضحية؟
الجواب: البعض يقول المراد بالأضحية التوسعة على الفقراء، لذا الفقراء ليسوا بحاجة إلى لحم فلا بأس لو أعطيناهم مال، وهذا الأمر ليس بصحيح، فإن المراد بالأضحية هو نهر الدم، فنهر الدم شيء مراد مطلوب في الأضحية، لذا فقد فسر غير واحد قوله تعالى: {فصل لربك وانحر}، أن المراد الأضحية.
والأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، كصدقة الفطر، فعلى أرجح الأقوال أنه لا يجزى فيها القيمة، ولا بد من الإطعام، فكذلك الأضحية، فلو أننا أدينا صدقة الفطر مالاً، فإنها مع الزمن تتلاشى وتزول، وكذلك الأضحية، وربنا يقول عن الأضحية: {لن ينال الله لحومها ولا دمائها ولكن يناله التقوى منكم}، فهذه علامة تقوى، وأيضاً يقول تعالى: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}.

السؤال 213: ما هو السن الواجب توفره في الأضاحي؟
الجواب: كل أنواع الأنعام لا بد أن تكون ثنية، أي لها حبتان، والإبل ينبغي أن تبلغ خمس سنوات، والبقر ينبغي أن تبلغ السنتان، والضأن أن تكون قد عاشت أغلب أشهر السنة، يعني سبعة أشهر فأكثر، لكن أبو حنيفة قال: إن بلغت ستة أشهر وكانت سمينة، جاز ذلك، خلافاً لجماهير أهل العلم الذين قالوا أن تعيش أغلب أشهر السنة، أما المعز ينبغي أن يكون قد عاش السنة، وأتمها ودخل في الثانية، ففي صحيح مسلم قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن}، وقال أبو بردة: يا رسول الله إن عندي عناقاً هي أحب إلي من شاتين فتجزئ عني؟ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {نعم ولن تجزئ عن أحد بعدك}، والعناق هي المعز الصغيرة التي بلغت أربعة أشهر.
وعلامة معرفة بلوغ السن للأضحية تكون من الأسنان من الحبة الثانية من الفم، ولذا يقال عنها الثنية، وقال بعض الفقهاء: من علامات الضأن أن ينام الشعر الذي على ظهره لأن الخروف الصغير يكون شعره واقفاً، فإذا صار جذعاً فإن شعره لا يبقى واقفاً.
وإن كنت لا تستطيع أن تفحص بنفسك، فانظر إلى من يبيعك، فإن رأيته صاحب ديانة وتثق فيه، فتعتمد على خبرته، وإن لم تره كذلك فلا تعتمد على خبره ،واستأنس بأصحاب الديانة ممن يعرفون.

السؤال 214: ماذا يقال عند الذبح؟ وما هو أفضل مكان للذبح؟
الجواب: يقال عند الذبح: ((بسم الله)) وجوباً، و((الله أكبر، هذا منك وإليك)) استحباباً، فالتسمية واجبة، وأن تزيد: الله أكبر هذا منك وإليك مستحب.
أما أفضل مكان لذبح الأضحية، فأحب مكان إلى الله لذبحها هو مصلى العيد، وهذه سنة مهجورة، وقد جاء في صحيح بخاري عن عبدالله بن عمر، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى)) فهذه السنة، وفيها إظهار لهذه الشعيرة ،وفيها تعميم للنفع فيعطى منها الفقراء ويشهد هذه الشعيرة في المصلى النساء والأولاد لأن الواجب إخراجهم إلى صلاة العيد حتى الحيض من النساء وذوات الخدور يخرجن إلى مصلى العيد، ليشهدوا خطبة الإمام، وفي هذا حكمة، ليخرج الجميع إلى مصلى العيد، حيث تقع الأضحية.

السؤا ل215: لو أن رجلاً وكلني بأن أضحي عنه، هل أمسك عن أخذ شيء من ظفري وشعري؟ وورد في بعض الكتب: ((لا يأخذ من بشرته)) كيف يكون ذلك؟ والمرأة إذا أرادت أن تضحي من مالها هل تمسك عن الأخذ؟
الجواب: الذي أراد أن يضحي هو الذي يمسك عن شعره وأظفاره لا المتوكل، والمرأة التي تضحي من مالها هي التي تمسك عن شعرها وأظفارها وليس زوجها.
أما معنى ((لا يأخذ من بشرته)) جلده، ويكون ذلك في صورتين، الصورة الأولى: رجل أسلم، ولم يكن مختوناً، وكان إسلامه في العشر الأوائل من ذي الحجة، وأراد أن يضحي فلا يختتن قبل أن يضحي، والصورة الثانية: أحياناً يكون جلد زائد في العقب، فهذا أيضاً ممنوع الأخذ منه لمن أراد أن يضحي.

السؤال 216: ثبت عن أبي بكر وعمر أنهما كانا أحياناً لا يضحيان، لئلا يظن الناس أنها واجبة، وقال صلى الله عليه وسلم: {من وجد سعة ولم يضحي فلا يقربن مصلانا}، فما الراجح من حيث وجوبها على المستطيع؟
الجواب: الراجح أن الأضحية واجبة على المستطيع، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر من ضحى قبل الوقت أن يعيد أضحيته، وربنا يقول: {فصل لربك وانحر}، ويقول النبي أيضاً: {من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا} وهذا مذهب أبي حنيفة والأوزاعي والليث بن سعد، وابن تيمية، وجمع من المحققين.
وأما فعل أبي بكر وعمر فإنهما لما رأيا الناس يتباهون في الأضاحي كانا يكتمان ولا يظهران، فليس المقصود بالترك الترك بالكلية ،إنما كانا يتركان الإظهار، وأبو بكر وعمر، وغيرهم ممن ذكر عنهم ذلك، هم أقرب الناس للسنة، وأحرص الناس عليها، فهم ما كانوا يظهرون الأضحية فحسب.

السؤال 217: هل زراعة النطفة في رحم امرأة غير الزوجة جائز أم لا؟ وذلك بوضع البويضة المخصبة من الزوجين في رحم امرأة أخرى، ودفع الأجرة لها على حضانة الجنين، فهل يجوز ذلك؟
الجواب: لقد نزلت في حياة المسلمين في سائر ضروب الحياة، نوازل عديدة، في عامل الطب والاقتصاد والسياسة والاجتماع وغير ذلك، وهذه النوازل التي تخص الأمة بالجملة ولا تخص الأفراد، يحسن ويجدر أن يكون فيها اجتهاد جماعي فرأي الجماعة خير من رأي الفرد، وهنالك مجامع فقهية عديدة يجتمع فيها أعلام الفقهاء ويبحثون هذه النوازل.
ومن بين المسائل الطبية التي نزلت في حياة المسلمين اليوم ما يخص الجنين وما يمسى بالتلقيح الاصطناعي، وللتلقيح صور منها الصورة التي يسأل عنها الأخ السائل، هذه الصورة تكون البويضة صالحة ويمكن أن تلقح لكن يكون الرحم إما أن يكون لا يقدر على حمل الجنين وإما أن تكون المرأة لسبب أو لآخر لا ينصح بأن تحمل ووجود هذه البويضة الملقحة قد يودي بحياتها ، وفي بعض الأحايين يكون الرحم قد نزع من المرأة، ففي مثل هذه الصورة يلجأ الأطباء إلى أن تؤخذ البويضة من المرأة وتلقح، ثم تزرع، ويعود زرعها في رحم امرأة أخرى.
والطب اليوم قد تقدم، والطب اليوم قد أصبح تجارة إلا عند من رحم الله، وحصل انفكاك بعيد بين الطب والدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وسمعنا ورأينا أشياء يندى لها الجبين تخص الأطباء من مزاولات غير شريفة لمهنتهم، وفي بعض الأحايين تكون مناقضة للخلق والدين.
وهذه المسألة يسمونها (إجارة الرحم) أو (إجارة الظئر) أو (شتل الجنين) فهذه التسميات لمسألة واحدة، والظئر في اللغة هو أن تحن الناقة على ولد غيرها، فهذه تسمى الظئر، فلذلك سميت إجارة الظئر، لأنه وضع في رحمها بويضة من غيرها.
والعلماء المعاصرون وجل المجامع الفقهية يحرمون هذه الصورة، لاحتمال وجود إفراز بويضة أخرى وتلقيحها واختلاط الأولاد، فلا نعرف صاحب البويضة الحقيقية أو صاحب البويضة المزروعة، والشرع قد حرص كل الحرص على عدم اختلاط الأنساب،والنسب يترتب عليه أحكام كثيرة، من الميراث وغيره، فالمرأة التي تزرع فيها هذه البويضة بالوطء يمكن أن تلقي بويضة أخرى لها وتلد توأم.
وإن لم يقع حمل مع هذا الولد – الناتج من الزراعة- فقد وقع خلاف شديد من أم هذا الولد، هل هي صاحبة البويضة أم التي ولدت؟ فربنا يقول: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم}، ويقول: {إن أمهاتكم إلا اللائي ولدنهم}، ويقول: {وحملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً} فهذه هي التي حملت ووضعت وهي التي ولدت وخرج الولد منها، فالمسألة منعها جل الباحثين، لوجود عسر في العلاقة ولاحتمال وجود الحمل مع النطفة المزروعة.
وقد جوز بعض صور هذه المسألة بعض مشايخنا في هذا العصر وهما الشيخان الجليلان الشيخ ابن عثيمين والشيخ مصطفى الزرقاء، رحمهما الله،فقد جوزا صورة واحدة في هذه المسألة وهي أن تزرع النطفة بعد تلقيحها في رحم الضرة، فرجل عنده زوجتان [إحداهما لا تقدر على الحمل]، فتؤخذ بويضة منها وتزرع في رحم ضرتها، فقالوا : هنا لا يوجد اختلاط أنساب، لأن الولد في الحالتين يبقى لأبيه، لكن في الحقيقة إن حصل حمل في هذه الضرة، فهناك منازعة في الولد لمن يكون؟
والمجمع الفقهي في مكة في سنة 1404هـ، بحث هذه المسألة وقرر اعتماد رأي الشيخين مصطفى الزرقاء وابن عثيمين، ثم في العام الذي يليه 1405هـ، بحث المسألة نفسها وتراجع عن إقراره الأول، وبقي يقول بالحرمة، حتى زرع هذه النطفة في رحم الضرة، وهذا الذي تميل إليه النفس.
والولد ليس هو كل شيء في الحياة بلا شك، والمطلوب من الإنسان أن يصبر، وأن يجأر إلى الله بالدعاء، وبالذكر والاستغفار، والله عز وجل يقول: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل عليكم السماء مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً}، وجاء رجل إلى الحسن بن علي رضي الله عنه، فقال له: إني فقير، فادعو الله أن يرزقني، فقال: عليك بالاستغفار، وجاءه آخر وقال له: إني عقيم، فادعو الله أن يأتيني الولد، فقال: عليك بالاستغفار، فلما انصرف السائلان سأله التلاميذ: لماذا أجبت الاثنين بهذا؟ فتلى قول الله: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين}.
وكم من إنسان نبيه عالم له ذكر الآن، وذكره ليس من أبناءه الذين من صلبه، وإنما ذكره من أبناءه الذين من فكره، وابن الفكر عند العقلاء لا يقل عن ابن الصلب، كالإمام الطبري وشيخ الإسلام ابن تيمية، والنووي فهؤلاء لم يتزوجوا، والإمام مسلم لم يولد له ذكر، وهؤلاء كان لهم ذكر، ومن جعل الله له ذكراً بين عباده المؤمنين والصالحين فكفاه ذكراً.
ومن كانت هذه حالها، فليس لها إلا الصبر، وللزوج أن يعدد الزوجات، فهذا من الحلول الشرعية، أما الزرع واستئجار الرحم، فهذا يتنافى مع كرامة الإنسان فكما أن الإنسان لا يجوز أن يبيع شيئاً من أعضاءه، ولا يبيع شيئاً من دمه فكذلك الرحم لا يستأجر وهذا ينافي عموم قول الله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم}، فابن آدم مكرم وهناك شيء مقلق ومزعج في مثل هذه المسائل فكم من امرأة قيل لها هذا ابنك، ويثبت فيما بعد أن الأب لا يوجد ماء حياة في حيوانه المنوي، فلهذا أرى الصبر وبهذا تفتى المجامع الفقهية، والله أعلم..

السؤال 218: إذا أخرج رجل مالاً صدقة للفقراء، وأعطاه لأحد الإخوة ليوزعه على الفقراء، ولكن هذا الأخ أخذه ليتزوج به دون علم صاحب المال الأصلي، فما حكم الذي تزوج بالمال؟
الجواب: الذي أراه صواباً إن كان يعلم الآخذ أن المعطي أعطاه لفقره ،وقامت القرائن على أنه فقير وأراد ألا يحرجه وأراد أن يعطيه، فقال له: هذه للفقراء تصرف فيها كما شئت، وقامت القرائن على علم المعطي بفقره، وأن المبلغ المعطى ليس فيه وكالة فأخذه فلا أرى حرجاً في هذا.
أما رجل أعطى آخر، والمعطي لا يعلم أن هذا فقير، والآخذ يعلم فقره، فلا يجوز له أن يأخذ إلا بإذن المعطي، لأن الوكيل يتصرف تصرف الأصيل، ولا يجوز له أن يخرج عن تصرف الأصيل، إلا بإذن منه، لا سيما إن قامت القرائن على أن هذا المال ليس له كمن يعطي آخر مبلغ خمسة آلاف دينار، ويقول له: هذه زكاة مالي، تصرف فيها، فهذا قطعاً لا يعطيه الخمسة آلاف دينار، لأن هذا الغني إذا أراد أن يعطي هذا الفقير بعينه فهو لا يعطيه هذا المبلغ ويعطيه شيء قليل، فإن كان يعلم في مثل هذه الصورة أنه فقير، وأنه أعطاه لديانته، فله أن يأخذ له بمقدار ما يعطي غيره.
ويجوز دفع الزكاة من أجل الزواج لأن المال في أيدي الناس من أجل قضاء الحوائج الأصلية، ومنها الزواج، لكن مثل هذا السائل إن كان أعطي هذا المال وهو يعلم أن المعطي لا يعلم فقره فعليه أن يستأذنه لأنه وكيل ولا يتصرف إلا على مراد الموكل الأصيل، والله أعلم.

السؤال 219: ما حكم تعليق الملصقات والبراويز التي تتضمن آيات قرآنية؟
الجواب: كثير من الناس يهجر القرآن وللهجر أشكال وضروب فمن لم يقرأ القرآن هجره بعينه ومن لم يسمعه هجره بأذنه، ومن قرأه أو سمعه ولم يتدبره، فقد هجره بقلبه، ومن سمعه وقرأه وتدبره ولم يعمل به، فقد هجره بأركانه.
وإذا رأيتم الإنسان اعتنى بالظاهر عناية زائدة، فإن في هذا دلالة ظاهرة على خراب الباطن، فكثير من الناس القرآن عنده يعلقه في السيارة يظن أن هذا المصحف يحميه، وهو لا يقرأه ولا يعمل به، وكثير من الناس يهجر القرآن، ويجعل القرآن زينة في بيته يزين به جدران البيت، والقرآن أنزل لنزين به جدران قلوبنا، ولكي تظهر ثمرته وبركته على جوارحنا، وما أنزل الله القرآن ليتخذ مناظر على الجدران فهذا نوع من الإهانة للقرآن الكريم، ورضي الله عن أبي الدرداء فإنه كان يقول: (إذا حليتم مصاحيفكم وزخرفتم مساجيدكم فالدمار عليكم) ومعنى المساجد أن تزخرف يعني أنها تعطلت مهمتها ، فمن وصايا السلف أن الإنسان المهموم يدخل المسجد لأنه لما يدخل المسجد ليجد بيتاً متواضعاً فيقول: لماذا أنا مهموم وهذه الدنيا ماذا تساوي إن كان بيت الله هكذا؟ فهذا يزيل عنه الغم، أما اليوم فزخرفة المساجد أصبح فيها مضاهاة للنصارى، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أننا سنحمرها ونصفرها ونزخرفها، وهذا شرط من أشراط الساعة.
فالأصل في المصاحف ألا تزين ، والأصل في البيوت أن تبقى على ما هي عليه، وما أنزل الله القرآن لتزيين الجدران بالآيات ، فاعتن بالقرآن العناية الشرعية واقبل عليه واقرأه قراءة صحيحة، بأحكام التلاوة، والتدبر، ثم إياك أن تهجر جوارحك القرآن وأحكامه فاعمل به، هذا هو المطلوب..

السؤال 220: ما حكم القنوت في صلاة الفجر ؟ وما معنى {وقوموا لله قانتين}؟
الجواب: معنى {قوموا لله قانتين}، أي أطيلوا القيام بين يديه وليس معناه أقنتوا في الصلاة، ومصداق ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {أحب الصلاة إلى الله طول القنوت}، أي طول القيام، ولم يقل أحد المفسرين لا السابقين ولا اللاحقين ولن يقول بهذا أحد إلى يوم الدين بأن القنوت الوارد في الآية معناه أقنتوا في صلاتكم.
أما حكم القنوت في صلاة الفجر فمسألة وقع فيها خلاف بين الفقهاء، ومذهب الجماهير سلفاً وخلفاً، عدم مشروعية تخصيص القنوت في صلاة الفجر، فهذا مذهب الإمام أبي حنيفة ومالك وأحمد، وأما مذهب الشافعية فإنهم يقولون بالقنوت في صلاة الفجر، ويعتمدون على حديث أنس أخرجه بعض أصحاب السنن وفيه: {ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الفجر حتى فارق الحياة}، والحمد لله أن هذا الحديث عن أنس وقد ثبت في الصحيحين، البخاري ومسلم، أصحا كتابين بعد القرآن الكريم، ففيهما من حديث أنس أيضاً: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على أحياء من أحياء العرب ثم ترك}، وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الفجر والمغرب وثبت في مسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء.
فالقنوت هو للنازلة، فمتى نزلت بالأمة نازلة، يقنت في الصلوات الخمس وليس في الفجر فقط، ويقنت كما قنت النبي صلى الله عليه وسلم، كان يدعو لأقوام ويدعو على أقوام، دون قوله: {اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت.......إلخ}، فهذا خاص بالوتر.
فالحديث الذي اعتمد عليه الشافعية عن أنس يناقض حديث أنس الذي في الصحيحين فالحديث الذي استدل به الشافعية عن أنس: {ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الحياة}، فيه راوٍ اسمه أبو جعفر الرازي غمز فيه ابن معين فالحديث ضعيف.
قد يقول قائل الآن: الأمة ما أكثر النوازل فيها، نقول: نقنت لكن لا نخص الفجر بالقنوت ولا نخص القنوت بصيغة {اللهم اهدني فيمن هديت.....} الخاصة بالوتر.
أما بالنسبة لقنوت الوتر ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت ويترك، وخير الهدي هديه، وكان في قنوت الوتر يقنت قبل الركوع لا بعده، وكان يقول : {اللهم اهدني فيمن هديت...تباركت ربنا وتعاليت}، دون الزيادة عليه، أما في النصف الثاني من رمضان فكان يداوم صلى الله عليه وسلم في الوتر على القنوت، وكان الناس في زمن عمر كما في صحيح ابن خزيمة، كانوا يلعنون الكفرة، في النصف الثاني من رمضان ،فلو زيد على دعاء القنوت في النصف الثاني من رمضان مع الدوام عليه فلا حرج، ولو نقل أيضاً من النصف الثاني من رمضان من قبل الركوع إلى بعد الركوع فلا حرج، إن شاء الله ....

السؤال 221: هل يجوز تخفيف الشارب بالماكنة كثيراً؟
الجواب: ورد في الشارب أحاديث كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: {جزوا الشارب}، ومنها: {قصوا الشارب}، ومنها: {أنهكوا الشارب}، وأشدها الإنهاك وحلق الشارب لا يجوز، وحلقه في الشرع أشد من حلق اللحية، لذا قال الإمام مالك: (حلق الشارب مُثْلَة يعزر فاعله)، أي يضرب ويهان، وفيه تشبه بالنساء.
أما تخفيف الشارب كثيراً فجائز، بل هو السنة، لقوله صلى الله عليه وسلم: {أنهكوا الشارب}، ومعناه: خذوه أخذاً شديداً، حتى لو أن البشرة ظهرت منه بعد الأخذ، لكان حسناً، فأخذه بالماكنة لا حرج؛ لأن فيه امتثال لأمره صلى الله عليه وسلم.

السؤال 222: اشتريت سيارة من رجل اشتراها من البنك وسأسد أنا المتبقي من ثمنها، وعندي مال بحيث لا أتأخر عن موعد القسط، فهل هذا مشروع أم لا؟
الجواب: هذا الأخ يقول: أنا اتفقت مع البائع وما اشتريت من البنك، وأسد البنك، وسأدفع كل شهر مبلغاً، وأنا أملك هذا المبلغ، وأضعه على جنب، حتى لا أقع في الربا، فاحتمال أن يترتب علي ربا غير وارد أبداً، لأني أدفع على رأس كل شهر المبلغ المطلوب، فأين الحرمة؟ نقول له: المعاملة حرام ونلفت النظر إلى أمرين مهمين:
الأمر الأول: أرأيتم لو أن رجلاً أراد أن يأخذ قرضاً ربوياً، لكن امتنع من أجل الربا، فقال له رجل آخر أنا آخذ القرض لك وأتحمل الربا عنك، هل يصبح هذا القرض حلالاً؟ لا، فإن تحمل البائع الأول للربا لا يجعله حلالاً.
والأمر الثاني الهام في العقد: أن الرضا بالربا حرام، وإن لم يقع الربا، فهذا الرجل لما يتفق مع البنك سيتفق مع البنك بتوقيع عقد ربوي، فيرضى بالربا وإن لم يقع الربا، أما الحلال في هذه الصورة هو أن نخرج البنك من هذه العملية، فنسد البنك ونخرجه، ويسد البائع المشتري البائع على وفق القاعدة الشرعية لا الربوية، وهي قوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة}، وما عدا ذلك، ما دام البنك موجوداً فلا بد أن يقع الإثم، وإن لم يقع الربا وذلك بالرضى بالربا، والله أعلم...

السؤال 223: هل يجوز استعارة الكتب، التي هي وقف، من المسجد وإخراجها لمدة طويلة؟
الجواب: كتب الوقف التي في المسجد فلا تخرج من المسجد إلا بإذن الواقف، فإن كان الواقف قد أذن لم أراد أن ينظر فيها أن يخرجها، بشرط أن تعود للمسجد، ويحرم على الرجل أن يبقيها عنده.
ولا يلزم من عدم قيام الحد في مثل هذه الأشياء أنها حلال فمن سرق من المسجد فلا يقام عليه الحد لكنه آثم وفعله حرام، والله أعلم....

السؤال 224: هل في قوله تعالى: {اصطفى البنات على البنين} دليل على أن الشرع أكرم الذكور زيادة على الإناث؟
الجواب: لا يوجد دليل على أن الرجل بجنسه مكرم على المرأة بجنسها، وإنما كما قال الله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، أما الآية {اصطفى البنات على البنين}، فيها إشارة على أن العرب كانوا يفضلون بطباعهم الذكر على الأنثى، ومع هذا التفضيل فإنهم نسبوا الملائكة إلى الله، وجعلوا الملائكة بنات الله، فالله عز وجل عاتبهم، فأنتم تنسبون إلى ربكم الشيء المفضول على حد زعمكم، وهذا فيه إنكار وليس فيه إقرار، وإلا فقد ثبت في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنما النساء شقائق الرجال}، فالمرأة الصالحة أفضل من الرجل الصالح.
وقال بعض السلف في تفسير قوله تعالى: {يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً}، قال غير واحد من السلف: (من يمن المرأة وبركتها أن تبدأ بما بدأ به الله، وهذا كلام صحيح، فمن اليسر على الرجل أن يرزق البنت قبل الولد، لأسباب: أولاً تعين وتساعد الأم في وقت قصير، ثم إن رزق الرجل البنت قبل الولد، فإن طاعة البنت لوالديها أكثر، ومشاكستها وشراستها أقل من مشكاسة وشراسة الولد، فلما يرى الولد من قبله خاضع لوالديه فإنه يمتثل ويسير بسيرهما، أما البنت لما ترى مشاكسة الأولاد قبلها فإنها تشاكس مثلهم، لذا من يمن المرأة وبركتها أن تبدأ بالأنثى قبل الذكر كما قال الله تعالى.

السؤال 225: نرجو أن تذكر لنا بعض الكتب النافعة والمفيدة في الفقه وأصول الفقه؟
الجواب: كتب الفقه وأصول الفقه كثيرة، وأنا أحب من كتب الفقه الكتب المدللة، التي فيها الدليل وأنصح بكتب مجموعة من الأئمة من الأقدمين، منهم البيهقي وأرى أنه عرض الفقه في كتابه "السنن الصغير" عرضاً يوافق الدليل وعرضاً قوياً جداً والبيهقي مؤلفاته متكاملة، واقتصر في كتابه "السنن الصغير" على الراجح مع الدليل، وأسلوبه ناعم، بعيد عن المشاكسات والكلمات التي فيها ردود قوية.
وأنصح بقراءة كتب ابن المنذر وأرى أن ابن المنذر جميع الأمة عالة عليه ممن جاء بعده، على كتابه الأوسط، فالخلاف الطويل الذي يذكر في كتاب الفقه المقارن، مثل "المجموع" للنووي و"المغني" لابن قدامة، و"المحلى" لابن حزم، وماشابه فهذا كله أصله من ابن المنذر وابن عبدالبر، ولو أن كتاب"الأوسط" لابن المنذر، نجا وسلم لنا لكان عندي هو كتاب الإسلام بعد الكتاب والسنة، قال الإمام العز بن عبدالسلام: (لم تطب نفسي بالفتوى حتى اقتنيت "المغني" و"المحلى") وقال الذهبي في ترجمة ابن عبدالبر في "السير" بعد أن ذكر قول العز بن عبدالسلام، قال: (قلت: من اقتنى "المغني" و"المحلى" و"السنن الكبير"للبيهقي، و"التمهيد" لابن عبدالبر، وأدمن النظر فيها فهو العالم حقاً) وهذه شهادة الذهبي وهو أعلم الناس بالرجال، فأنا أرى قراءة كتب البيهقي، وابن المنذر وابن عبد البر، لا سيما "التمهيد"، فهو من الكتب العالية والغالية، وهو من الكتب الرائعة، وأنصح بقراءة كتب ابن تيمية، وابن القيم، فهؤلاء الخمسة أنصح بقراءة كتبهم قراءة جيدة، وكتب الإمام النووي أيضاً جيدة لا سيما الشروح الحديثية، فشرح صحيح مسلم فيه فوائد فقهية جيدة، قريبة من الدليل، وهذه الكتب تنفع المتقدمين من الطلبة.
أما المبتدئ فيبدأ بقراءة فقه السنة مع تمام المنة، فهذا جيد، فإن حصل في غير الفقه شيئاً وأراد أن يحصل شيئاً في الفقه، فليقرأ "سبل السلام" أو "نيل الأوطار" أو "شرح عمدة الأحكام" وما شابه، ويبقى مع فقه الدليل، فإن أراد أن يتوسع فلا بد من أن يقرأ "المغني" و"المحلى" و"المجموع".
أما كتب الأصول فهي مليئة بعلم الكلام والفلسفة، وفيها شيء كثير من غير الأصول؛ فقد ألف بعض أصحابنا المكيين رسالة نال بها العالمية [الدكتوراة] سماها: "ما ليس من الأصول في كتب الأصول" وكتب الأصول القديمة صعبة، كـ"المحصول" و"المستصفى"، وكتب الأصول المهمة التي ينبغي لطالب العلم أن ينظر فيها "إعلام الموقعين" لابن القيم، وهو كتاب عجيب غريب وحدثني الشيخ بكر أبو زيد قال: سمعت الشيخ عبدالعزيز بن باز يقول: (كتاب الإسلام "إعلام الموقعين" ومن قرأه يعجب من ذهن وعقلية صاحبه، وكتاب "الإحكام" من الكتب المهمة، ومن الكتب المهمة"الاعتصام" فيه ذكر لما يخص السنة والبدعة، وكتاب "الموافقات" الذي فيه ما يغطي مسألة المقاصد وهذه ينبغي أن ينظر فيها الطالب في الختام لذا قال الشافعي في مقدمة كتابه "الموافقات": (لا آذن لأحد أن ينظر في كتابي هذا إلا أن يكون شبعان ريان من علم الشريعة).
ومن المعاصرين أرى كتاب "المذكرة" له وجهان: وجه يطل على الأقدمين، والآخر يطل على المحدثين، وقد أبدع وأحسن وحرر ويسر صاحبه مباحث أصول الفقه، والله الموفق للصواب.

السؤال 226: هل ما يتوارد على ألسنة الناس أن رجلان قدما من الشام، فأخبر أحدهما عن الصلاح الموجود فيها، والآخر عن الفساد، دلالة عن رغبة كل رجل، هل هذا الأثر صحيح وله أصل أم لا؟
الجواب:تعبت في البحث عنه، فلم أجد له أصلاً، رغم أن كثير من العوام يتناقلوه، ولا أظنه إلا أنه مكذوب ويحرم على الرجل أن يقوله حتى يتيقن من أن النبي قد قاله،وهو جزماً، ليس موجوداً في الكتب المشهورة، كالكتب التسعة وغير موجود أيضاً، في المعاجم المشهورة، ولا المسانيد المشهورة، وقد مر بالأحاديث الغريبة في بطون كتب الأدب والتاريخ فلم أظفر به، مع أن هذه الكتب هي فطنة الأحاديث الغريبة، ولا أظنه إلا مكذوباً، والله أعلم...

السؤال 227: أي الكتب التي تنصحون بقرائتها في السيرة النبوية؟
الجواب: السيرة النبوية مهمة، وللآن الكتابة فيها ضعيفة، ولا سيما الدراسة التحليلية، فضلاً عن الدراسة النصية، التي تبين الصحيح من غيره.
ومن أجود الكتب التي أنصح بقرائتها في السيرة النبوية كتاب "السيرة النبوية" للإمام الذهبي، وهو عبارة عن مقدمة لتاريخ الإسلام، وقد طبع في الستينات من هذا القرن، والذهبي إمام حاذق محدث يعتني بالصحيح، كيف لا وهو القائل: (وأي خير في حديث اختلط صحيحه بواهيه وأنت لا تفليه ولا تبحث عن ناقليه).
ومن كتب السيرة النبوية الجيدة كتاب "السيرة النبوية" لابن كثير، فهو محرر وهو بالجملة جيد، ويغلب عليه الصحة، ولقد اشتغل به شيخنا قبل وفاته ويا ليته أتمه، فقد مات قبل أن يتمه.
أما المعاصرون فأنصح بكتابين أيضاً؛ كتاب "صحيح السيرة النبوية" لمحمد بن رزق الطرهوني المقيم في المدينة النبوية، وقد طبع منه للآن مجلدين، ووصل فيه إلى الهجرة، ولم يتمه بعد، والكتاب الثاني "السيرة النبوية الصحيحة" للشيخ الدكتور أكرم ضياء العمري، وهو كتاب جيد اعتنى عناية جيدة بالآيات فأخذ من القرآن ما يخص السيرة، وذكر أشياء من السنة والكتاب عليه بعض الملحوظات لكنه بالجملة من أجود ما كتب في الباب، والله الموفق.

السؤال 228: ما صحة الأحاديث التالية: {من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته}، و{حق الأخ الأكبر على الأخ الأصغر كحق الوالد على ولده}، و{كن مع الله ولا تبالي}؟
الجواب: أما {كن مع الله ولا تبالي}، فهذه حكمة دارجة على ألسنة الناس وليست بحديث مرفوع و لا يجوز نسبتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أما {من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته}، فهذا صحيح لغيره وفي هذا الحديث تهديد ووعيد، لمن تتبع ونقصد أن يعلم عورات الناس، فإياك أخي الحبيب أن تنشغل بهذا، اجعل الناس على العافية، واجعل الناس على ستر الله لهم، واترك تتبع عوراتهم، فإن فعلت فإن الله سيعاملك جزاءاً وفاقاً لما قمت به، فإن الله قد تكفل بأن يظهر عوراتك، وكم من إنسان ذكي، وطالب علم بدت عليه في البدايات علامات وأمارات البلوغ لكنه انقطع في الطريق لما بدأ ينشغل بعورات العلماء وطلبة العلم، ففضحه الله عز وجل على رؤوس الأشهاد، وأصبح إن ذكر لا يذكر إلا بسوء وشر.
وأما قوله: {حق الأخ الأكبر على الأخ الأصغر كحق الوالد على ولده}، فهذا حديث ضعيف رواه أبو نعيم في "أخبار أصبهان 1\ 122" عن أبي هريرة رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده مظلم فيه محمد بن مشكان والساءب النكري وهما لا يعرفان ثم وجدته في مراسيل أبي داود، عن سعيد بن عمرو رفعه ولم تثبت له صحبة، فالحديث له طريقان: طريق إسناده مظلم وطريق آخر مرسل، ولا يحسن الحديث بمثل هذين الطريقين، فهو ضعيف، ويغني عنه قوله صلى الله عليه وسلم: {ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه}، فالأخ الكبير ينبغي أن يحترم من باب التوقير.

السؤال 229: سمعنا أن ابن القيم يقول: (إن لم يخطر على بال المسلم شيء مهم، أن يصلي لله ركعتين فإن الشيطان يذكره به لانشغاله عن الصلاة) فما رأيكم؟
الجواب: لا أعرف هذه الصلاة، وهذا السبب لهذه الصلاة، وأنا في شك من نقل هذا الكلام عن ابن القيم.
وهنالك قصة ذكرها الكردلي وغيره في مناقب أبي حنيفة: أن رجلاً دفن مالاً وضيعه فلما سأل الناس قالوا له جوابك عند أبي حنيفة فإنه رجل عاقل وذكي وصالح، اسأله فعنده الجواب، فجاء إلى أبي حنيفة، وقال له: يا إمام لقد دفنت مالاً وضيعت مكانه فما هو علاج ذلك؟ فقال له أبو حنيفة رحمه الله: استيقظ في آخر الليل قم وتوضأ وصل ركعتين، فخرج ولم يعجبه الجواب، وقال: سبحان الله تقولون إن أبا حنيفة من أعلم الناس وأقول له إني ضيعت مالاً ويقول لي قم وصل ركعتين، فاستحقر جوابه ولم يعتبره.
فلما جن الليل وأخذه الأرق ولأن المال عزيز، فقام وقال: ما ندري لعل أبا حنيفة يريد شيئاً، فقام وتوضأ وصلى، وهو في صلاته جاءه الخاطر في المكان الذي دفن المال فيه، فما تركه الشيطان فذكره بمكان ماله.
أما من نسي شيئاً أن يصلي فما نستطيع أن نقول هذا حكم شرعي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهمه أمر فزع إلى الصلاة سأل الله عز وجل.
لكن هناك نصيحة غالية يعرفها من تعددت عليه شرائع الخير، يقول فيها الإمام ابن القيم: (إن كان لك ورد وعادة في الخير، فجاءك خاطر ليصرفك عن ورودك هذا، فاحفظ هذا الخاطر وابق في وردك ولا تتزحزح عنه، وبعد أن تفرغ من وردك افعل ذلك الخاطر، فإنك إن فعلت هذا مرات قليلة فإن هذا الخاطر لا يعود إليك لأنه من الشيطان) فالشيطان في بعض الأحايين مطمعه في بعض الناس لا سيما طالب العلم ألا يصده بداية، ولكن يشوش عليه، فإن أراد أن يقرأ القرآن يقول له: عندك دروس أو تحصيل فإن قرأ في العلم يقول له: القرآن، فإن جلس يقرأ يقول له: صلة الرحم، حقوق الوالدين، ويريد أن يظل يشوش عليه ويشغله عما هو فيه من خير، لذا إخواني هذه نصيحة غالية قررها الإمام الشاطبي في كتابه "الاعتصام" وما أروعها، وينبغي أن تكون قاعدة ودستوراً لكل طالب خير، وعلى هذا جرى السلف الصالح، فما عرف عن أحد السلف الصالح إن أخذ خصلة خير أن يتركها حتى الممات، فإن فتحت على نفسك باب خير فالزمه، وإياك أن تتركه، فقد ذم السلف كثرة التنقل والتحول، فقد كان أحد السلف إن فعل خصلة خير يبقى عليها، وبعد حين يفعل خصلة خير أخرى، وبعد حين أخرى، وهكذا، حتى أن علماء التراجم قالوا في ترجمة غير واحد من السلف: لو قيل له إنك ستموت غداً، ما استطاع أن يزيد شيئاً في الخير الذي كان يفعله، وما عرف نقيض هذا إلا عن ابن عمر، فإنه كان على حماس في قيام ثم ترك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {نعم ابن عمر، إلا أنه كان يقوم الليل وتركه}، فلما سمع هذا الكلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان ينام إلا أخذات يسيرة في الليل وبقي حريصاً على ما هو عليه.
واليوم كثير من طلبة العلم يكثرون التحول والتنقل، وليس هذا من هدي السلف الصالح، فمن هدي الموفق إن بدأ بخير يبقى عليه، من قيام ليل أو صيام أو حضور درس، أو تدريس أو صلة رحم، أو إحسان لفقير أو عطف على كبير فيبقى عليها حتى الممات، وهذه خبيئة للإنسان وقد صح عن عبدالله بن الزبير أنه كان يقول: ((ليكن لأحدكم خبيئة، بينه وبين ربه، فإن ألم به شيء سأل الله بخبيئته هذه)).
وكان للسلف الصالح يكون لأحدهم خبيئة لا يعرفها أحد، حتى أقرب الناس إليه، والفرق بيننا وبين سلفنا أن أفعالهم أبلغ من أقوالهم، وأقوالنا أبلغ من أفعالنا، وأن بواطنهم خير من ظواهرهم، وأما نحن فظواهرنا خير من بواطننا، نسأل الله أن يستر علينا، وأن يرحمنا، وأن يجعل أفعالنا أبلغ وأحسن من أقوالنا، وأن يجعل بواطننا أطهر من ظواهرنا.

السؤال 230: ما حكم زواج المتعة؟
الجواب: زواج المتعة لا نظير له في الشرع، وليس بمشروع وهو زنا، والحمدلله الذي صح عند البخاري، ثم الحمد لله، ثم الحمد لله، ثم الحمد لله أن صحابي الحديث علي: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم نكاح المتعة)).
وقد ركب الله الشهوة في الإنسان من أجل الولد، فإذا وقع التواطؤ مسبقاً بين الرجل والمرأة على مصادرة هذا الولد فهذا نكاح غير شرعي، فنكاح المتعة فيه موطئة على مصادرة الولد، فالزواج مقصد أصلي ومقاصد تبعية، فالمقصد الأصلي الولد، والمقاصد التبعية كثيرة أجملها الله بقوله: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}، فاللباس يقي والزوجة تقي واللباس يجمل والزوجة تجمل، والحكم الشرعي يتعلق بالمقصد الأصلي وليس المقاصد التبعية، فمتى حصل تواطؤ على مصادرة الولد فهذا الاتصال واللقاء بين الرجل والمرأة غير شرعي، وكما قرر الإمام الشاطبي في "الموافقات" لو لم يرد نص على حرمة المتعة فعلى المقاصد الشرعية وعلى نظائر المسألة يكون هذا النكاح غير شرعي.
والرافضة يجوزون نكاح المتعة وبعضهم يقول: هو جائز بين الشيعي والسنية أما بينهم فيحرمه. وقد ألف غير واحد من علمائنا الأقدمين وكتبت غير دراسة وهي دراسات جيدة في تقرير حرمة نكاح المتعة.

السؤال 231: ما حكم شراء البضائع من الجمعيات والنقابات وذلك بأخذ بطاقة في الشيء الذي يراد شرائه، واستلامه من محلات معينة، والدفع لهذه الجمعيات والنقابات بالتقسيط؟
الجواب: هذه الجمعيات أو النقابات تقوم بإعطاء ورقة بالشيء الذي يريد الشخص شرائه، فيستلمها هو من التاجر ويخصم عليه مبلغ كل شهر، وبلا شك أن الجهة التي رتبت هذا الأمر تزيد على السعر الذي يكون لو أنه اشتراها من التاجر مباشرة بالنقد.
ولا فرق عندي بين أن تأخذ مئتي دينار من هذه الجمعية أو النقابة، ثم تسدها إليهم مئتين وخمسون ديناراً وبين أن تأخذ الثلاجة من التاجر التي قيمتها مئتي دينار، ويقتطع منك مبلغ مئتين وخمسون ديناراً بل إن أخذك مئتي دينار وردها مئتين وخمسين ربا على الأرض، وأخذك للثلاجة بقيمة مئتين وخمسين ديناراً وثمنها مئتي دينار ربا على السلالم، والربا على الأرض أحسن من الربا على السلالم.
والسلعة في هذه المسألة كالتيس المستعار في الزواج فهو يطأ ويوجد عقد ورضا ولي أمر، لكن الأحكام الفقهية الشرعية لا تعلق بالشكل، وإنما تعلق بالحقيقة والمضمون.
وهذه الصورة ربا، والبائع لا يملك السلعة التي باعك إياها، ولا يغرمها، ولا يتعرض لأن يخسرها، فأنت تلجأ إليه ليس لأنه صانع أو بائع، إنما تلجأ إليه لأن عنده مال، ويملك ثمن السلعة الموجودة في المعرض، فهذا تحايل جلي غير خفي على الربا، وهذه معاملة غير جائزة، وحتى تكون جائزة، الجمعية أو النقابة تشتري هذه السلع وتقتنيها ثم أنت تشتري منها، والله أعلم.

السؤال 233: هل يجوز الفحص الطبي قبل الزواج؟
الجواب: كانت الحياة يسيرة وكان الصدق في العصر الأول الأنور هو الأصل، ولم يكن عندهم كتمان وإخفاء في العيوب، فلذا لما طلب النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة، فقالت أم سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا رسول الله إني امرأة غيرة، وذات عيال، وكبيرة لا ألد))، فبينت عيوبها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: {أما أنا فأكبر منك، وأما الغيرة فأدعو الله عز وجل أن يذهبها، وأما العيال فلله ورسوله}، فالشاهد من القصة أن أم سلمة ذكرت عيوبها وكان العصر آنذاك عصر صدق ولم يكن الطب قد تقدم.
وأن يتزوج الرجل المرأة لدينها وإلا يدقق هذه التدقيقات، بناءاً على حسن المتوكل، وحسن الظن بالله، واقتداءاً بما كان عليه الأولون فهذا حسن، لكن لو أراد يعمل الفحص لا سيما عند وجود أمارات وإشارات وقرائن على أمراض وراثية فلو فعل فلا أرى في هذا حرج لكن الحرج الذي أراه أن يجعل هذا الفحص لازماً كما قد سن في بعض القوانين.
ومع وجود الحرج لو ظهر عيب فهذا لا يمنع إن أراد الزوج أن يتغاضى عنه ،ويقبل الزوجة، هذا لا يمنع من الزواج إذا عرفه الرجل وتحمله، أو عرفته المرأة وتحملته.
وإن وقع هذا الفحص فينبغي أن يكون من جهة أمينة، تحفظ أسرار الناس ولا تبوح بها، ويقع هذا عند وجود أمراض وراثية عند عوامل معينة، تظهر بكثرة، فلو أراد الإنسان أن يحتاط فلا حرج في هذا، لا سيما أن الشرع قد حث على أن يكون الولد قوياً سليماً معافى صحيحاً، والولد من مقاصد الزواج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {تناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة}.
فإن قيل إن في هذا الحديث اعتراض على قدر الله قلنا: لا؛ فهذا كما قال عمر: ((نفر من قدر الله إلى قدر الله)) وليس في هذا اعتراض لكن المهم أن لا يكون هذا على وجه الإلزام، ويكون عند وجود الأمارات وتعليق القلب بالرب والتوكل عليه خير، والله أعلم...

السؤال 234: كيف نعرف الكتب المطبوعة؟
الجواب: هذا يحتاج إلى معرفة الفهارس، كثرة الترداد إلى المكتبات والصلة بالعلماء والمحققين، والنظر في الكتب التي اختصت في هذا الباب، مثل: "ذخائر التراث العربي" لعبدالجبار عبد الرحمن، ذكر فيه الكتب المطبوعة، وتبنت جماعة الدول العربية من قبل أكثر من عشر سنوات أن تجمع جميع الكتب التي في العالم باللغة العربية، وأوكلت في كل بلد هذه المهمة لرجل أن يجمع الكتب التي طبعت في بلده، لكن لا أدري هل هذا مشروع ينجح أم لا؟ ونرجو الله أن يظهر، فحصر المطبوع من الأمور المهمة، و لكولكيس عواد النصراني العراقي كتاب جيد في معجم المطبوعات العربية، وله كتاب آخر في الكتب التي طبعت في الغرب.
ومعرفة الكتب المطبوعة تحتاج إلى خبرة وصلة قوية بالكتب، وتحتاج إلى حب الكتاب، فبعض الناس يضربون أمثلة عجيبة في حبهم للكتب، فيوجد بعض الناس عندهم من مكتبات طوابق عديدة، وحدثوني عن رجل في إيران أن جل "كشف الظنون" عنده، ويقولون إن له بيت طوابق متعددة كلها كتب، حتى المطبخ فيه رفوف للكتب.
فحب الكتب داء نسأل الله عز وجل أن يصيب طلبة العلم، فحب الكتب ومتابعتها ومعرفة المطبوع منها هذا من علامات الفلاح، لذا أحسن من قال:

ألا يا مستعير الكتب دعني فإن إعارة للكتب عار


فمحبوبي بذي الدنيا كتابي وهل يا صاح محبوب يعار


السؤال 235: كيف يتحرر العبد من حق أخيه المسلم ولو كان بعرضه؟
الجواب: يطلب المسامحة، لا سيما إن علم أن الذي آذاه حليم وصاحب خلق، ويعامل الناس بالفضل لا بالعدل، فإن علم منه خلاف ذلك، يكثر من الدعاء له، فقد أخرج أبو الشيخ في "التوبيخ والتنبيه" عن غير واحد من السلف: (كفارة من اغتبته أن تدعو له)، فمن اغتبته وتكلمت فيه وأخذت من عرضه فادع له، وأن تطلب المسامحة أمر حسن، والله أعلم....

السؤال 236: ما هو حكم استخدام موانع الحمل، كاللولب وحبوب منع الحمل، وهل هذا مشروع في حالة الضرورة؟
الجواب: الأصل، كما قلنا أكثر من مرة، من الزواج الولد، فالعجب من الناس يشبعون من الأولاد ولا يشبعون من الأموال، وربنا يقول: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا}، وللألوسي في تفسيره لطيفة عند هذه الآية يقول: ((الشيء الذي يزين الذي إن عرف على حقيقته لا ينفق))، فالدنيا لو علمها الناس على حقيقتها لما نفقت ولما أقبل عليها أحد،فزينها الله بالمال والبنون، فزينة هذه الحياة المال والبنون.
والعبرة بتنظيم النسل بالوسيلة، أما تحديد النسل فحرام، فأن تتخذ الدولة قراراً ألا يكون للرجل إلا ولداً أو ولدين مثلاً، كما هو حاصل في الصين، فهذا التحديد غير مشروع.
أما التنظيم فينظر فيه، فكلما اشتدت الحاجة والضوروة بالمرأة توسعنا بالوسيلة، واليوم؛ للأسف، فقد النساء الحياء، وفقد الرجال الغيرة، لذا نرى التبرج وقلة الحياء في المجتمعات، ولا حول ولا قوة إلا بالله، واليوم من السهولة بمكان أن يأخذ الرجل زوجته للطبيب وقد يكون نصرانياً، ويرى العورة ويفحصها من أجل أمور تافهة، ويوجد أشياء في البيت لو أخذتها المرأة لزال ما تشكو منه، لذا أنصح من يعرف بالطب الشعبي، والطب النبوي خصوصاً، أن يكتب كتاباً في البدائل الشرعية اليسيرة للمرأة في بيتها حتى لا تحتك بالرجال، فيوجد في المطبخ في كثير من الأحايين صيدلية، تستطيع المرأة في كثير من الحالات أن تقتصر عليها، وألا تخرج من بيتها.
فأقول: لقد أصبح لأتفه الأسباب أن تكشف المرأة عورتها الغليظة على الرجال، أو على النساء، وهذا أمر لا يجوز، فامرأة لا تشكو من شيء لا يجوز لها أن تكشف عورتها على امرأة مثلها لتركيب اللولب، ويجب على الرجل والمرأة أن يحفظ كل منهما عورته، ولا يجوز أن تذهب للطبيب من غير ضرورة.
والتنظيم كان قديماً بالعزل، ومع هذا العزل فيه كراهة، فقد ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه قال: ((كنا نعزل والقرآن ينزل)) والعزل لا يكون عن الحرة إلا بإذنها؛ لأن لها حقاً بالتمتع بالزوج كما للزوج حق كذلك، أما الأمة فلا تستأذن، فيعزل عنها بغير إذنها، وقد ثبت في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل، فقال: {تلك الموؤدة الصغرى}، وهذا يدلل على أن العزل مكروه، إعمالاً للأدلة كلها.
والموانع الموجودة اليوم مثل الحبوب فيها مضار، ومن مضارها تشنجات عصبية، وبعضاً منها يسبب العقم، فلا أنصح بأخذها إلا عند الضرورة، وكلما اشتدت الضرورة توسعنا، حتى لو قرر الطبيب المسلم الذي يتقي الله، لو قرر أن المرأة إن حملت فإن هذا قد يودي بحياتها، فلها أن تعمل ما يسمى اليوم بـ [تسكير المواسير]، فكلما اشتد الحاجة توسعنا في الوسيلة، أما من غير حاجة فلا يجوز للمرأة أن تكشف عورتها على امرأة مثلها، فضلاً عن طبيب مسلم، أو من باب أولى الطبيب الكافر، والله أعلم...

السؤال 237: نريد أن نخرج مع شباب المسجد في رحلة، فماذا تنصحون وكيف نغتنم الأوقات فيها، وما الآداب الواجب مراعاتها في مثل هذه الرحل، كالتي كانت برفقة الشيخ الألباني رحمه الله؟
الجواب: أقول والله المستعان، إن شيخنا إمام هذا العصر في الحديث الشيخ أبو عبدالرحمن محمد ناصر الدين بن نوح الألباني، رحمه الله، وطيب ثراه، ورفع درجته في عليين، لو لم يكن من حسنات اللقاء به إلا معرفة أهمية الوقت لكفى ذلك، ونقرأ عن أهمية الوقت عند العلماء، لكن الفرق بين الخبر والمعاينة، فكان الشيخ إذا سئل في مكتبته عن شيء، فعين عند السائل والأخرى في الكتاب، وما رأيت أحداً أشح بوقته منه، وهذا من علامة نبوغه ومن توفيق الله له، ومن أسباب تقدمه، ولو أن الشيخ فتح بابه لكل طارق، وجرس هاتفه لكل طالب لما نبغ النبوغ الذي كان عليه، ولذا لا بد للطالب أن يفوته شيء من خير، ولكن ينبغي أن يكون فقيهاً، وأن يعرف الأولويات.
وكانت رحلات الشيخ تكون بعد مضي جهد وتعب، وحبس للنفس في المكتبة، التي كان يقضي فيها قبل مرض موته، كان يقضي فيها بعض الأحايين، أكثر من ثماني عشرة ساعة، لا يخرج إلا لطعام يسير أو صلاة، فما كان يخرج لذات الرحلة، وإنما كان يخرج ليتقوى ويرتاح من ضغط ما هو فيه، وليستفيد من الوقت، وكان خروجه غالباً يكون مع طلبة علم فيخرج ليفيد، وما يعرف إلا الجلوس للسؤال والجواب، وإذا كان خروجه في النهار لا ينسى القيلولة، ويقيل في السيارة فيستعين بهذه المدة اليسيرة من النوم ،وكان الشيخ كالجواد كلما ركض جد واجتهد، فكان يجلس المجالس الطويلة، التي تمتد أكثر من ثماني ساعات والشباب الجالسون يتعبون من السماع والشيخ يقول: أنا معكم إلى حيث شئتم. فالمسائل العلمية كانت هي مبحثه وحادثه في جلوسه، وكما قالوا قديماً: كل شيء إن أنفقت منه فإنه ينقص إلا العلم فإنك إن أنفقته زاد.
وكنت في أول تعرفي على الشيخ لا أستغرب من معلوماته لكن كنت أستغرب من شيء ظهر لي فيما بعد سره، فكان الشيخ إن استشكل عليه الجواب ما رأيته تلكأ مرة في رد الشبهة التي تطرأ عليه، وكثيراً ما يكون الجالسون طلبة علم، وأناس معروفون ومرموقون ومحققون ممن يشار إليه بالبنان، بل بعض كبار العلماء وهو من هيئة كبار العلماء لما تباحثنا وإياه في بعض المسائل، لما كان عندنا هنا في الأردن، وكان يقول: الشيخ يقول كذا، ويستشكل علي كذا قلنا له الشيخ قريب فما المانع أن تجلس معه؟ فكان يقول: نتكلم من وراء الشيخ، أما أمام الشيخ فللشيخ مهابة لا تأذن لنا أن ننطق بكلمة، فكان رحمه الله له هيبة.
وكان حريصاً على وقته يخرج ليرتاح ويستعين فيما بعد على مواصلة الطلب من جهة وفي الجلوس تكون فائدة المباحثة وإيراد الاستشكالات من الطلبة فكان لا يتلكأ في استشكال إلا ويرده، وظهر لي السر فيما بعد، وكان السر في أشياء:
الأول: أن الشيخ متفنن ومتقن لأكثر من فن، فليس كمن لا يعرفه يقول إن الشيخ حديثي، فالشيخ بدأ فقيهاً، وتعلم الفقه الحنفي على أبيه، وكان أبوه فقيهاً حنفياً مرموقاً، وله تلاميذ كثر معروفون درسوا عليه الفقه، وكان للشيخ أيضاً نصيب جيد من علم أصول الفقه، ولا زلت أذكر أن الشيخ اتصل بي مرة وقال لي: دون عندك، أنا أحفظ في كتاب "التحرير" لابن همام أنه يقول كذا وكذا، وأملى علي فقرة وقال: أريد أن توثقها من كتاب "التحرير" وأن تتصل بي وتقرأ علي عبارة التحرير، فكادت العبارة التي في ذهنه تتطابق تماماً مع العبارة الموجودة في كتاب التحرير، ويقول الشيخ: حفظتها من أكثر من خمسين سنة، فكان رحمه الله يعرف علم الأصول معرفة جيدة
والثاني: كانت مجالس الشيخ فيها المستفيدون فرأيت مع مضي الزمن أن جل الشبه التي كانت تطرج عليه ما كانت تلقى عليه لأول مرة، ويكون له فيها سالف ذكر، فكانت هذه المسائل عنده الجواب عليها تحصيل حاصل، لأنه كان لا يعرف إلا البحث والعلم.
لذا نصيحتي إلى طلبة العلم أن لا ينشغلوا عن العلم بغيره، فإن العلم من أنفس ما تصرف فيه الأعمار، وهو من أقرب الطرق إلى تحصيل رضى الله، وإلى دخول الجنان، نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا..

السؤال 238: ما معنى التلبينة؟
الجواب: التلبينة دواء نبوي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم وياليت يكون في حياتنا نصيب من إرشادات النبي صلى الله عليه وسلم الصحية والبدنية، فكثير منا يفتخر بالسنة ويحبها، لكن في معالجته ورياضته لا يوجد للسنة نصيب لها في حياته، فيمكن أن يستعاض مثلاً عن كرة القدم بالمسابقة أو المصارعة وهذه سنة نبوية، ففعل ذلك وإشهاره حسن، وكذلك الأدوية النبوية.
والتلبينة حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم فأخرج البخاري في صحيحه بثلاثة مواطن (5417، 5689، 5690) ومسلم (2216) بإسناديهما عن عائشة رضي الله عنها ((أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع النساء لذلك ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ثم صنع تريد فصبت التلبينة عليها ثم قالت: كلن منها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {التلبينة حجمة لفؤاد المريض، تذهب بعض الحزن})) وفي هذا إشارة إلى أن الطعام والطباع والأخلاق بينهما صلة فهذه التلبينة تذهب بعض الحزن.
والتلبينة هي حساء من دقيق أو نخالة الدقيق ربما جعل معها عسل، وبعض العلماء يقولون يلحق بالدقيق الشعير، ومغلي الشعير لا حرج فيه، ما لم يكن فيه كحول، وفيه فائدة، والأطباء ينصحون بتحميصه قليلاً حتى تتطاير بعض زيوته، لأنها تسبب السمنة، فعائشة كانت تتقصد أن يصنع مثل هذا الطعام عند الميت لأنه يذهب الحزن، ويدخل على النفس الفرح.

السؤال 239: قصة الرجل الكافر الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: هنالك أربع كلمات غير عربية في القرآن هي: أتهزأ، قسوة، كباراً، عجاب. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {احتكم لمن أردت}، فاحتكم الكافر إلى رجل عجوز عربي أصيل، فلما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، استهزأ به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال العجوز" أتهزأ بي يا قسوة العرب، وأنا رجل كباراً، إن هذا لشيء عجاب. هل هذه القصة صحيحة؟
الجواب: هذه القصة ليست بصحيحة، ولم تثبت في دواوين السنة المشهورة، ويتناقلها أهل الأدب وأهل المُلح وكتب السمر، وفرق بين هذا وبين الثابت الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والكلام المحرر والمحقق عند العلماء أن القرآن الكريم كله عربي، ولا يوجد فيه شيء أعجمي وقد خص الإمام الشاطبي في "الموافقات" بكلام جميل، وذكر ذلك الشافعي في الرسالة، وهذا هو الكلام المعتبر عند العلماء وهذه القصة لم تثبت عن رسول الله.

السؤال 240: هل ألفت كتب منفردة في ضبط أسماء الرواة؟
الجواب: أسماء رواة الحديث اعتنى بها العلماء عناية عجيبة، وجزى الله خيراً الخطيب البغدادي، فإنه اعتنى عناية عجيبة بالمؤتلف والمختلف والمتفق والمفترق، وألف كتباً في كل باب من الأبواب التي ذكرها ابن الصلاح في "علوم الحديث". وكاد "علوم الحديث" أن يكون اختصارات لمؤلفات مفردة في كل باب طرقه الخطيب بالتصنيف.
ورواة الحديث ينبغي أن تضبط أسمائهم حتى لا يقع بينهم تداخل فهذا حبان وهذا حيان وهذا جيان ومثل ذلك، فهذه ألفاظ رسمها واحد، وهذه موجودة في كتب قديمة غير منقوطة، وهذا العلم يسمى "المؤتلف والمختلف" وقد صنف فيه الخطيب البغدادي وغيره، وأهم من أولى هذا الباب من عناية الإمام الذهبي في كتابه "المشتبه" وأصبح هذا الكتاب موضع اهتمام من قبل العلماء، وأخطأ في ضبط بعض الأسماء فكتب عليه الحافظ ابن حجر "تبصير المنتبه لتحرير المشتبه" وهذا من أوسع كتب الضبط وأحسنها، وكنا نسمع من شيخنا الألباني مدحاً عجيباً لهذا الكتاب حتى أنه من المفارقات الحسنة أن اليوم الذي قرر فيه تسفير الشيخ من هذا البلد، لملابسات كثيرة، ففي اليوم الذي أخبر فيه بالتسفير أخبر فيه بأن هذا الكتاب قد طبع، فما انتظر حتى أتى بالكتاب ونظر فيه في حال كان الله بها عليم.
و"توضيح المشتبه" كتاب عجيب وهو مطبوع في عشر مجلدات، استدرك على الذهبي وفصل وبين أشياء فاتتة وزاد عليه، وخطأه في أشياء، وهو أوعب الكتب وأحسن الكتب وأضبط الكتب في ضبط أسماء رواة الأحاديث، وهو يغني عن "المشتبه" ويغني عن "تبصير المنتبه" والله أعلم..

السؤال 241: ما هي أنواع الشهادة في سبيل الله؟
الجواب: الشهادة في سبيل الله أقسام: شهيد في الدنيا والآخرة وشهيد في الدنيا وليس شهيداً في الآخرة وشهيد في الآخرة وليس شهيداً في الدنيا.
وشهيد الدنيا والآخرة فله ثواب وأجر الشهادة، وأحكام الشهيد في الدنيا والآخرة، وهو من مات في المعركة مقبلاً غير مدبر لإعلاء كلمة الله، ولم يأكل ويشرب على إثر إصابته ويسقط في المعركة بجروحه ولم يتطبب، فبعض العلماء يقول أن من أكل وشرب وتطبب بعد إصابته لا يعامل معاملة الشهيد، إلا الشيء اليسير من الطعام والشراب ثم يموت على إثر ذلك.
وشهيد الدنيا هو من مات في المعركة مقبلاً وغير مدبر، ولم تكن نيته إعلاء كلمة الله فيعامل معاملة الشهيد في الدنيا على ظاهره وفي الآخرة عند الله ليس له أجر الشهيد.
وأما شهيد الآخرة وليس بشهيد الدنيا فيعمال في الآخرة معاملة الشهيد وله ثواب الشهيد، أما في الدنيا فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويعامل معاملة سائر الأموات، وهذا مثل: المبطون، الذي يموت بداء البطن، والغريق، والحريق، ومن مات بذات الجنب، والمرأة تموت بجمع، أي بنفاس، والغريب، من مات في غير بلاده غريباً، فمثل هؤلاء يكون شهيد الآخرة، وليس بشهيد في الدنيا، وهذه أنواع الشهادة عند العلماء، والله أعلم...

السؤال 242: ما هي نصيحتكم لمن يتصل عبر الهاتف بالعلماء وطلبة العلم؟
الجواب: جزى الله السئل خيراً، فإن في النفس كلاماً في هذا الموضوع أحب أن أذكر إخواني به، فيا أخي؛ بارك الله فيك وزادك حرصاً إن رفعت السماعة وسألت فشكر الله لك وبارك فيك، ولا يفعل ذلك إلا حريص يريد أن يعرف حكم الله عز وجل في مسألة.
لكن ينبغي لمن يفعل ذلك أن يتأدب بآداب، وينبغي أن يراعي أشياء؛ فأولاً: عليه أن يعلم أنه ليس الوحيد الذي يتصل، فإنه قد يتصل مئة غيره، والأمر الثاني: ينبغي أن يسأل عن الشيء الذي لا يقبل التأجيل وأن يعلم أن الهاتف هو لقضاء غرض على أسرع وجه.
فليس الهاتف موطن الجواب المفصل والمدلل، وما ينبغي للعالم و طالب العلم أن يذكر على الهاتف الشبه وكيف ترد وكيف تناقش، فعلى الهاتف يطلب الجواب فقط، من أجل أن يقضي حاجة وغرضاً عجلاً، وفيما بعد يستفصل، أما أن تصبح طالب علم على الهاتف فلا يجوز لك ذلك إلا أن تطلب موعداً مسبقاً وأن يحول أمر دونك ودون العالم أو طالب العلم، كمن يكون خارج البلاد، لكن أن تطلب محاضرة وأنت تعلم أن هناك مئة غيرك يتصلون فمسكين طالب العلم هذا، على من يجيب ومع من يتكلم؟ فلا يستطيع أن يتكلم، فالهاتف من أجل قضاء الغرض الذي لا يقبل التأجيل.
والأمر الثالث: ينبي للسائل أن يعلم أن وقت المسؤول ثمين فالوقت نفيس، فوالذي نفسي بيده لو أن الوقت يباع لبعت بيتي واشتريت وقتاً وكما قال الحسن: ((يا بن آدم، إنما أنت أيام فإذا مضي يوم مات بعضك))، فبعض الأخوة يسألون ويكونون أمام عوام فتجيبهم، فيقول لك: لو سمحت؛ قنع فلان، ثم قنع فلان، فما هذا؟ فالمسؤول ليس مسجل يبقى يعيد، فأنت يا طالب العلم تسأل ولا تطلب أن تخاطب العامة، وبعد أن تضع الهاتف اشرح لهم أنت واحلم عليهم.
والأمر الرابع: ينبغي للسائل أن يعلم أن الهاتف ليس للإجابة على مسائل الأمة العامة، فالمسائل القلقة، لا يسأل عنها على الهاتف.
والأمر الخامس: ما ينبغي أن تقضى مسابقات الناس على الهاتف فبعض الناس يسأل عن المسابقات لينال الجوائز، وطلبة العلم أوقاتهم أنفس من هذا.
والأمر السادس: ينبغي لطالب إن سأل أن يبدأ بـ : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بارك الله فيكم يا شيخنا سؤالي كذا وكذا، فيسأل السؤال بأقصر عبارة ومن غير أن يقص قصة، فقد يقص الإنسان قصة عشر دقائق ثم يسأل السؤال، فأقول دعك من القصص، وقل سؤالك مباشرة، من غير ذكر التفصيل، ودعك من الأسئلة التي لا معنى لها، والأسئلة التي فيها إثارة وضجة، ولا ينبني عليها عمل، وإن حقك أن تأخذ الحكم الشرعي فيها لكن بتأصيل وتفصيل ليس عبر الهاتف.
والأمر السابع: إن كان عند البعض أسئلة كثيرة، ويصعب عليه إلا أن يسألها على الهاتف فينبغي أن يشرح للمسؤول ذلك، ويقول له: يا فلان عندي مجموعة من الأسئلة أريد منك وقتاً تحدده لي حتى ألقي عليك هذه الأسئلة.
والأمر الثامن: يقبح بالسائل أن يضارب بين قول المسؤول وغيره، كأن يقول: يا شيخ سألنا فلان وفلان وقالوا كذا وأنت ماذا تقول؟ فهذا امتحان ليس بحسن لكن إن استشكل عليه شيء فاسأل عنه من غير أن تقول : فلان قال كذا.
والأمر التاسع: من أسوأ الأشياء أن يسجل لطالب العلم فتوى دون أن يستأذن، فهذه خيانة فينبغي إن أردت أن تسجل أن تستأذن، فالكلام الذي يسجل ليس كالكلام الذي يلقى عبر الخاطر.
والأمر العاشر: ينبغي أن نراعي وقت السؤال فإن طرأت عليك مسألة في منتصف الليل مثلاً وتريد أن تسأل عنها فهذا ليس بحسن، ثم إن اتصلت مرة ومرتين وما أجابك فلا تلح كثيراً، فلعله مشغول، فلطالب العلم لبدنه حق، ولزوجه حق، ولأبناءه حق، ولعلمه وأبحاثه حق، وللناس حق، نعم أن طالب العلم ليس ملكاً لنفسه ولا لأهله، وأولاده، وإنما كل صادق وطالب علم له فيه نصيب، ويجب عليه أن يعطى هذا النصيب له، لكن بترتيب وبعدم تشويش وتداخل الحقوق، وإنما يعطي كل ذي حق حقه في الوقت الذي لا يقع فيه تضارب.
ثم مسائل الطلاق والقضاء وفصل الحقوق والميراث لا تصلح على الهاتف، ومخطئ من أفتى الناس بالطلاق على الهاتف كائن من كان، فأئمة الدنيا: ابن باز، الألباني، ابن عيثمين، ما كانوا أبداً يفتون على الهاتف في الطلاق، وأنت لا تعرف السائل فلعله يلعب والطلاق قضاء، ومسائلة يحتاط فيها ولا يجوز لها الهاتف والعوام لا يضبطون ألفاظهم، والمفتي حتى يفتي فلاناً يحتاج إلى أن يتحايل عليه وأن يسأله أسئلة كثيرة، بصيغ مختلفة حتى يكيف ماذا قال، وهذا يصعب أن يقع على الهاتف ويحتاج إلى قرائن، فربما يحتاج أن يسمع من حاضر ماذا نطق والناس الآن في عصر الآلة، جفت مشاعرهم، وأصبحوا يريدون كل شيء على وجه السرعة، وهذا لا يصلح به الشرع.
فالهاتف له آداب يستخدم عند الحاجة، بمقدار الحاجة من غير تفصيل ومن غير إزعاج وفي وقت معين، وينبغي أن نراعي هذه الآداب، ووفق الله الجميع ....

السؤال 243: هل يجوز التبرع بالدم؟
الجواب: التبرع بالدم لا حرج فيه، ذلك أن الدم ليس بنجس، والدم يسحب وسحبه جائز، وله أصل في الشرع وهو الفصد والحجامة، حتى من يقول بنجاسة الدم، فإن طريقة السحب الآن لا تعرضه للهواء ولا يفسد، فيبقى حكمه بعد سحبه بالطريقة الطبية الحديثة كحكمه وهو في الجسم، ولا ينبغي لمن يقول بنجاسة الدم أن يقول بنجاسته حال سحبه، لا سيما أنه ينبني عليه التطبب ولا أرى حرجاً أبداً في جواز التبرع بالدم، بل أقول: من تبرع بدمه لمريض له الأجر والثواب إن شاء الله .
أما أن يبيع الرجل دمه فهذا حرام، وهذا ينافي كرامة الإنسان، قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم}، فالإنسان مكرم ولا يجوز أن يبيع شيئاًَ من أعضاءه أما إذا اضطر الرجل لشراء الدم فالإثم على البائع وليس على المشتري، وأيضاً التبرع لغير المسلم جائز.
ومن باب الاستطراد يذكرون في كرامات الشيخ الإمام محمد أمين الشنقيطي رحمه الله وهو من أئمة هذا العصر، توفي من قبل نيف وعشرين سنة، فأشار الطبيب يوماً أن يوضع له دم فقالوا له ذلك، فقال الشيخ: لا أريد دماً، لأني لا أعرف هذا الدم كيف غذي، وهل صاحبه أكل من حلال أم من حرام، وأنا أصبر على قضاء الله. ولما اشتد المرض بالشيخ فأصر الطبيب وهمس في أذن ابنه أن والدك بحاجة إلى الدم، وأنه ليس ملك نفسه، والأمة بحاجة إليه، فأذن ولده دون إذن الأب حرصاً على حياته، فوضع له الدم، فقال بعض من سمع ولده يحدث أنه لما نزعت الإبرة خرج الدم من مكانه على غير العادة، فما قبل بدنه دم غيره.

السؤال 244: ما هي علة الربا؟
الجواب: علة الربا مسألة فيها خلاف طويل، وللعلماء، فيها كلام كثير، وعندي فيما نظرت وقرأت أجود من حرر علة الربا ابن رشد في كتابه الجيد "بداية المجتهد" والذي أراه أن الأصناف الأربعة غير الذهب والفضة العلية فيها أنها طعام يدخر ويقتات، فيشمل الربا كل الطعام يدخر ويقتات.
وأما الذهب والفضة فالعلة فيها الثمنية فهو أصل ثمن الأشياء، لذا يجري في المال الربا، وهذا الذي أراه راجحاً، والله أعلم...

السؤال 245: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: {عليكم بالسنا والسنوت}؟
الجواب: أخرج أحمد وابن أبي شيبة والترمذي وابن ماجه والحاكم وأبو نعيم في الطب النبوي بإسنادهم إلى أسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألها: {بم تستمشين؟} [أي بم ينطلق بطنك وماذا تأخذين حتى يمشي البطن] قالت: {بالشبرم} [وهو نوع قوي من أنواع الشيح]، فقال صلى الله عليه وسلم: {حار جار}، وفي رواية: {حاريار}[على لغة بني تميم الذين يقلبون الجيم ياء}، قالت: {ثم استمشيت بالسنا}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لو أن شيئاً كان فيه شفاء من الموت لكان في السنا}، وهذا حديث حسن لغيره، وفي رواية للطبراني في "الكبير" الجزء الثالث والعشرون، وفي "الطب النبوي" لأبي نعيم (ورقة35) عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: {مالي أراك مرتثة؟}[أي ضعيفة ساقطة الهمة]، فقلت: شربت دواءاً أستمشي به، فقال: {مالك وللشبرم فإنه حار يار، [وأثبته محقق الطبراني بالنون والصواب بالياء]، عليك بالسنا والسَّنوت فإن فيهما دواء من كل شيء إلا السام})).
وأخرج الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه وابن السني وأبو نعيم في "الطب النبوي" عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" {إن خير ما تداويتم به السعوط والحجامة، والمشي}، أي: تمشية البطن، فحديث: {عليكم بالسنا والسنوت}، حديث حسن ورد عن عدة صحابة.
والسنا معروف عند العطارين بهذا الاسم ويقولون عنه السنا مكي، وهو خير ما يمشي به البطن، وفيه نفع وفائدة، وأما السنوت فقد اختلف فيه العلماء على أقوال كثيرة، وعلى قول جماهير الشراح نوع من أنواع الكمون، حب كبير، وقيل هو العسل في زقاق السمن، وقيل عكة السمن تعصر فيخرج خطوط سود من السمن، وقيل الشمر، ويسميه أهل الموصل (ززنيج)، وفي دمشق يقولون عنه (لانسون) وهو شبيه باليانسون، وقيل: هو رب التمر، وهذه كلها ملينة تمشي البطن.
وحقيقة إن كثيراً من الأدواء التي تمر بالناس اليوم سببها أن جدار المعدة يغلق من كثرة فضلات الطعام، فلو أن الرجل امتنع عن الطعام أياماً عديدة، فإنه سيبقى بين الحين والحين يجد فضلات، وهذا يمنع وصول فوائد الطعام إلى البدن، لذا الأطباء يوصون في الأمراض المستعصية بشيء يسمى الصوم الطبي، وهو ترك الطعام وتناول السوائل فقط.
وقد سمعت من شيخنا رحمه الله، في بيتي قال: كنت ذات يوم في رحلة دعوية إلى الشمال وكنت أشعر بشكوى فذهبت للطبيب، فقال لي: عندك شريان مغلق، قال: فما عبئت وبقيت في رحلتي، وقرأت في هذه الرحلة كتاباً لعالم روسي، فيه فوائد الصوم الطبي، قال: فمكثت أربعين يوماً لا آكل شيئاً، وبعد أن أنهيت رحلتي العلمية، رجعت ففحصت فلم أجد شيئاً أشكو منه، قال: فحدثت بهذه القصة الشيخ كفتارو(مفتي سوريا الذي ما زال على قيد الحياة الآن) وكانت له أم مقعدة، قال: فقسا عليها وكان يحبسها في الغرفة ولا يضع لها إلا الماء، فمكثت بضعاً وعشرين يوماً، فقامت تمشي على رجليها، هذا ما سمعته بأذني في بيتي من شيخنا رحمه الله تعالى.
فعلى العاقل بين الحين والحين أن يمتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم: {عليكم بالسنا والسنوت}، ويتقصد هذه المعاطاة متبعاً إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم، ففي هذا نفع في الدين والدنيا، والله الموفق...

السؤال 246: ما هو حكم لعب الشدة؟
الجواب: لعبة الشدة لعبة حادثة، عرفت في زمن الأتراك ،وذكرت عائشة أوغلوي في كتاب لها مطبوع اسمه "مذكرات الأميرة عائشة" ذكرت أن لعب الشدة كان محرماً عند علماء العثمانيين، وعلمائنا المعاصرون الذين نثق بعلمهم يحرمون لعب الشدة.
وإذا كان لعب الشدة يدفع فيه المغلوب مالاً، فهذا قمار، وإن كان لا يدفع شيئاً فهذا حرام، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عبدالله ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من لعب بالنرد شير فقد غمس يده في لحم الخنزير ودمه}، وأخرج أحمد وابن ماجه وأبو داوود وغيرهم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله}، ولعب النرد والشدة والضاما والسيجا كلها على قاعدة واحدة.
وذكر العلماء فائدة نفيسة من قوله صلى الله عليه وسلم: {من لعب بالنرد شير فقد غمس يده بلحم الخنزير ودمه}، فقالوا: الإنسان لا يأكل حتى يغمس، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم من لعب النرد دون قمار كالغامس لأن الغمس مقدمة للأكل، فالإنسان لا يأكل القمار حتى يلعب، فاللعب غمس والقمار أكل، فمنع الشرع لعب النرد وما يلحق به من الشدة، وغيرها حسماً لتعلق القلب بالقمار ولعبها، فالخمر الكأس يدعو إلى كأس، وكذلك القمار الدست يدعو إلى دست، فإن تعلق القلب بالخمر فلا يرتوي من كأس وإن تعلق بالقمار فلا يرتوي من لعبة، وهذا حال الذين يلعبون الشدة.
ومن تعلق قلبه بلعب الشدة والمقاهي فإنه لا ينال إلا شراً، ولا ينال إلا رفاق السوء، ومن يصرف طاقته الذهنية وفكره وعقله في مثل هذه الألعاب، فإنه أكثر الناس تضييعاً لمن يعول من الأولاد، إن ذهب للبيت فلا يستطيع أن يتابع أولاده، لأن كل طاقته العقلية وضعها في المقهى، ويريد الآن أن يستروح.
لذا فإن لعب الشدة حرام وإن لم يكن على شيء، فإن كان مقابل شيء فهو حرام من وجهين.

السؤال 247: بما نجيب من يقول: بما أن الله ينزل من الثلث الأخير من الليل، وثلث الليل الآخر يكون في كل لحظة من اللحظات؟
الجواب: نحن نؤمن بإله قادر، محكم للقوانين، والمخلوقات تحكم بهذه القوانين، والله جل في علاه لا يحكمه قانون، فهذا الإله الذي نؤمن به، لذا فإنا نؤمن أن الله جل في علاه يدنو من المصلى وهو على عرشه، فهو دان في علوه عال في دنوه، كما قال ابن تيمية رحمه الله.
بعض الناس يقولون مشوشين: الله ينزل في الثلث الأخير من الليل، وكل لحظة يوجد ثلث أخير من الليل، ومعنى ذلك أن الله عز وجل ينزل في كل لحظة، هذا كلام باطل وساقط، لأن هؤلاء جعلوا الله محكوماً بقانون هو وضعه، والله لا يحكم بهذه القوانين، فهي محكمة لنا، فنبينا أخبرنا أن ربنا ينزل في الثلث الأخير من الليل، ويقول: هل من داع فأستجيب له نوهل من مستغفر فأستغفر له، فنقول: سمعنا وأطعنا، فالله جل في علاه لا يخضع لهذه القوانين وإنما هو الذي وضعها فالسؤال خطأ، والله أعلم....

السؤال 248: ستعطى فوائد أموال المتضررين للعائدين من الكويت، فما هو حكم أخذ هذه الأموال، وهل يجوز التصدق بها؟
الجواب: أما قول السائل عنها فوائد، فهذا خطأ، فهي مضار، وهي ربا، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى تسمى الأسماء بغير مسمياتها، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله: {ليشربن قوم من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها}، فاليوم ،ولا حول ولا قوة إلا بالله، تسمى الخمور مشروبات روحية، ويسمى الربا فوائد، وتمسى الخلاعة خنا، وهكذا..
أما الربا فلا يجوز لأحد أن يأخذه أما من أجبر عليه، أو كان له مساب ربوي فتاب، فنقول له: هذا المال ليس لك، ولا يجوز أن تأخذه لأن العبرة في اقتناء المال طريقة الكسب، والربا ليس طريقاً شرعياً للكسب، ولا يجوز لأحد حتى رفع المظلمة عن نفسه بالربا كمن يحتج لأخذه بوجود الضرائب وما شابه، فنقول له: لا.

السؤال 249: ما الفرق بين الغيبة والنميمة؟
الجواب: الغيبة والنميمة كلاهما حرام، وكبيرة من الكبائر، والراجح عند أهل العلم أن هناك فرقاً دقيقاً بين الغيبة والنميمة، وبينهما عموم وخصوص، وذلك أن النميمة هي نقل حال الشخص إلى غيره على جهة الإفساده بغير رضاه، سواء كان بعلمه أم بغير علمه.
وأما الغيبة فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ذكرك أخاك بما يكره}، فامتازت النميمة عن الغيبة بقصد السوء، وامتازت الغيبة عن النميمة، بكونها في الغيبة، واشتركا فيما عدا ذلك، ومن العلماء من اشترط في الغيبة أن يكون المقول فيه غائبأً، فالغيبة تكون فيما لا يرضيه، وإن لم يكن على وجه الإفساد.
لذا، فأن تذكر أخاك بما فيه بغمز أو قدح ولو بوصف، ولو بدعاء ويكون فيه تنقص فهذه غيبة، كما قال النووي في "الأذكار" عن غيبة العباد، فيذكر رجل على لسان آخر فيقول: اللهم اهده، فيشعر السامع أنه ضال، لذا قد تكون الغيبة بالدعاء، والله أعلم...

السؤال 250: ما حكم الشرب واقفاً؟
الجواب: الذي أراه صواباً، والله أعلم، أن الشرب واقفاً حرام إلا لحاجة أو ضرورة، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه، {أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب واقفاً}، فسئل أنس عن الأكل، فقال: ((ذلك شر))، وثبت في صحيح مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن شرب واقفاً: {أتحب أن يشرب معك هر}، قال: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: {كيف وقد شرب معك الشيطان!}، وثبت في صحيح مسلم أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: {من شرب واقفاً فليستقيء}، فلظاهر هذه الأحاديث أن الشرب واقفاً حرام.
لكن لضرورة جائز، كأن لا تجد إناء تشرب منه جالساً، فشربت من الحنفية واقفاً يجوز، فقد ثبت في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم، شرب واقفاً من شنٍ معلق، وقد شرب واقفاً في عرفة، لكي يعلم الناس أنه مفطر وليس بصائم، فالشرب لحاجة وضرورة واقفاً جائز، وإلا شرب جالساً، والله أعلم..
__________________

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.


To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.
رد مع اقتباس