عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-17-2012, 06:03 PM
الأثري العراقي الأثري العراقي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2011
الدولة: العراق
المشاركات: 2,016
Arrow الحُكْمُ عَلَى الأَشْخَاصِ بَيْنَ التَّسَاهُلِ وَالتَّشَدُّدِ - للشيخ : علي الحلبي

بسم الله الرحمن الرحيم


الحُكْمُ عَلَى الأَشْخَاصِ بَيْنَ التَّسَاهُلِ وَالتَّشَدُّدِ ، وَأَثَرَهُ فِي الدَّعْوَةِ



لِلْشَّيْخِ : عَلِي الحَلَبِي ـ حَفِظَهُ اللهُ ـ

ـ السؤال : يتكلَّم بعضُ طلبةِ العلم في بعضِ المشايخ ، ويَطعنونَ بِهم ، وأنَّهم مِن أهلِ البدعِ الَّذين لا يُؤخذُ عنهمُ العِلمُ ؛ كالشَّيخ فلان لأنَّه قال كذا ، والشَّيخ فلان لأنَّه قال كذا .. وذكرَ أسماءً متعدِّدةً ؛ فيقولُ : أريد أن تُبيِّن لنا هذا الكلامَ ؟ .
ـ الجواب : أخي الكريم ؛ هذه مسألةٌ أتعَبَتْنا وأتعبتْ غيرَنا ؛ ذلكم : أنَّ الغفلةَ فيها عن تأصيلِ العُلماءِ توقِعُ بالوَيلِ والثُّبورِ ، وعظائمِ الأمورِ! ، والغفلةُ فيها لَها جانبان :
ـ الجانبُ الأوَّلُ : جانبُ التَّشدُّد .
ـ والجانبُ الآخَرُ : جانبُ التَّساهُلِ .
وإن كان كِلا الجانبَين باطلًا ؛ لكنِّي أعتقدُ : أنَّ جانبَ التَّساهُلِ أقلُّ خطرًا ، وأهونُ ضَررًا مِن جانبِ التَّشدُّد ؛ لأنَّ الذي تساهَلَ أخذَ جانبَ السَّلامةِ ، والخطأُ في العَفوِ خيرٌ مِن الخطأِ في العقوبةِ ؛ بينما الذي تَشدَّدَ أخذَ منحَى التَّضليلِ والتَّبديعِ والإسقاطِ ، واحتمالُ خَطئِه قائم ، والخطأُ في ( العقوبةِ ) أشدُّ مِن الخطأِ في ( العفوِ ) .
أقولُ هذا ؛ مقرِّرًا ومكرِّرًا : أنَّ كِلا الأمرَين خطأ ، والصَّوابُ الانضباطُ والتَّأصيلُ .
يا إخواني ؛ ليس كلُّ مَن أثنَى على مُبتدِعٍ فهو مُبتدعٌ ..
وليس كلُّ مَن أخطأَ خَطأً فهو مُنحرِفٌ ..
وليس كلُّ مَن غَلط غلطًا فهو ضالٌّ ..
إنَّما يَضلُّ مَن ضلَّ ، وينحرفُ مَن انحرفَ بِمُخالفةِ أصلٍ مِن أُصولِ أهلِ السُّنَّةِ في عيونِ عقائدِهم ، أو فيما تكرَّرَ مِن أفرادِ المسائلِ التي إذا اجتمعتْ تدلُّ على انحرافٍ في أصلٍ منهجيٍّ .
هذا جوابٌ عامٌّ .
يَلِي هذا الجوابَ العامَّ إشاراتٌ أخرى ، وهي : اختلافُ المعاييرِ في الأحكامِ لاختلافِ الأعيانِ والزَّمانِ والمكانِ .
كثيرٌ مِن النَّاسِ يُريدُ أن يُطبِّقَ ما يَسمَعُهُ في هذا المجلِسِ في كلِّ مكانٍ ، على كلِّ أحدٍ ، فِي كلِّ زمانٍ! . هذا صوابٌ ؟! .
واللهِ ؛ ليس مِن الصَّواب في شيءٍ ! .
هذا مَجلسٌ مضَى عليه خمسةَ عشرَ عامًا ..
هذا مَجلسٌ قَضَينا فيهِ مِئاتِ السَّاعاتِ ..
هذا مَجلسٌ طَرَحنا فيه مئاتِ المسائلِ ، وآلافِ الآياتِ والأحاديثِ ..
.. هل مِن السُّهولةِ ـ إذا رأيتَ ( واحدًا ) على بابِ المسجدِ ـ هذا التُّراث ـ كلُّه ـ ؛ أن تُلقِّنَه إيَّاهُ ، أو أن تُلْقِمَه إيَّاه في لحظة ؟! .
الجواب : لا ؛ لا يَليق ، ولا يَحسُن! .
أنا أضربُ المثلَ بِمثالٍ ؛ أقولُ :
إبَر ( البنسَلِين) تُعتبر ـ في العصرِ الحديثِ ـ أهمَّ اكتشافٍ طبِّيٍّ ، وبِها يُعافِي اللهُ كثيرًا مِن المَرضَى ؛ لكنَّها قد تكونُ قاتِلةً لبعضِهم ! .
إذن : إذا لَم يكنِ العِلاجُ النَّافعُ في المحلِّ الأمثلِ ؛ فإنَّه يكونُ ضرَرُهُ أكبَرَ .
وهكذا الكلمةُ ..
الكلمةُ حقٌّ ؛ لكنْ : هذا الحقُّ لا يُلقَى في أيِّ مكان ، ولا يُعطَى لأيِّ إنسانٍ ، ولا يُقـالُ في أيِّ زمانٍ ؛ هنالك ضوابطُ ، ورَوابطُ ، وأصولٌ ، وأسُسٌ .
هذا فِقهُ الدَّعوةِ وفِقهُ التَّربيةِ ـ الذي يجبُ أن نَفهمَهُ ، وأن نُفهِّمه غيرَنا ـ .
نحنُ نقولُ للمُخطئ : ( مُخطئ )؛ لكنْ هل مِن الشَّرط أن نقولَ لهذا المخطئ : ( أنتَ مُنحرفٌ ، ضالٌّ ، مُضلٌّ ، أخطرُ مِن اليهودِ والنَّصارى ، ولو خرجَ المسيحُ الدَّجالُ لاتَّبعكَ )!!؟ .
اللهُ أكبر !
واللهِ ؛ إنَّه لَلتَّألِّي على اللهِ ، وعلى غَيبِ الله ، وعلى دِينِ الله !! .
إذن : القضيَّةُ ـ كما قُلنا ـ : الغُلوُّ شرٌّ ، والتَّقصيرُ شرٌّ ..
الإفراطُ شرٌّ ، والتَّفريطُ شرٌّ ..
لكن : أهونُ الشَّرَّينِ الشَّرُّ الواقعُ في صاحبِه ، اللازمُ له غيرُ المتعدِّي سِواهُ .
بينما الذي يُبدِّع غيرَه ، ثم يُبدِّع مِن لَم يُبدِّعْهُ ، ثم يُبدِّعُ السَّاكتَ عمَّن لَم يُبدِّعه .. في سلسلةٍ مِن أسوأ السلاسلِ ! ، وفي مسألةٍ من أشنعِ المسائلِ !! ؛ فهذا ـ واللهِ ـ هو السُّوءُ والبلاءُ !! .
لذلك : أنصحُ السَّائلَ أن لا ينشغلَ بِهؤلاءِ .
واللهِ ـ يا إخواني ! ـ لو عشتَ عُمرَك ـ كلَّه ـ لا تعرفُ إلا القُرآنَ الكريم ، والبُخاريَّ و ( مسلمًا ) ، والأئمَّةَ الأربعةَ ، وابنَ تيميَّةَ ، وابنَ بازٍ، وابنَ عُثيمين ، وأئمَّةَ أهلِ السُّنَّة الكبار ـ هؤلاء ـ دون عليٍّ وعليَّان ، وأحَمد وحمدان ، ورَبيعٍ ورُبيعان ـ ، واللهِ ؛ إنَّك في نجاةٍ ، واللهِ ؛ إنَّك في نجاةٍ ! .
لأنَّ أُصولَ الإسلامِ ـ كلَّها ـ أخذناها مِن هؤلاءِ ، وعرفناها عنهُم ، وتوارثَتْهُ الأمَّةُ - ـ جيلًا فجيلًا ـ منهم .
بينما فلانٌ وفلانٌ ، وأحمد وحمدان ـ هؤلاءِ ـ قد يَفتِنون الأمَّةَ بأنفسِهم ! .
الأمَّةُ ليست بِحاجةٍ إلى هذه الفِتنِ ! ..
الأمَّةُ يَكفيها ما فيها مِن فِتنٍ ..
يَكفيها ما فيها مِن بلاءٍ ومِحَنٍ ! ..
( وَلَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ ) .
وصلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك على نبيِّنا محمَّد ، وعلى آله وصحبِه أجمعين .
وآخر دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين .

( كان هذا السُّؤالُ والجوابُ بعد درس «شرحِ الإقناع» ، كتاب الأطعمة /5 ، ( 41:36 ) ) .

http://alhalaby.com/play.php?catsmktba=2993

رد مع اقتباس