عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 10-18-2017, 02:24 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي أسباب اختلاف العلماء :

دورة في الفقه الإسلامي وأدلته

الحلقة (5)

أسباب اختلاف العلماء :
عندما يقرأ المتصفح في كتب الفقه وغيرها من كتب التفسير وشروح الحديث يجد أن أكثر مسائل الفقه الاسلامي لا تسلم من تباين في أقوال الفقهاء والمحدثين وعامة العلماء، وبالنظر إلى أسباب هذا الخلاف نجدها في الجملة كما يلي :
السبب الأول : اختلاف العلماء في المصادر.
فبعضهم يقول لا حجة إلا في الكتاب والسنة والاجماع، فيرد القياس وحجية الصحابي وغيرهما من الأدلة الأخرى.
السبب الثاني : اختلافهم في فهم بعض نصوص الشرع.
ومثاله كأن يقول الحنبلي على الفتوى المشهور: ينبغي وضع اليدين على الصدر بعد القيام من الركوع، ويقول الحنفي أو المالكي أو الشافعي بل يسدلهما وحجة الطرفين : ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي حميد الساعدي قال : " كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبي ، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هَصَرَ(1) ظهره ، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فَقَار(2) مكانه"، فهذا اختلاف في فهم النص، والذي يظهر لي والله أعلم في هذه المسألة بعينها صحة الفهمين ظاهرياً، وجواز العمل بأيهما شاء المصلي لعدم ترجيح أحدهما كلياً على الآخر مع الأخذ في البال أن أحدهم صحيح والأخر خطأ إلا أن الجزم على واحد بعينه بالصحة أو الضعف قطعاً يترتب عليه الدليل ، ولا نص في ذلك، فالعمل بأحدهما لا ينافي ضعف الآخر قطعاً، ولكن قد يستلزمه في الجملة، وإن كنا نرى قوة مذهب الجمهور.
السبب الثالث : اختلافهم في القواعد الفقهية والقواعد الأصولية الكلية.
فالقواعد الأصولية : هي كل قاعدة أكثر اطراداً وعموماً، سيقت من الألفاظ العربية والعقلية، سابقة للجزئيات، قائمة على الاستنباط، متشابهة الأدلة، تدل على الحكم بواسطة، وتختص بالفقهاء والمجتهدين، ومثالها قاعدة : الأمر يقتضي الوجوب.
فهذه قاعدة لغوية عقلية شاملة لكل دليل جاء بصيغة الأمر وهي أكثر اطراداً وعموماً لكون الأدلة في الأوامر كثيرة في الكتاب والسنة لاختلاف كثرة الجزئيات كجزئية وجوب إقامة الصلاة وجزئية إيتاء الزكاة.
وأهم الكتب في هذه القواعد الأصولية الكلية " الاجمالية" : كتاب الفروق للقرافي، وكتاب تأسيس النظر للدبوسي، وكتاب القواعد الأصولية عند الإمام الشاطبي للدكتور الجلالي المريني، وكتاب القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام.
وأما القواعد الفقهية فهي : القواعد والضوابط التي تجمع الأحكام الفقهية المتشابهة والمتعلقة بأفعال المكلفين حيث يستعملها كل الناس : فقهاء ومجتهدون وغيرهم، ومثالها قاعدة : قاعدة اليقين لا يزول بالشك.
فإذا قال شخص توضأت وشكيت، فهل انتقض الوضوء أم لا؟ أجبناه بالقاعدة الفقهية، وهو نفسه كشخص من العوام قد يعرف ذلك لكونها قضية فرعية مشهورة لدى عموم الناس.
وأهم الكتب في هذه القواعد الفقهية : كتاب قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام، وكتاب القواعد الفقهية لابن رجب، وغيرهما كثير.
السبب الرابع : اختلافهم في صحة الأحاديث وضعفها.
فهناك فقهاء لم يدرسوا علم الحديث وليس لهم باع في صناعة التخريج والحكم على الأحاديث وفقاً لقواعد هذا العلم الشريف، فيرجح بعضهم أو يفتي بناء على حديث لا يصح، فيتصادم قوله أو فتواه مع فتوى محدث فقيه بنى فتواه على حديث آخر صحيح، وهكذا، ولا يعني هذا اسقاط مزية الفقهاء غير المحدثين، فلكل عالم فضل.
السبب الخامس : اختلافهم في الناسخ والمنسوخ.
وأمثلة ذلك كثيرة، ومن ذلك : هل الوضوء من أكل لحم الابل منسوخ أم لا؟ ومثله من توضأ ثم مس ذكره، ونحوهما من المسائل، والصواب عدم النسخ في المسألتين كما سيأتي في موضعه من هذا الموجز بإذن الله.
السبب السادس : اختلافهم في الترجيح.
ومثال ذلك اختلافهم في تقديم الركبتين أو اليدين عند الهبوط من الركوع إلى السجود، وقد رجحت تقديم اليدين على الركبتين في كافة شروحي على الدرر البهية وشرح عمدة الأحكام وشرح بلوغ المرام، وسيأتي بيان هذه المسألة في موضعها إن شاء الله من هذا الموجز.
فهذه هي الأسباب التي أدت إلى اختلاف الفقهاء، وهناك أسباب أخرى، ترجع في الأصل إلى هذه الستة.
ورغم الخلاف في المسائل الفقهية إلا أن العلماء المختلفين يترحم بعضهم على بعض, فاختلاف أمة محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان طريقه السعي لمعرفة الحق واجتهد المجتهد وأخطأ فإن هذا الخلاف لا يضر, ولا يستطيع المسلم أن يقضي على الخلاف أبدًا؛ لأنه سنة قديمة، سنها الله عز وجل كما قال سبحانه "وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ" ([1]).
وإذا اختلف العلماء الربانيون في قضية من القضايا المتعلقة بالمسائل الفقهية فلا يخرج خلافهم عن واحد من اثنين: إما للوصول إلى الحق، وإما لبيان أدلة المسألة, وعلى جميع الأحوال، فالغاية واحدة وهي معرفة الحكم الشرعي الذي أراده الشرع الحكيم.
ولشيخ الإسلام ابن تيمة رسالة في أسباب الخلاف بين العلماء اسمها "رفع الملام عن الأئمة الأعلام", وننصح بقراءتها، وهناك رسائل أخرى مفيدة في هذا الباب، منها : الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف للعلامة ولي الله الدهلوي ، وكتاب أسباب اختلاف الفقهاء للشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي، وكتاب أسباب اختلاف الفقهاء في الفروع الفقهية للشيخ حمد بن حمدي الصاعدي، وكتاب أسباب اختلاف الفقهاء للشيخ مصطفى الزلمي، وكلها كتب مفيدة.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_______
(1) هصر ظهره : أي خفضه وثناه .
(2) الفقار : المفصل .
([1]) سورة هود, الآية [119,118].
**
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس