عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 03-21-2011, 06:14 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي حاجة الأمة للعقيدة السليمة

حاجة الأمة للعقيدة السليمة

إن العقيدة الإسلامية ضرورية للإنسان، كضرورة الماء والهواء، وبدونها هو تائهٌ لا يدري عن ذاته وصفاته، كيف جاء، لمَ وجد، من أوجده، بل من أوجد هذا الكون، ما أسماؤه وما صفاته، وهل من حياة بعد هذه الحياة، تساؤلات كثيرة شغلت الفكر الإنساني، وحدها العقيدة الإسلامية التي تجيب عليها.

ما أحوجنا إلى العقيدة الإسلامية السليمة ننهلها إن شاء الله - تعالى - من معين النبوة الصافي، وفي زمن كثرت فيه البدع والعقائد الزائفة، والفرق الضالة، كل حزب بما لديهم فرحين، فكم من أمة تمزقت إلى أمم، وفرقة إلى فرق، وجماعة أصبحت جماعات، وما ذلك إلّا لأنها أسّسَت بنيانها على شفا جرفٍ هارٍ فانهارَ بها، ولجهلها بالعقيدة السليمة الحقَّة، ومسائل الاعتقاد والتوحيد كما فهمها سلفنا الصالح، سرعان ما انهارت، وسيطر عليها الفرقة والانقسام، وحلت بها المصائب والنكبات.

وجد في زماننا مَن يجيدون عُلومًا كثيرة، ومَنْ يقرؤون القرآن الكريم، بل ويحفظونه، لكنهم يفتقرون إلى أبسط العلوم الشرعية العقدية. وَوُجِدَ مَنْ يُحْسَبون على أهل السنة، ويتسمّونَ بها، ولكن بأسَهم بينهم شديد، لا يخجلون من الكذب على خصومِهِمْ ومُخالفيهم من علماء السلف الصالح بكيل الاتهامات، والتجريحٍ، والتكفير، والإسقاط، أباحوا الدم والعرض والمال لمجرد مخالفتهم، بخطب رنانة واحتجاجات ... وتحريضٍ وتهييجٍ وتهديد ووعيد وعنتريات - والله المستعان -.

وما تعاني منه الأمة من خوارج العصر وغيرهم من أهل الفرق، في أيامنا هذه خير شاهد. - نسأل الله العافية -. قال الله – تعالى - : ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ۞ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۞ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾. [سورة هود 117- 119].

ورحم الله الإمام مالك إذ قال : [لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها].

صلح أولها بما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ففتحوا البلاد وقلوب العباد، وبه ستثبت الأمة أمام تحديات الأفكار المستوردة، ووسائل الإعلام والاتصال والتواصل الحديثة، التي دخلت حَرَّ فِتْنَتَها كل بيت، ستثبت أمام فرقٍ ضالةٍ وسيل كتبٍ ومصنفاتٍ من أدعياءٍ يدَّعونَ أنهم يصحِّحون عقائد الناس، وهم أحوج من يكون إلى تصحيح عقائدهم.

فالأمة المرحومة التي اختارها الله - سبحانه وتعالى - هي التي حمل أصحابها لواء التوحيد، والعقيدة السليمة، وتمسكوا بها وجاهدوا من أجلها، وبذلوا النفس والنفيس حفاظًا عليها، لتظل راية الإسلام عاليةً خفاقة، فهي على الحق منصورة لا يضرها من خذلها ولا من خالفها حتى يأتي أمر الله - تعالى - وهي على ذلك، كما أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله : (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس) (صحيح) رواه : [أحمد والبخاري ومسلم عن معاوية - رضي الله عنه -] [صحيح الجامع 7290].

وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) رواه : (مسلم الترمذي وابن ماجه) انظر : [صحيح الجامع 7289] و [مختصر مسلم 1095] و [الصحيحة 1975].

هل يصح قول من قال : طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم ؟.

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - تعالى - :
ما وجه خطأ مَن قال : إن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم ؟ وما مضمون مقالته هذه ؟ وبم يُردُّ عليه وعلى مَن سلكَ طريقته ؟.

فأجاب رحمه الله - تعالى - : [لا يجوز أن يكون الخالفون أعلم من السالفين كما يقوله بعض الأغبياء ممن لم يقدّر قدر السلف، بل ولا عَرف الله – تعالى – ورسوله - صلى الله عليه وسلم – والمؤمنون به حقيقة المعرفة المأمور بها، من أن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم !!.

إنما أُتُوا مِن حيثُ ظنوا أنَّ طريقة السلف هيَ مُجرّد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث مِن غير فقهٍ لذلك، بمنزلة الأُمِيين الذين قال الله – تعالى - فيهم : ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [سورة البقرة 78].

وأنَّ طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المعروفة عن حقائقها بأنواع المجازات، وغرائب اللغات، فهذا الظن الفاسد أوجبَ تلك المقالات التي مضمونها نبْذ الإسلام وراء الظهر، وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلّوا في تصويب طريقة الخلف، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في التكذيب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف، ويرد عليهم من وجوه :

1. ظهور جهالة قوْل الخلف وضلاله عند تدبُّرِه، وقول الواقف على نهاية إقدامهم بما انتهى إليه أمرهم.

قال الفخر الرازي :

نهــــــاية إقـــــدام العقول عقـــــــالُ **** وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنـــــا في وحشة من جسومنا **** وغــــاية دنيـــانا أذىً ووبالُ
ولم نستفد مِنْ بَحثِنـــا طولَ عُمْــرِنا **** سوى أن جمعنا فيه قال وقالوا.

وقال :

لعمري وما أدري وقد أذن البِلى **** بِعاجلِ ترحالٍ إلى أينَ تِرحالي.

وقال القشيري :

تجــاوَزْتُ حــدَّ الكثرينَ إلى العُـــلى **** وسافرْتُ واستسبقتُهم في المفاوِزِ
وخضتُ بحــارًا ليس يدركُ قــعرُها **** وسيَّرْتُ طرفي قسيم المفــــاوز
ولجَّجْتُ بالأفكار ثم تراجع اختياري **** إلى استحسـان دين العجـــــائز.

وقال غيره :

لعمري لقد طفت المعاهد كلها **** وسيّرْت طرفي بينَ تلك المعاهد
فلم أر إلا واضعــًـا كفَّ حائرٍ **** على ذقنٍ أو واضِعــًــا سِنَّ نادِمِ.

وقال آخر :

[لقد خُضْتُ البحرَ الخضمَّ، وتركتُ أهل الإسلام وعلومهم، وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني الله برحمته، فالويْل لفلان، وها أنا أموت على عقيدة أمي].

وقال آخر : [أكثر الناس شكًّا عند الموت أصحاب الكلام].

2. إنَّ هؤلاء المتكلمين المخالفين للسلف إذا حقَّ عليهم الأمر، لا يوجد عندهم مِن حقيقة العلم بالله وخالص المعرفة، ولا وقفوا مِن ذلك على عَيْنٍ ولا أثر.

3. يستحيل أن يكون أولئك الحيارى المُتهوِّكون، أعلم بالله وأسمائه وصفاته، وأحكم في باب ذاته وآياته، مِن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، مِن ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل وأعلام الهدى]. [الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية (ص 9 – 10). تأليف الشيخ عبد العزيز المحمد السلمان] .


ما أحرانا في زمن الغربة والفرقة والاختلاف أن نجمع أمرنا ونلمَّ شعثنا، ما أحوجنا إلى معرفة مسائل الاعتقاد من معين النبوة الصافي، وأهمها "الثلاثة الأصول" التي نلقى الله – عزَّ وجلّ - عليها، وغدًا عنها في حياة البرزخ سنسأل : [من ربك ؟ ما دينك ؟ ما هذا الرجل الذي بعث فيكم]، إنها "فتنة القبر سؤال الملكين"، نسأل الله الثبات في هذه الحياة الدنيا وبعد الممات.


يتبع - إن شاء الله تعالى -
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس