عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 12-30-2012, 10:30 PM
ام البراء ام البراء غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 952
افتراضي

(اقرأ باسم ربك الذي خلق)
عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت (1) : ( أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه -وهو التعبد- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها.
حتى جاءه الحق وهو في غار حراء..
[أي : جاءه الأمر الحق وسمي حقا لأنه وحي من الله تعالى]
فجاءه الملك..
[الملك هو جبريل – عليه السلام-]
فقال: اقرأ
[يحتمل أن يكون هذا الأمر "اقرأ" للتنبيه والتيقظ لما سيلقى إليه ، أو أن يكون على معناه من طلب القراءة أو المقصود : قل اقرأ ]
قال: ما أنا بقارئ .
[أي : ما أحسن القراءة ]
قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني..
[أي فضمني وعصرني حتى بلغ مني غاية وسعي ثم أطلقني، والحكمة في هذا الغط شغله عن الالتفات لشيء آخر أو لإظهار الشدة والجد في الأمر تنبيها على ثقل القول الذي سيلقى إليه ، فلما ظهر أنه صبر على ذلك ألقي إليه]
فقال: اقرأ .
قلت: ما أنا بقارئ .
فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني..
فقال: اقرأ .
فقلت: ما أنا بقارئ .
فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني ..
فقال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم )
[فلما قال ذلك ثلاثا قيل له (اقرأ باسم ربك) أي : لا تقرؤه بقوتك ولا بمعرفتك ، لكن بحول ربك وإعانته ، فهو يعلمك ، كما خلقك وكما نزع عنك علق الدم وغمز الشيطان في الصغر ، وعلم أمتك حتى صارت تكتب بالقلم بعد أن كانت أمية .هذا القدر من هذه السورة هو الذي نزل أولا ، بخلاف بقية السورة فإنما نزل بعد ذلك بزمان ]
فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم-
[ أي رجع بالآيات أو بالقصة]
يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-..
فقال: زملوني زملوني ..
[أي لفوني بالغطاء]
فزملوه حتى ذهب عنه الروع
[الروع أي الفزع]..
فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي .
[أي من الموت من شدة الرعب أو المرض أو غير ذلك]
فقالت خديجة: كلا ..
[كلا: كلمة نفي وإبعاد]
والله ما يخزيك الله أبدا..
[والخزي الفضيحة والهوان]
إنك لتصل الرحم..
[صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب الحال، فتارة تكون بالمال وتارة بالخدمة وتارة بالزيارة والسلام وغير ذلك]
وتحمل الكَلّ..
[الكَل هو العاجز المحتاج لمن يقوم به، فإن كان فقيرا حمله بالمال وإن كان ضعيفا بالجسم حمله بالمعونة]
وتَكسِب (2) المعدوم..
[أي تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك، فتحصِّل الخير -وهو المعدوم- للغير.]
وتَقري الضيف..
[تعطيه القِرى، وهو ما يُقَدَّم للضيف]
وتعين على نوائب الحق.
[أي ما يصيب الناس من الأمور والحوادث ، إذا كانت حقّا فإنه – صلى الله عليه وسلم- يعين عليها وإن كانت باطلا فإنه ضدها .]
معنى كلام خديجة - رضي الله عنها - إنك لا يصيبك مكروه لما جعل الله فيك من مكارم الأخلاق وكرم الشمائل وذكرت أمثلة من ذلك .]
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية ..
[تنصّر أي صار نصرانيا ، وكان قد خرج هو وزيد بن عمرو بن نفيل (3) لما كرها عبادة الأوثان إلى الشام وغيرها يسألون عن الدين ، فأما ورقة فأعجبه دين النصرانية فتنصر ، وكان لقي من بقي من الرهبان على دين عيسى ولم يبدل ، ولهذا أخبر بشأن النبي - صلى الله عليه وسلم - والبشارة به .]
وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب..
[وإنما وصفته بكتابة الإنجيل دون حفظه لأن حفظ التوراة والإنجيل لم يكن متيسرا كتيسر حفظ القرآن الذي خصت به هذه الأمة .]
وكان شيخا كبيرا قد عمي..
فقالت له خديجة: يا ابن عم
[هذا النداء على حقيقته،أي هو ابن عمها على الحقيقة]
اسمع من ابن أخيك
[وصفت خديجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم بأنه ابن أخي ورقة لأن والده عبد الله بن عبد المطلب وورقة يجتمعان قصي بن كلاب ، فكان من هذه الحيثية في درجة إخوته ، أو قالته على سبيل التوقير لسنه].
فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟
فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبر ما رأى .
فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى..
[ والناموس : أي صاحب السر ، والمراد بالناموس هنا جبريل -عليه السلام- .]
يا ليتني فيها جَذَعا..
[الجَذَع هو الصغير من البهائم ، كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الدعاء إلى الإسلام شابا ليكون أمكن لنصره ، وبهذا يتبين سر وصفه بكونه كان كبيرا أعمى .]
ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أومُخرِجيَّ هم؟
[جمع مُخرِج ، واستبعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخرجوه ، لأنه لم يكن فيه سبب يقتضي الإخراج ، لما اشتمل عليه من مكارم الأخلاق التي تقدم من خديجة وصفها . ]
قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي.. [فذكر ورقة أن العلة في ذلك مجيئه لهم بالانتقال عن مألوفهم ، ولأنه علم من الكتب أنهم لا يجيبونه إلى ذلك ، وأنه يلزمه لذلك منابذتهم ومعاندتهم فتنشأ العداوة.]
وإن يدركني يومك ..
[يعني يوم الإخراج]
أنصرك نصرا مؤزرا
[مؤزرا أي قويّا] .
[ وبذلك يكون ورقة بن نوفل أول من آمن برسول الله – صلى الله عليه وسلم- لكن هذا كان قبل الرسالة، أي قبل أن يؤمر –صلى الله عليه وسلم- بدعوة الناس للإسلام]
ثم لم ينشب ورقة أن توفي..
[أي لم يلبث]
وفتر الوحي .
[وفتور الوحي عبارة عن تأخره مدة من الزمان ، وكان ذلك ليذهب ما كان - صلى الله عليه وسلم - وجده من الروع ، وليحصل له التشوف إلى العود .]

من فوائد القصة:
- أول ما نزل من القرآن : (اقرأ باسم ربك الذي خلق) .
- محمد – صلوات الله وسلامه عليه – صار نبيّا بِنزول (اقرأ) عليه وليس رسولا بعد، أي أنه نُبِّئ وأُخبِر بالوحي لكنه لم يؤمَر بتبليغ الناس وإنذارهم آنذاك .
- رسولنا محمد – صلوات الله وسلامه عليه - كان معروفا بمكارم الأخلاق وخصال الخير قبل البعثة .
- مكارم الأخلاق وخصال الخير سبب السلامة من السوء .
- تأنيس من حصل له خوف من أمر وتبشيره وذكر أسباب السلامة له .
- كمال خديجة - رضي الله عنها - وجزالة رأيها وقوة نفسها وثبات قلبها وعظم فقهها .
_______________
(1) هذا هو الحديث الرابع من صحيح البخاري، والحديث رقم (160) من صحيح مسلم. وما بين [ ] هو شرح مبسَّط لعبارات الحديث مأخوذ بتصرف من كلام ابن حجر في الفتح وشرح النووي لصحيح مسلم مع بعض الإضافات المستفادة من شرح الشيخ ابن عثيمين لصحيح البخاري -رحمهم الله جميعا وجزاهم عنا كل خير-.
وللتسهيل جعلت المتن باللون الأزرق والشرح بالأسود، أسأل الله أن يكون العرض سهلا ميسرا نافعا .
(2) قال النووي:فهو بفتح التاء هذا هو الصحيح المشهور ونقله القاضي عياض عن رواية الأكثرين قال: ورواه بعضهم بضمها.
(3) سبق الكلام عن زيد بن عمرو بن نفيل
__________________
زوجة أبي الحارث باسم خلف
رد مع اقتباس