عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 11-26-2009, 12:35 AM
أبومسلم أبومسلم غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,410
Thumbs up *******القراء السبعة ( 3 )*******

***تلقي جبريل عليه السلام القرآن من الله تعالى

اتفق العلماء على أن جبريل عليه السلام قد تلقى القرآن عن الله تعالى ولكنهم اختلفوا في كيفية هذا الأخذ أو التلقي على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: ويرى أصحابه أن جبريل عليه السلام تلقى القرآن سماعا من الله عز وجل. ودليل هذا المذهب: حديث النواس بن سمعان رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي, أخذ السموات منه رجفة – أو قال رعدة – شديدة خوفا من الله عز وجل, فإذا سمع ذلك أهل السموات صُعقوا وخروا لله سجدا, فيكون أول من يرفع رأسه جبريل, فيكلمه الله من وحيه بما أراد, ثم يمر جبريل على الملائكة, كلما مر بسماء سأله ملائكتها, ماذا قال ربنا يا جبريل ؟ فيقول جبريل: ( قال الحق وهو العلي الكبير ) فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل, فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل ))( كما في الفتح 13/ 457).

وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كالسلسلة على صفوان ))أخرجه البخاري في كتاب التفسير ( باب سورة الحجرات) 5/ 221.

ويرى أصحاب هذا المذهب أن هذه الأدلة وإن لم تكن نصا في القرآن, إلا أن الوحي يشمل وحي القرآن وغيره, بل يدخل فيه – وحي القرآن – دخولا أوليا لمنزلته وأهميته.

وهذا المذهب هو مذهب أهل السنة والجماعة.
*** قال الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله – فيما رواه ابنه صالح عنه: (( افترقت الجهمية على ثلاث فرق: فرقة قالوا: القرآن مخلوق, وفرقة قالوا: كلام الله وتسكت, وفرقة قالوا: لفظنا بالقرآن مخلوق, قال الله عز وجل في كتابه: ((فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ )) فجبريل سمعه من الله, وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل, وسمعه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من النبي, فالقرآن كلام الله غير مخلوق)) ( كما في العقيدة السلفية في كلام رب البرية للجديع ص 204 ).

***وقال شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني رحمة الله - : (( واستفاضت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين, ومن بعدهم من أئمة السنة, أنه سبحانه ينادي بصوت, ويتكلم بالوحي بصوت,ولم ينقل عن أحد من السلف أنه قال: إن الله يتكلم بلا صوت, أو بلا حرف, ولا أنه أنكر أن يتكلم بصوت, أو حرف )) ( كما في الفتاوى 12/ 304-305).

وتبع هذا المذهب الشيخ محمد عبدا لعظيم الزرقاني ( مناهل العرفان 1 /41 ) والدكتور محمد أبو شهبة رحمة الله –( المدخل لدراسة القرآن ص 59) والشيخ مناع القطان( مباحث في علوم القرآن ص 35 ), والدكتور محمد حسين الذهبي( الوحي للذهبي ص 10), والشيخ صالح البليهي( عقيدة المسلمين للبليهي 2 /481), والأستاذ إبراهيم علي عمر( القرآن الكريم تاريخه وآدابه ص 23), وعبد الحميد إبراهيم سرحان( الوحي والقرآن ص 36).


المذهب الثاني: ويرى أصحابه أن جبريل عليه السلام أخذ القرآن من اللوح المحفوظ.ومن أدلة هذا المذهب قول الله تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ {21} فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ {22}﴾ [البروج].ومن القائلين به الإمام القسطلاني ( لطائف الإشارات له 1/ 21-22), وقول هؤلاء واستدلالهم غير مسلم إذ القرآن كغيره من المغيبات المثبتة في اللوح المحفوظ وليس كونه في اللوح المحفوظ دالا على أن جبريل عليه السلام قد أخذه منه, لأن هذا من الإخبار بالمغيبات التي لا تؤخذ إلا بدليل صريح قطعي الثبوت والدلالة, ولا دليل قطعيا يجزم بأن جبريل عليه السلام قد أخذه القرآن من اللوح المحفوظ.


المذهب الثالث: ويقول أصحابه إن معنى القرآن موحى من الله تعالى ولفظه من جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم, وهذا مذهب الجهمية ومن القائلين به المستشرق " جولد زيهر " ( كما في مذهب التفسير الإسلامي لجولد زيهر ص 52 ), وهذا القول ليس له دليل لا من النقل ولا من العقل, بل هو قول مبني على الكيد للإسلام من قبل أعدائه, ممثلا في الطعن في القرآن الكريم وإلقاء الشبهات على القرآن للتشكيك في مصدره الأصلي وهو الله سبحانه وتعالى, وهذا القول معارض بصريح الكتاب العزيز.

قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ [النمل 6], وقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي ﴾[الأعراف 203], وقوله: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ {44} لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ {45} ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ {46} فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ {47}﴾[الحاقة],وقوله: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ﴾[ التوبة 6].


فالآيات الكريمات كلها نص في أن القرآن كلام الله وهذا هو الحق, فالقرآن ليس لجبريل عليه السلام فيه سوى حكايته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإيحائه إليه, وليس للرسول صلى الله عليه وسلم في هذا القرآن سوى وعيه وحفظه, ثم حكايته وتبليغه, ثم بيانه وتفسيره, ثم تطبيقه وتنفيذه.( كما في المناهل 1/ 42-43)

وأما الذي ينزل به جبريل عليه السلام بالمعنى دون اللفظ فهو السنة ولذلك جاز رواية السنة بالمعنى دون القرآن, لأن جبريل نزل بالسنة وأداها بالمعنى, ولم تجز قراءة القرآن بالمعنى, لأن جبريل أدى القرآن باللفظ, ولم يبح له أداؤه بالمعنى. والسر في ذلك أن المقصود منه التعبد بلفظه والإعجاز به, فلا يقدر أحد أن يأتي بلفظ يقوم مقامه, وأن تحت كل حرف منه معاني لا يحاط بها كثرة, فلا يقدر أحد أن يأتي بدله بما يشتمل عليه.( كما في الإتقان 1/ 128).

فبان بهذا بطلان هذا القول وظهر واضحا للعيان غرضهم الخبيث من وراء قولتهم هذه فالله متم نوره ولو كره الكافرون.
وبعد هذه الأقوال لم يبق معنا قول يحتج به سوى القول الأول وهو أن جبريل تلقى القرآن من الله وليس من اللوح المحفوظ لدلالة الكتاب والسنة وكلام السلف من أهل السنة والجماعة فالقرآن الكريم يذكر في أيما آية منه أن القرآن كلام الله حقيقة لا مجازا وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تلقاه من الله بوساطة جبريل عليه السلام وجبريل تلقاه عن الله عز وجل كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ [النمل 6],وقوله: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ {44} لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ {45} ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ {46} فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ {47}﴾[الحاقة]. وجبريل عليه السلام شأنه في هذا شأن محمد صلى الله عليه وسلم ليس له أن يتنزل بشيء من القرآن إلا بعد إذن الله ووحيه له بذلك وتكليمه به كما في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:(( إذا تكلم الله تبارك وتعالى بالوحي سمع أهل السموات شيئا, فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق, ونادوا ماذا قال ربكم قالوا الحق )) ( رواة البخاري كتاب التوحيد باب رقم 32 ).

فالقرآن لا يخرج عن كونه وحيا, والله تعالى يخاطب جبريل عليه السلام بالوحي ثم جبريل ينزل به على الرسول صلى الله عليه وسلم دون تحريف ولا تبديل ولا زيادة زلا نقصان ثم ما الفائدة من أخذ جبريل القرآن من اللوح المحفوظ وقد سمعه من الله, والله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: { سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى {6} إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ ﴾ [الأعلى], فكذلك جبريل لا ينسى ما سمعه من الله حتى يبلغه للرسول, والرسول صلى الله عليه وسلم كما هو معروف أمي لا يعرف القراءة فما الفائدة من إتيانه بالقرآن مكتوبا ؟ وحسبنا أن الله سمى القرآن كلامه وأن جبريل يسمعه ويبلغه للرسول وأن الله ثبت تكليمه لملائكته ورسله كما كلم موسى عليه السلام فما المانع من أن يتكلم بالقرآن ويأخذه منه جبريل؟ والله أعلم( انظر الفتح 13/ 456).

وهذا القول هو الذي يسلم من الاعتراضات والشبهات التي يطرحها أعداء الإسلام للتشكيك في مصدر القرآن.


يتبع بعون الله
رد مع اقتباس