عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-11-2011, 05:14 PM
أبو محمد رشيد الجزائري أبو محمد رشيد الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: القبة - الجزائر
المشاركات: 419
افتراضي نزول قبر المرأة لرجلٍ لم يقارف ؟!

ماهي العلة في نزول القبر رجلٌ لم يقارف الليلة ؟!.


عن أنس قال : " شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تدفن ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر ، فرأيت عينيه تدمعان ، فقال : هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة ؟ فقال أبو طلحة : أنا . قال : فانزل في قبرها ، فنزل في قبرها ". رواه البخاري .

هذا الحديث مشكل ، وقد اختلف العلماء في تفسيره ، وسأجمع أقوال العلماء فيه ، فلنشارك جميعا

ولنبدأ بمشاركة الأخ السكران التميمي حيث إني أراها نافعة كانطلاقة في بحث هذا الموضوع الهام :


بسم الله الرحمن الرحيم


وبه تعالى نستعين


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، ثم أما بعد..

في الحقيقة قد أعجبني الموضوع ولم أكن رأيته قبل الآن، فأحببت أن أخوض معكم بما فتح الله سبحانه وتعالى من تقريرات وتوضيحات في بيان المعنى أو المراد أو الغاية مما حصل في الحديث، فأقول وبالله التوفيق:

سيكون الكلام هنا من خلال محورين:

(المحور الأول): من هي البنت المدفونة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!


في البداية لتعلم رحمني الله تعالى وإياك أن الرواة اختلفوا في تحديد من هي ابنته صلى الله عليه وآله وسلم المدفونة في تلك الحادثة؛ وذلك على ثلاث أقوال:
1) أنها رقية.
2) أنها زينب.
3) أنها أم كلثوم.

فممن روى أنها (رقية) حماد بن سلمة رحمه الله، حيث روي ذلك عنه عند:
_ الحاكم في (المستدرك برقم 6852) حيث قال:
حدثنا محمد بن صالح، ثنا الحسين بن الفضل، ثنا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه، قال: لما ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل القبر رجل قارف أهله الليلة" فلم يدخل عثمان القبر. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

_ ابن حزم في (المحلى ج5/ص145) قال:
حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي، ثنا ابن مفرج، ثنا محمد بن أيوب الصموت، ثنا أحمد بن عمرو البزار، ثنا محمد بن معمر، ثنا روح بن أسلم، أنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما ماتت رقية ابنته رضي الله عنها: "لا يدخل القبر رجل قارف الليلة" فلم يدخل عثمان.

_ الإمام أحمد في (المسند ج3/ص229) قال:
حدثنا يونس، ثنا حماد يعني بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن رقية رضي الله عنها لما ماتت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل القبر رجل قارف أهله" فلم يدخل عثمان بن عفان رضي الله عنه القبر.
_ أيضا الإمام أحمد في (المسند ج3/ص270) قال:
حدثنا عفان، ثنا حماد، ثنا ثابت، عن أنس: أن رقية لما ماتت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل القبر رجل قارف أهله الليلة".

_ الإمام البخاري في (التاريخ الوسط ج1/ص18) قال:
حدثني عبد الله المسندي، ثنا عفير، ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس قال: لما ماتت رقية قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل القبر رجل قارف أهله الليلة" فلم يدخل عثمان القبر.

_ الفسوي في (المعرفة والتاريخ ج3/ص225) قال:
حدثني محفوظ بن أبي توبة، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس قال: لما ماتت رقية بنت رسول الله قال رسول الله: "لا يدخلن القبر أحد قارف أهله البارحة" قال: فتنحى عثمان بن عفان.

_ ابن بشكوال في (غوامض الأسماء المبهمة ج1/ص150) قال:
أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد التجيبي، قال: قرأت على أبي حسين بن محمد الغساني (ح) وأخبرنا أبو الحسن بن مغيث، قالا: أنا أبو عمر أحمد بن محمد القاضي، قال: ثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: ثنا قاسم بن أصبغ، قال: ثنا أحمد ابن زهير، قال: ثنا أبو سلمة الخزاعي، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: لما ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل القبر رجل قارف أهله" فلم يدخل عثمان.
وأخبرني أبو بحر الأسدي فيما أجاز لي تجاوز الله عنه، عن أبي العباس العذري، قال: ثنا أبو ذر عبد بن أحمد، قال: ثنا زاهر بن أحمد، قال: ثنا أبو محمد زنجويه بن محمد، قال: ثنا محمد بن إسماعيل البخاري، قال: ثنا عبد الله ابن محمد المسندي، قال: ثنا عفان، قال: ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس قال: لما ماتت رقية قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل القبر رجل قارف أهله يعني الليلة" فلم يدخل عثمان القبر.

أقول: وكل هذه الروايات خطأ، وهم فيها حماد بن سلمة رحمه الله تعالى، وبيان ذلك يتجلى فيما يلي:
قال الإمام البخاري بعد أن ساق هذا الحديث بهذه الرواية: (لا أدري ما هذا فإن رقية ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر لم يشهدها).
قال الحافظ ابن حجر: (قلت: وهم حماد في تسميتها فقط).
قال الحافظ ابن عبد البر: (وهذا الحديث خطأ من حماد بن سلمة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشهد دفن رقية ابنته، ولا كان ذلك القول منه في رقية، وإنما كان ذلك القول منه في أم كلثوم.
وروى ابن المبارك وابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: تخلف عثمان عن بدر على امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد أصابتها الحصبة فماتت، وجاء يزيد بن حارثة بشيرا بوقعة بدر وعثمان على قبر رقية.
قال أبو عمر: لا خلاف بين أهل السير أن عثمان بن عفان إنما تخلف عن بدر على امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه ضرب له بسهمه وأجره، وكانت بدر في رمضان من السنة الثانية من الهجرة).

فبان بهذا يقينا أنها ليست (رقية) رضي الله عنها، ومن قال ذلك فهو غير صحيح قد أخطأ، كما أشار إلى ذلك الأئمة الكبار.

وممن روى أنها (زينب) ابن بشكوال في (غوامض الأسماء ج1/ص151) قال:
(ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوفاة رحمها الله اختلف فيها؛ فقيل: هي زينب، وقيل: إنها رقية، وقيل: أم كلثوم. والأول أصح إن شاء الله.
والحجة لما صححناه ما أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أنا أبي رحمه الله، قال: ثنا خلف بن يحيى، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، عن محمد بن وضاح، عن أبي بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا شريح بن النعمان، قال: ثنا فليح، عن هلال بن علي، عن أنس، قال: شهدنا جنازة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان فقال: "هل فيكم من لم يقارف الليلة يعني ذنبا" قال: قال أبو طلحة: أنا. قال: "انزل" فنزل في قبرها.

قلت: ولم أر من رواية مسندة لهذا الحديث من هذا الطريق وهو طريق ابن أبي شيبة إلا هذا عند ابن بشكوال فقط والتي أتى التصريح فيها تعيينا باسم البنت وأنها (زينب).
ثم لتعلم أيضا أني لم أر في الطريق الآخر لهذا الحديث من رواية فليح تصريحا بتعيين اسم بنت من بناته صلى الله عليه وسلم، بل كل روايات الحديث من هذا الطريق الآخر فيها الكلام هكذا: (بنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم) على البناء للمجهول بدون تعيين أو تحديد. فتأمل
إلا ما فسره به أهل العلم فقط من أنها أم كلثوم بنته رضي الله عنها.
وإن كنت أرى قوة هذا القول؛ لأنها زيادة ثقة مقبولة في مقابل إبهام الروايات الأخرى، لاحتمال أن تكون المبهمة هي رضي الله عنها.
ولكن يشكل على هذا القول أنه في بعض الطرق أن عثمان رضي الله عنه كان معهم وأنه زوجها، وليست (زينب) رضي الله عنها زوجة له.
وبالنسبة لكونها (زينب) والله تعالى أعلم، فقد تتبعت روايات أخبار وفاتها ودفنها فلم أظفر بتفصيل يبين أو يجلي الأمر، فقط أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المغسلات بغسلها ثلاثا وتكفينها، أما كيفية قبرها ومن تولّاها فلم أجد. على أنه بعض أهل العلم قال أنها (أم كلثوم) أيضا. فالله أعلم

وممن روى أنها (أم كلثوم) ففي الواقع لم أجد إلا الرواية المبهمة لها فقط، سوى بعض تقريرات أهل العلم في تعيينها، فممن رواها على الإبهام:
_ الإمام البخاري في (الصحيح ج1/ص432) قال:
حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو عامر، حدثنا فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: شهدنا بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، قال: فرأيت عينيه تدمعان، قال: فقال: "هل منكم رجل لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة: أنا. قال: "فانزل" قال: فنزل في قبرها.
_ أيضا البخاري في (الصحيح ج1/ص450) قال:
حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فليح بن سليمان، حدثنا هلال بن علي، عن أنس رضي الله عنه، قال: شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة: أنا. قال: "فانزل في قبرها" فنزل في قبرها فقبرها.
_أيضا البخاري في (التاريخ الأوسط ج1/ص18) قال:
حدثني محمد بن سنان، ثنا فليح بن سليمان، ثنا هلال بن علي، عن أنس: شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة"؟ قال أبو طلحة: أنا. قال: "انزل في قبرها" فنزل في قبرها.

_ الإمام ابن حزم في (المحلى ج5/ص145) قال:
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد، قال: ثنا إبراهيم بن أحمد، ثنا الفربري، ثنا البخاري، ثنا عبد الله بن محمد هو المسندي، ثنا أبو عامر هو العقدي، ثنا فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل منكم رجل لما يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة: أنا. قال: "فانزل" فنزل في قبرها.

_ الفسوي في (المعرفة والتاريخ ج3/ص225) قال:
حدثنا عبد الله بن عثمان، قال: أخبرنا عبد الله، قال: ثنا فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا بنتا لرسول الله؛ ورسول الله جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل فيكم من رجل لم يقارف الليلة"؟ قال أبو ذر وأبو طلحة؛ قال عبد الله: حفظي أبو طلحة: أنا يا رسول الله. قال: "فانزل في قبرها".

_ الحاكم في (المستدرك ج4/ص52) قال:
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبد الله المنادي، ثنا يونس بن محمد، ثنا فليح، عن هلال بن علي بن أسامة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: شهدت دفن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس على القبر، ورأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل منكم رجل لم يقارف الليلة أهله"؟ فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله. قال: "فانزل في قبرها". هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

_ الإمام البيهقي في (الكبرى ج4/ص53) قال:
أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أنبأ أبو حامد بن بلال البزاز، ثنا أبو الأزهر، ثنا يونس بن محمد، ثنا فليح، عن هلال بن علي بن أسامة. (ح) وأنبأ أبو عبد الله الحافظ، أنبأ أبو محمد عبد الله بن محمد بن موسى، ثنا محمد بن أيوب، أنبأ محمد بن سنان، ثنا فليح، أنبأ هلال، عن أنس، قال: شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل منكم من أحد لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة رضي الله عنه: أنا. قال: "فأنزل في قبرها" فنزل في قبرها. وقال يونس: "هل منكم من رجل".
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أنبأ الحسن بن حليم المروزي، أنبأ أبو الموجه، أنبأ عبدان، أنبأ عبد الله، أنبأ فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل فيكم من رجل لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة أو أبو ذر: أنا يا رسول الله. قال: "فأنزل في قبرها".

_ الإمام أحمد في (المسند ج3/ص126) قال:
حدثنا أبو عامر، ثنا فليح، عن هلال بن علي، عن أنس، قال: شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل فيكم رجل لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة: نعم أنا. قال: "فانزل" قال: فنزل في قبرها.
_ أيضا الإمام أحمد في (المسند ج3/ص228) قال:
حدثنا يونس وسريج، قالا: ثنا فليح، عن هلال بن علي بن أسامة، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، ثم قال: "هل منكم من رجل لم يقارف الليلة" فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله. قال: "فانزل" قال: فنزل في قبرها.

_ الترمذي في (الشمائل ص268) قال:
حدثنا إسحاق بن منصور، أنا أبو عامر، ثنا فليح وهو ابن سليمان، عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ورسول الله جالس على القبر، فرأيت عيينة تدمعان، فقال: "أفيكم لم يقارف الليلة"؟ قال أبو طلحة: أنا. قال: "انزل" فنزل في قبرها.

_ الخطيب في (تاريخ بغداد ج12/ص436) قال:
أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل المتوثي، أخبرنا احمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان، حدثنا القاسم بن نصر البزاز دوست، حدثنا سريج بن النعمان، حدثنا فليح، عن هلال بن على، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل منكم من أحد لم يقارف الليلة"؟ قال أبو طلحة: أنا. قال: "انزل" فنزل في قبرها.

_ ابن بشكوال في (غوامض الأسماء ج1/ص150) قال:
أخبرنا أبو محمد وأبو الوليد قراءة عليهما وأنا أسمع، قالا: ثنا حاتم بن محمد، ثنا علي بن محمد، ثنا أبو زيد، ثنا محمد بن يوسف، ثنا محمد بن إسماعيل، قال: ثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، قال: فرأيت عينيه تدمعان، قال: فقال: "هل فيكم رجل لم يقارف الليلة"؟ قال أبو طلحة: أنا. قال: "فانزل" فنزل في قبرها.

_ الطيالسي في (المسند برقم 2116) قال:
حدثنا فليح بن سليمان، قال: حدثني جدي هلال بن علي، عن أنس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على شفير قبر ابنته وهي تدفن، فرأيت عينيه تدمعان، وانزل أبا طلحة في قبرها.

قلت: فهذه جميع الروايات التي عثرت عليها من هذه الطريق وليس في واحدة منها تعيين من هي ابنته صلى الله عليه وآله وسلم المدفونة. وإن كان في الواقع قد فاتني غيرها فلكن ليس في واحد منها تعيين. فتأمل
وممن عينها بأنها (أم كلثوم) من الأئمة والعلماء ما يلي:
· قال أبو المحاسن الحنفي في (معتصر المختصر): هي أم كلثوم توفيت في سنة تسع من الهجرة.
· وقال ابن حجر في (مقدمة الصحيح): وقال الطبراني: هي أم كلثوم. وصححه ابن عبد البر.

قلت: ومن ذكر أنها (أم كلثوم ) رضي الله عنها مستندا على ما جاء عند ابن سعد والدولابي والواقدي فقد أبعد وأغرب، إذ أنه عند هؤلاء قد أتت القصة مضطربة متداخلة مع قصة دفن (إبراهيم) بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فقد أتى عند الدولابي في (الذرية الطاهرة ص60) قال:
حدثني أبو أسامة بن زيد الليثي، عن محمد بن عبد الرحمن بن زرارة، قال: صلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلس على حفرتها علي والفضل وأسامة بن زيد.
وقال أنس بن مالك رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على قبرها، فرأيت عينيه تدمعان فقال: "منكم أحد لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله. قال: "أنزل". حدثنا بذلك فليح بن سليمان، عن هلال بن أسامة، عن أنس.

وأتى عند ابن سعد في (الطبقات الكبرى ج8/ص38) قال:
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني فليح بن سليمان، عن هلال بن أسامة، عن أنس بن مالك قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم جالسا على قبرها، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "فيكم أحد لم يقارف الليل"؟ فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله. قال: "انزل".
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني أسامة بن زيد الليثي، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلس على حفرتها، ونزل في حفرتها علي بن أبي طالب والفضل بن عباس وأسامة بن زيد.

وأتى عند الواقدي كما في (سير أعلام النبلاء ج2/ص253) قال الذهبي:
قال الواقدي: حدثنا فليح، عن هلال بن أسامة، عن أنس: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم جالسا على قبرها يعني أم كلثوم وعيناه تدمعان، فقال: "فيكم أحد لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة: أنا. قال: "انزل".
قال ابن حجر في (الإصابة ج8/ص289): وقال الواقدي بسند له: نزل في حفرتها علي والفضل وأسامة بن زيد.
قلت: وهذا منهم وهم رحمهم الله، فبعد أن رووا الحديث بالطريق المعروف المشهور أدخلوا معه قصة دفن (إبراهيم) على أنه من قصتها رضي الله عنها. فأخذ عنهم بعض العلماء التحديد من هذا الوجه، وهو غير صحيح.
وهو وإن كان بعض العلماء قد حددها وعينها بأنها (أم كلثوم) رضي الله عنها إلا أنه ليس استنادا على هذا الوهم، بل على روايات أخرى غير هذه، منها ما رواه ابن سعد نفسه في (الطبقات) عند ترجمتها حيث قال: نزل في حفرتها أبو طلحة.

وقال ابن عبد البر في (الاستيعاب ج4/ص1841):
وقد روى حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: لما ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل القبر رجل قارف أهله" فلم يدخل عثمان.
ذكر البخاري قال: حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فليح بن عثمان، حدثنا هلال بن علي، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا دفن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل منكم من أحد لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة: أنا. فقال: "انزل في قبرها" فنزل في قبرها. وهذا هو الصحيح من حديث أنس لا قول من ذكر فيه (رقية)، ولفظ حديث حماد بن سلمة أيضا في ذلك منكر مع ما فيه من الوهم في ذكر (رقية).

قال ابن بشكوال في (غوامض الأسماء المبهمة ج1/ص150):
وذكر البخاري أيضا قال: ثنا محمد بن سنان، قال: ثنا فليح بن سليمان، قال: ثنا هلال بن علي، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا دفن أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله. فنزل في قبرها.
قلت: وقد تتبعت روايات البخاري في الصحيح وغيره، فلم أجد هذه الرواية التي فيها التعيين للاسم.

أقول: ولعل أنها (أم كلثوم) هو الصحيح والصواب. والله تعالى أعلم.


(المحور الثاني): في معنى المراد من قوله: "قارف".

في الواقع تباينت آراء العلماء حول المراد من معنى هذه اللفظة، وقد تضافر لكل فريق أدلته التي استند عليها في حكمه، وذلك على النحو الآتي:
· قال الحافظ ابن حجر في (الأمالي المطلقة ص139):
وقوله: "مقراف" بوزن مفعال، من القرف وهو الكسب وزنا ومعنى، وأكثر ما يستعمل في السيئ، وقد يطلق في الحسن، ومنه قوله تعالى: {ومن يقترف حسنة}، ويطلق الاقتراف أيضا على المجامعة، وهو أحد التأويلين في قوله: "لم يقارف الليلة".
· وقال في (مقدمة فتح الباري ج1/ص172):
قوله: "اقترفت ذنبا" أي: اكتسبت، وقارفت ذنبا أي: خالطت، ومنه: "من لم يقارف الليلة" أي: يكتسب، وقيل: المراد هنا الجماع.

· وقال القاضي عياض في (مشارق الأنوار ج2/ص180):
قوله: "منكم من لم يقارف الليلة" قيل: يعني يكتسب الذنب؛ وجاء في نسخة الأصيلي نحوه عن فليح. ويقال: القرف الذنب والجرم، والقرف أيضا رميك غيرك بذلك. وقيل: معناه جامع؛ وقد جاء في الرواية الأخرى: "لم يقارف أهله" وأنكر هذا الطحاوي هنا؛ وقال: معناه قاول. قال غيره: لأنهم كانوا يكرهون الحديث بعد العشاء ويحبون النوم بعدها على كفارتها لما تقدم، وجاء النهي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "أن تكون أمك قارفت بعض ما قارف نساء الجاهلية" يريد اكتسبت وعملت، وأراد به الزنا. وقوله في حديث الإفك: "إن كنت قارفت سوءا فتوبي منه".

· قال ابن الأثير في (النهاية في غريب الأثر ج4/ص45) في بيان إطلاقات اللفظة:
(قرف) فيه: رجل قرف على نفسه ذنوبا؛ أي: كسبها، يقال: قرف الذنب واقترفه إذا عمله، وقارف الذنب وغيره إذا داناه ولاصقه، وقرفه بكذا أي أضافه إليه واتهمه به، وقارف امرأته إذا جامعها، ومنه حديث عائشة أنه كان يصبح جنبا من قراف غير احتلام ثم يصوم، أي من جماع، ومنه الحديث في دفن أم كلثوم من كان منكم لم يقارف أهله الليلة فليدخل قبرها.
ومنه حديث عبد الله بن حذافة قالت له أمه: أمنت أن تكون أمك قارفت بعض ما يقارف أهل الجاهلية؟! أرادت الزنا.
ومنه حديث الإفك: "إن كنت قارفت ذنبا فتوبي إلى الله" وكل هذا مرجعه إلى المقاربة والمداناة.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأخذ بالقرف؛ أي التهمة، والجمع القراف.
ومنه حديث علي: أو لم ينه أمية علمها بي عن قرافي. أي: عن تهمتي بالمشاركة في دم عثمان.
وفيه: أنه ركب فرسا لأبي طلحة مقرفا، المقرف من الخيل الهجين، وهو الذي أمه برذونة وأبوه عربي، وقيل بالعكس، وقيل هو الذي دانى الهجنة وقاربها.
ومنه حديث عمر كتب إلى أبي موسى في البراذين ما قارف العتاق منها فاجعل له سهما واحدا، أي: قاربها وداناها.
وفيه: أنه سئل عن أرض وبيئة فقال: دعها فإن من القرف التلف. القرف ملابسة الداء ومداناة المرض، والتلف الهلاك، وليس هذا من باب العدوى وإنما هو من باب الطب، فإن استصلاح الهواء من أعون الأشياء على صحة الأبدان وفساد الهواء من أسرع الأشياء إلى الأسقام.
وفي حديث عائشة: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رجل مقراف للذنوب. أي: كثير المباشرة لها، ومفعال من أبنية المبالغة.

قال فليح نقلا عن ابن المبارك عنه، وتبعهما سريج: أظنه يعني الذنب. وقد ألمح البخاري إلى تأييد هذا المعنى بتعليقه عليه بقوله: ليقترفوا: أي ليكتسبوا.

قال ابن حزم في (المحلى ج5/ص145): المقارفة الوطء لا مقارفة الذنب، ومعاذ الله أن يتزكى أبو طلحة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم يقارف ذنبا، فصح أن من لم يطأ تلك الليلة أولى من الأب والزوج وغيرهما.
قال ابن حجر: ويقويه أن في رواية ثابت المذكورة بلفظ لا يدخل القبر أحد قارف أهله البارحة فتنحى عثمان.
ومال إلى هذا الوادياشي في (تحفة المحتاج ص609) وقال: قيل معنا لم يقارف ذنبا، وقيل لم يجامع أهله بدليل رواية أحمد: "لا يدخل القبر رجل قارف الليلة أهله".
ورجحه النووي في (المجموع ج5/ص248).

قال الحافظ ابن حجر في (الفتح):
وقيل: إنما آثره بذلك؛ لأنها كانت صنعته، وفيه نظر، فإن ظاهر السياق أنه صلى الله عليه وسلم اختاره لذلك لكونه لم يقع منه في تلك الليلة جماع، وعلل ذلك بعضهم بأنه حينئذ يأمن من أن يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة.
وحكي عن ابن حبيب أن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة، فتلطف صلى الله عليه وسلم في منعه من النزول في قبر زوجته بغير تصريح، ووقع في رواية حماد المذكورة فلم يدخل عثمان القبر.

قلت: ويؤيد أن المراد به الجماع ليس الذنب؛ أن قوله: قال أبو عبد الله إلى آخره؛ لم يثبت إلاَّ في رواية الكشميهني فقط دون غيره من الروايات، فلا بد من التأمل حقيقة في اعتماد هذا التفسير، ولم يتعرض له البخاري نفسه عندما روى الحديث في (التاريخ الأوسط). فتأمل

وقد أبعد الطحاوي في تأويل المعنى وأغرب بتأويل لم يوافقه عليه أحد من أهل العلم ولم يرتضه منه، بل ردوه وخطاؤوه.

إذا نخلص من خلال هذا السرد بإذن الله تعالى بما يلي:
1- أن البنت هي أم كلثوم على الصحيح إن شاء الله تعالى.
2- أن المراد بكلمة (قارف) أي: جامع أهله وغشاهم، بدليل تلميح بعض الروايات بذلك.
3- أن الرجال هم الذين يتولون الدفن وإن كان الميت امرأة.
4- أنه لم يكن هناك عدد كثير في تلك الوقعة حاضرين الدفن، بل كان العدد قليل جدا بحيث أنه لم يستثنى من المقارفة سوى أبو طلحة، مع تأكد أنه قد يوجد غيره لم يقارف يقينا لو كان العدد أكثر ممن حضر في ذلك الوقت.
5- أن كونه يراد به الجماع وهو الصحيح إن شاء الله تعالى أعطى حكما شرعيا أنه لا يتولى الدفن جنب، بغض النظر عن عدم مباشرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدفن لعلة قد تكون عرضت له.
6- أن جعل معناه الذنب، حقيقة يستلزم الاستقراء والتتبع من الأشخاص المسئولين بهذا السؤال وهذا سيأخذ منهم وقتا في الجواب، بينما أبو طلحة لم يتردد في الجواب، بل قال: أنا، مباشرة، وهذا يؤيد أن المراد أنه الجماع لسهولة تذكر حصوله أو عدمه.

هذا على عجل في الواقع ما ألهم الله تعالى سبحانه من توضيح حول هذا الحديث وهذه القصة، فما كان فيها صوابا فمن الله تعالى توفيقا وتسديدا، وما كان فيها خطأ فمن نفسي والشيطان تقصيرا وإغواء، فالعذر منكم رحمكم الله.

والله تعالى أعلم

[منقول من الألوكة]
رد مع اقتباس