عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 07-13-2016, 05:44 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي



تأسيس الدعوة

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلموا – أحبتي الكرام – أن تأسيس الدعوة لا يقل أهمية عن ظهورها وتمكينها . بل لا ظهور للدعوة ولا تمكين إن لم تأسس على الطريقة الرشيدة المهتدية .

والتوفيق أن يعلم العبد المرحلة التي هو فيها حتى لا يفني عمره ، ويبلي شبابه في غير ما كلف به ، وحقيقة ذلك معرفة ( واجب الوقت ) .

فالعبد مسؤول يوم القيامة عن خمسة أشياء ، منها : " عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه " ( رواه الترمذي ، وصححه الألباني ) .

والتكليف الدعوي ينشأ عن أمرين : ( العلم ) ، ( والقدرة ) في الداعي وفي المدعوين مع مراعاة الواقع .

وعند تجريد النظر من الحظوظ ، واعتماد الناظر على آلة كاملة بلا نقص ، واستناد النظر إلى مصادر معتبرة من الكتاب والسنة بفهم السلف يظهر للداعي إلى الله – تعالى – كمال البصيرة في واجب وقته .

فوسائل ، ومسائل ، وأحكام التأسيس الدعوي في بقعة معينة تختلف عن وسائل ، ومسائل ، وأحكام الظهور والتمكين الدعوي في بقعة أخرى .

وعليه فمن العبث أن تتجه همم الدعاة إلى ( بحث التمكين ) قبل ( بحث التأسيس ) ؛ لأن ذلك من استعجال الشيء قبل أوانه ، وهي حالة ( الطيش الدعوي ) أو ( المراهقة الدعوية ) .

مع مخالفتة للضرورة الشرعية والفطرة العقلية ؛ إذ كل بناء ينشأ من أساسه ثم يعتلى صرحه ، وتحصيل صرح شامخ بلا تأسيس راسخ كالرسم في الهواء أو الخط في الماء .

وتأسيس الدعوة يقوم على نشر أصول الدعوة وكلياتها بين الخلق . وحقيقته القيام بواجب الدعوة إلى الخير وتحقيق الأمر والنهي ، كما قال – تعالى - :{ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران : 104] .

قال ابن كثير – رحمه الله - : " وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ فرْقَة مِنَ الأمَّة مُتَصَدِّيَةٌ لِهَذَا الشَّأْنِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْأُمَّةِ بِحَسْبِهِ " ( تفسير القرآن العظيم : 2/91 ) .

وتحصيل هذا المطلب يكون بطرق من أهمها :

1- ( الخطاب العام ) وهو : تركيز الخطاب الدعوي على أصول الإسلام وقواعده الكلية - مقصداً ومصدراً – حتى تعرف الأمة مقاصد الشريعة الكلية ، ومصادرها النقية .

وذلك بمعرفة : ( التوحيد ) ، ( والطاعة ) ، ( والمعاد ) .
ومعرفة المصادر المعتبرة : من ( الكتاب ) ، ( والسنة ) ، ( والآثار ) .

2- ( الخطاب الخاص ) وهو : العناية بجيل الطلبة ، والنشأ ؛ ليخرج منهم : ( الدعاة الحكماء ) ، ( والمعلمون النبهاء ) ، وهكذا بجد وحرص حتى يبرز منهم : ( المجتهدون والعلماء ) .

وأغلب بقاع الأمة هي في طور ( التأسيس الدعوي ) فإن نهض المعلمون والدعاة بواجبهم كانوا من العدول الذين يحملون هذا الدين ومن المجددين لهذه الملة ، فـ " الدال على الخير كفاعله " .

ولما كانت وسائل الاتصال الحديث هي أدوات في نقل الخطاب وإيصاله إلى المخاطبين تعين على من كان في مرحلة التأسيس الدعوي أن يشغل هذه التقنيات بما يسهل هدفه ويبلغ به إلى مقصوده .

فيجعل له خطاباً عاماً للأمة ، وخطاباً خاصاً للطلبة يركز فيه على التأسيس والتأصيل .

ولابد في ذلك من الاجتماع والتعاون على تحقيق هذه المطالب الكلية ، فهي من أعظم الواجبات ، وأجل القربات . بل هي وظيفة الرسل والأنبياء – عليهم الصلاة والسلام - .


وما التوفيق إلا من عند الله

إذا لم يكن من الله عون للفتى ***** فأول ما يجني عليه اجتهاده


****

رد مع اقتباس