عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 05-25-2016, 09:38 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,603
افتراضي


النصيحة التعليمية التربوية ( 12 ) .

طالب العلم والصدق

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ " ( رواه مسلم ) .

فالعبد مأمور بالصدق لأنه الطريق الوحيد إلى الله – تعالى – فمن لم يسلكه لن يصل إلى ربه : إلى رضاه وجنته .

قال – تعالى - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }[التوبة : 119] .

قال أبو جعفر الطبري – رحمه الله - :" يقول - تعالى ذكره - للمؤمنين، معرِّفَهم سبيل النجاة من عقابه، والخلاصِ من أليم عذابه: {يا أيها الذين آمنوا} ، بالله ورسوله {اتقوا الله} ، وراقبوه بأداء فرائضه، وتجنب حدوده {وكونوا} في الدنيا من أهل ولاية الله وطاعته، تكونوا في الآخرة {مع الصادقين} في الجنة. يعني: مع من صَدَق اللهَ الإيمانَ به، فحقَّق قوله بفعله، ولم يكن من أهل النفاق فيه، الذين يكذِّب قيلَهم فعلُهم.
وإنما معنى الكلام: وكونوا مع الصادقين في الآخرة باتقاء الله في الدنيا، كما قال جل ثناؤه: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} [سورة النساء: 69]
" ( جامع البيان : 14/558 ) .

وأولى الناس ( بالصدق ) طلاب العلم ؛ إذ العلم لا يستقيم إلا به ، كما قال يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ – رحمه الله - : «آلَةُ الْحَدِيثِ الصِّدْقُ ... " .

وكان السلف الكرام يلقنون طلابهم الصدق قبل الحديث . بل ويشددون عليهم فيه حتى تتفهمه عقولهم وتطمئن به قلوبهم ويكون سجيتهم ، فعن بَقِيَّة ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ الْأَوْزَاعِيِّ فَجَاءَ شَابٌّ فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو مَعِيَ ثَلَاثُونَ حَدِيثًا، قَالَ: فَجَعَلَ الْأَوْزَاعِيُّ يُحَدِّثُهُ وَيَعُدُّهَا، قَالَ: فَلَمَّا جَازَ الثَّلَاثِينَ قَالَ لَهُ: «يَا ابْنَ أَخِي، تَعَلَّمِ الصِّدْقَ قَبْلَ أَنْ تَعَلَّمَ الْحَدِيثَ» .

وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَارُونَ، قَالَ: أَتَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنِي خَمْسَةَ أَحَادِيثَ، فَقَالَ: هَاتِ، فَجَعَلْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ يَعُدُّ، وَأَنَا لَا أَعْلَمُ، فَلَمَّا بَدَأْتُ بِالسَّادِسِ، قَالَ: «اذْهَبْ فَتَعَلَّمِ الصِّدْقَ، ثُمَّ اكْتُبِ الْحَدِيثَ» .

وقُرِئَ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ حَرْبَوَيْهِ الْقَاضِي، وَأَنَا أَسْمَعُ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ قُلْتُ: " أَسْأَلُ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ، قَالَ: مَا هُمَا؟ قَالَ، قُلْتُ: {دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ} مَا الْأَيْدِ؟ قَالَ: الْقُوَّةُ، قُلْتُ {أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} قَالَ: الْقُوَّةُ وَالْأَبْصَارُ، الْعُقُولُ، هَكَذَا يُرْوَى فِي التَّفْسِيرِ، قَالَ: قُلْتُ: مَا بَالُ إِحْدَاهُمَا ثَبَتَتْ فِيهِ الْيَاءُ وَالْأُخْرَى حُذِفَتْ؟ قَالَ: عَمَلُ الْكَاتِبِ، قَالَ: فَانْدَفَعْتُ أَسْأَلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، قَالَ: قُلْتَ مَسْأَلَتَيْنِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، قَالَ: قُلْتُ «مَا أَحْسَبُ حَضَرَ الْمَجْلِسَ أَحَدٌ أَبْعَدُ مَنْزِلًا مِنِّي» ، قَالَ: «وَإِنْ كَانَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَالصِّدْقُ» .

والسبب في ذلك الحرص ، وتلك العناية : أن مراتب العلم لا يفلح فيها إلا الصادق .
قَالَ وَكِيعٌ: «هَذِهِ صَنَاعَةٌ لَا يَرْتَفِعُ فِيهَا إِلَّا صَادِقٌ» .

وقال أَبَو بَكْرٍ الْمَرُّوذِي: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَسُئِلَ: «بِمَ بَلَغَ الْقَوْمُ حَتَّى مُدِحُوا» ، قَالَ: «بِالصِّدْقِ» .

فإن صدق اللسان وعفته أمارة على تقوى القلب وطهارته وبذلك يفلح العبد .

يَلْقَاكَ بِالْخُلْفِ مَنْ فِي دِينِهِ عِوَجٌ ... وَلَيْسَ فِي دِينِ أَهْلِ الصِّدْقِ مِنْ عِوَجِ


***



رد مع اقتباس