{منتديات كل السلفيين}

{منتديات كل السلفيين} (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/index.php)
-   المنبر الإسلامي العام (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/forumdisplay.php?f=3)
-   -   سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=31583)

طارق دامي المغربي 10-04-2011 10:57 PM

سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب
 

بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على رسول الله و على صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد


فهذه مواعظ قصيرة جعلتها عونا لنفسي و إخواني للتزود ليوم الميعاد و الإستعداد, و التأهب للموت قبل الفوت, فلعلها توقظ راقدا أو تنبه غافلا , وهي عبارة عن:
آيات قرآنية
أحاديث
أقوال و مواقف السلف
قصص
وقد أهمل في بعض الأحيان المصادر و الأشخاص , لمصلحة رأيتها ولأن المقام مقام وعظ و ليس تأصيل المسائل.

ما كل من وصف الدواء يستعمله ... ولا كل من وصف التقى ذو تقى
وصفت التقى حتى كأني ذو تقى ... وريح الخطايا من ثيابي تعبق

فوائد مجالس التذكير
قال ابن رجب/ لطائف المعارف:
كانت مجالس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه عامتها مجالس تذكير بالله وترغيب وترهيب إما بتلاوة القرآن أو بما آتاه الله من الحكمة والموعظة الحسنة وتعليم ما ينفع في الدين كما أمره الله تعالى في كتابه أن يذكر ويعظ ويقص وأن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ,وأن يبشر وينذر وسماه الله {مُبَشِّراً وَنَذِيراً ، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ} [الأحزاب: 45, 46] والتبشير والإنذار: هو الترغيب والترهيب فلذلك كانت تلك المجالس توجب لأصحابه رقة القلب والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.
حال الناس مع المواعظ

قال ابن رجب:
يعد سماع الموعظة ينقسم الناس إلى عدة أقسام:
فمنهم من يرجع إلى هواه فلا يتعلق بشيء مما سمعه في مجلس الذكر ولا يزداد هدى ولا يرتدع عن ردىء ,وهؤلاء شر الأقسام ويكون ما سمعوه حجة عليهم فتزداد به عقوبتهم وهؤلاء الظالمين لأنفسهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [النحل:108].
ومنهم من ينتفع بما سمعه وهم على أقسام:
فمنهم من يرده ما سمعه عن المحرمات ويوجب له التزام الواجبات "وهؤلاء المقتصدون أصحاب اليمين"
ومنهم من يرتقي عن ذلك إلى التشمير في نوافل الطاعات والتورع عن دقائق المكروهات ويشتاق إلى إتباع آثار من سلف من السادات "وهؤلاء السابقون المقربون".
أقسام الناس في استحضار و الانتفاع مما سمعوه في مجالس الذكر

و ينقسم المنتفعون بسماع مجلس الذكر في استحضار ما سمعوه في المجلس والغفلة عنه إلى ثلاثة أقسام:
فقسم يرجعون إلى مصالح دنياهم المباحة فيشتغلون بها فتذهل بذلك قلوبهم عما كانوا يجدونه في مجلس الذكر من استحضار عظمة الله وجلاله وكبريائه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه وهذا هو الذي شكاه الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وخشوا لكمال معرفتهم وشدة خوفهم أن يكون نفاقا فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس نفاق.
وقسم آخر يستمرون على استحضار حال مجلس سماع الذكر فلا يزال تذكر ذلك بقلوبهم ملازما لهم وهؤلاء على قسمين:
أحدهما : من يشغله ذلك عن مصالح دنياه المباحة فينقطع عن الخلق فلا يقوى على مخالطتهم ولا القيام بوفاء حقوقهم وكان كثير من السلف على هذه الحال فمنهم من كان لا يضحك أبدا ومنهم من كان يقول: لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد.
والثاني: من يستحضر ذكر الله وعظمته وثوابه وعقابه بقلبه ويدخل ببدنه في مصالح دنياه من اكتساب الحلال والقيام على العيال ويخالط الخلق فيما يوصل إليهم به النفع مما هو عبادة في نفسه كتعلم العلم والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهؤلاء أشرف القسمين وهم خلفاء الرسل.
أشياء أخرى تزهد في الدنيا

قال القرطبي في التذكرة:
قال العلماء رحمة الله عليهم : ليس للقلوب أنفع من زيارة القبور و خاصة إن كانت قاسية فعلى أصحابها أن يعالجوها بأربعة أمور :
أحدها : الإقلاع عما هي عليه بحضور مجالس العلم بالوعظ و التذكر ، و التخويف و الترغيب ، و أخبار الصالحين . فإن ذلك مما يلين القلوب و ينجع فيها .
الثاني : ذكر الموت من ذكر هادم اللذات و مفرق الجماعات و ميتم البنين و البنات كما تقدم في الباب قبل ، يروى أن امرأة شكت إلى عائشة رضي الله عنها قساوة قلبها . فقالت لها : أكثري من ذكر الموت يرق قلبك . ففعلت ذلك فرق قلبها . فجاءت تشكر عائشة رضي الله عنها . قال العلماء : تذكر الموت يردع عن المعاصي ، و يلين القلب القاسي ، و يذهب الفرح بالدنيا و يهون المصائب فيها .
الثالث : مشاهدة المحتضرين ، فإن في النظر إلى الميت و مشاهدة سكراته ، و نزعاته ، و تأمل صورته بعد مماته ، ما يقطع عن النفوس لذاتها ، و يطرد عن القلوب مسراتها ، و يمنع الأجفان من النوم ، و الأبدان من الراحة ، ويبعث على العمل ، و يزيد في الاجتهاد و التعب .
يروى أن الحسن البصري دخل على مريض يعوده فوجده في سكرات الموت فنظر إلى كربه ، و شدة ما نزل به ، فرجع إلى أهله ، بغير اللون الذي خرج به من عندهم فقالوا له : الطعام يرحمك الله فقال : يا أهلاه عليكم بطعامكم و شرابكم . فو الله لقد رأيت مصرعاً لا أزال أعمل له حتى ألقاه .

طارق دامي المغربي 10-05-2011 08:09 AM

حسن خاتمة

قال ابن رجب/ لطائف المعارف:
ذكر ابن أبي الدنيا بإسناد له أن رجلا من ملوك البصرة كان قد تنسك ,ثم مال إلى الدنيا والشيطان فبنى دارا وشيدها وأمر بها ففرشت له ونجدت ,واتخذ مأدبة, وصنع طعاما ودعا الناس فجعلوا يدخلون فيأكلون ويشربون وينظرون إلى بنائه ويعجبون منه ويدعون له ويتفرقون, فمكث بذلك أياما حتى فرغ من أمر الناس, ثم جلس في نفر من خاصة إخوانه,
فقال: قد ترون سروري بداري هذه وقد حدثت نفسي أن أتخذ لكل واحد من ولدي مثلها فأقيموا عندي أياما أستمتع بحديثكم وأشاوركم فيما أريد من هذا لولدي ,فأقاموا عنده أياما يلهون ويلعبون ويشاورهم كيف يبني لولده وكيف يريد أن يصنع, فبينما هم ذات ليلة في لهوهم إذا سمعوا قائلا يقول: من أقاصي الدار:


يا أيها الباني الناسي منيته ... لا تأمنن فإن الموت مكتوب
على الخلائق إن سروا وإن فرحوا ... فالموت حتف لذي الآمال منصوب
لا تبنين ديارا لست تسكنها ... وراجع النسك كيما يغفر الحُوب

قال: ففزع لذلك وفزع أصحابه فزعا شديدا وراعهم ما سمعوا من ذلك.
فقال لأصحابه: هل سمعتم ما سمعت؟
قالوا: نعم .
قال: فهل تجدون ما أجد؟
قالوا: وما تجد؟ قال: أجد والله مسكة على قلبي ما أراها إلا علة الموت.
قالوا: كلا بل البقاء والعافية.
قال: فبكى وقال: أنتم أخلائي وإخواني فما لي عندكم.
قالوا: مرنا بما أحببت .
قال: فأمر بالشراب فأهريق وبالملاهي فأخرجت ثم قال: اللهم إني أشهدك ومن حضر من عبادك أني تائب إليك من جميع ذنوبي نادم على ما فرطت أيام مهلتي, وإياك أسأل إن أقلتني أن تتم علي نعمتك بالإنابة إلى طاعتك, وإن أنت قبضتني إليك أن تغفر لي ذنوبي تفضلا منك علي.
واشتد به الأمر فلم يزل يقول: الموت والله! الموت والله ! حتى خرجت روحه .
وكان الفقهاء يرون أنه مات على توبته

طارق دامي المغربي 10-05-2011 08:15 AM

يا مخنث العزم

يا مخنث العزم أين أنت؟؟!!
والطريق طريق تعب فيه آدم ,
وناح لاجله نوح ,
ورمى في النار الخليل ,
واضجع للذبح اسماعيل,
وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ,
ونشر بالمنشار زكريا ,
وذبح السيد الحصور يحيى ,
وقاسى الضر أيوب,
وزاد على المقدار بكاء داود ,
وسار مع الوحش عيسي ,
وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد

بينما تزهو انت باللهو واللعب

فدارها بالحزن ان مزارها ... قريب ولكن دون ذلك أهوال
الحرب قائمة وانت اعزل في النظارة فإن حركت ركابك فللهزيمة.
من لم يباشر حر الهجير في طلاب المجد لم يقِل في ظلال الشرف

تقول سليمى لو أقمت بأرضنا ... ولم تدر أني للمقام أطوف
قيل لبعض العباد الى كم تتعب نفسك فقال راحتها اريد
فوائد الفوائد/ ابن القيم/ علي حسن/486

طارق دامي المغربي 11-06-2011 02:13 PM

رأيت الناس يوم العيد،
فشبهت الحال بالقيامة:
فإنهم لما انتبهوا من نومهم، خرجوا إلى عيدهم كخروج الموتى من قبورهم إلى حشرهم.
فمنهم من زينته الغاية، ومركبة النهاية
ومنهم المتوسط
ومنهم المرذول
وعلى هذا أحوال الناس يوم القيامة
قال تعالى: { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا } ، أي: ركبانًا
{ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا } [مريم]، أي: عطاشًا
وقال عليه الصلاة والسلام: "يحشرون ركبانًا ومشاة وعلى وجوههم"
ومن الناس من يداس في زحمة العيد, وكذلك الظلمة، يطؤهم الناس بأقدامهم في القيامة.
ومن الناس يوم العيد الغني المتصدق، كذلك يوم القيامة أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة.
ومنهم الفقير السائل، الذي يطلب أن يعطى، كذلك يوم الجزاء: "أعددت شفاعتي لأهل الكبائر"
ومنهم من لا يعطف عليه: { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ، وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ } [الشعراء].
والأعلام منشورة في العيد، كذلك أعلام المتقين في القيامة
والبوق يضرب، كذلك يخبر بحال العبد، فيقال: يا أهل الموقف! إن فلانًا قد سعد سعادة لا شقاوة بعدها، وإن فلانًا قد شقي شقاوة لا سعادة بعدها.
ثم يرجعون من العيد بالخواص إلى باب الحجرة يخبرون بامتثال الأوامر: { أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } [الواقعة: 11]
فيخرج التوقيع إليهم: { وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا } [الإنسان: 22].
ومن هو دونهم يختلف حاله
فمنهم من يرجع إلى بيت عامر { بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ } [الحاقة: 24]
ومنهم متوسط،
ومنهم من يعود إلى بيت فقر.
فاعتبروا يا أولي الألباب.

صيد الخاطر

طارق دامي المغربي 11-06-2011 02:26 PM

يا قوم!
قد علمتم أن الأعمال بالنيات، وقد فهمتم قوله تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِص} [الزمر: 3]
وقد سمعتم عن السلف أنهم كانوا لا يعملون، ولا يقولون حتى تتقدم النية وتصح.
أيذهب زمانكم يا فقهاء في الجدل والصياح
وترتفع أصواتكم عند اجتماع العوام تقصدون المغالبة؟!
أوما سمعتم: "من طلب العلم ليباهي به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه؛ لم يرح رائحة الجنة"
ثم يقدم أحدكم على الفتوى، وليس من أهلها، وقد كان السلف يتدافعونها.
ويا معشر المتزهدين!
إنه يعلم السر وأخفى!
أتظهرون الفقر في لباسكم، وأنتم تستوفون شهوات النفوس
وتظهرون التخاشع والبكاء في الجلوات دون الخلوات؟!
كان ابن سيرين يضحك ويقهقه، فإذا خلا؛ بكى أكثر الليل،
وقال سفيان لصاحبه: ما أوقحك! تصلي والناس يرونك؟!
آهٍ للمرائي من يوم: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُور} [العاديات: 10]، وهي النيات!
فأفيقوا من سكركم،
وتوبوا من زللكم،
واستقيموا على الجادة: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 56].
صيد الخاطر

طارق دامي المغربي 11-07-2011 08:46 PM

أيها الناس
قد آن للنائم أن يستيقظ من نومه
و حان للغافل أن يتنبه من غفلته قبل هجوم الموت بمرارة كأسه
و قبل سكون حركاته ، و خمود أنفاسه ، و رحلته إلى قبره ، و مقامه بين أرماسه .
فمثل نفسك يا مغرور و قد حلت بك السكرات
و نزل بك الأنين و الغمرات
فمن قائل يقول : إن فلاناً قد أوصى و ماله قد احصى
و من قائل يقول : إن فلاناً ثقل لسانه ، فلا يعرف جيرانه ، و لا يكلم إخوانه
فكأني أنظر إليك تسمع الخطاب ، و لا تقدر على رد الجواب
ثم تبكي ابنتك و هي كالأسيرة ، و تتضرع و تقول :
حبيبي أبي من ليُتْمي من بعدك ؟
و من لحاجتي ؟
و أنت و الله تسمع الكلام و لا تقدر على رد الجواب و أنشدوا :
و أقبلت الصغرى تمرغ خدها ===على وجنتي حيناً و حيناً على صدري
و تخمش خديها و تبكي بحرقة=== تنادي : أبي إني غلبت على الصبر
حبيبي أبي من لليتامى تركتهم=== كأفراخ زغب في بعيد من الوكر ؟
فخيل لنفسك يا ابن آدم إذا أخذت من فراشك ، إلى لوح مغتسلك
فغسلك الغاسل
و ألبست الأكفان
و أوحش منك الأهل و الجيران
و بكت عليك الأصحاب و الإخوان
و قال الغاسل أين زوجة فلان ؟
و أين اليتامى ترككم أبوكم فما ترونه بعد هذا اليوم أبداً ؟
و أنشدوا :
ألا أيها المغرور ما لك تلعب== تؤمل آمالاً و موتك أقرب
و تعلم أن الحرص بحر مبعد=== سفينته الدنيا فإياك تعطب
و تعلم أن الموت ينقض مسرعاً ==عليك يقينا طعمه ليس يعذب
كأنك توصي و اليتامى تراهم ==و أمهم الثكلى تنوح و تندب
تغص بحزن ثم تلطم وجهها=== يراها رجال بعد ما هي تحجب
و أقبل بالأكفان نحوك قاصد=== و حثى عليك الترب و العين تسكب
التكرة / القرطبي/ بتصرف

طارق دامي المغربي 11-08-2011 03:26 PM

اعلم أيها المغرور
أن الموت هو الخطب الأفظع ، و الأمر الأشنع
و الكأس التي طعمها أكره و أبشع
و أنه الحارث الأهذم للذات و الأقطع للراحات ، و الأجلب للكريهات
فإن أمراً يقطع أوصالك ، و يفرق أعضاءك ، و يهدم أركانك ، لهو الأمر العظيم ، و الخطب الجسيم ، و إن يومه لهو اليوم العظيم .
و يحكى أن الرشيد لما اشتد مرضه أحضر طبيباً طوسياً فارسياً ,و أمر أن يعرض عليه ماؤه -أي بوله -مع مياه كثيرة لمرضى و أصحاء ، فجعل يستعرض القوارير حتى رأى قارورة الرشيد فقال : قولوا : لصاحب هذا الماء يوصي . فإنه قد انحلت قواه ، و تداعت بنيته ، و لما استعرض باقي المياه أقيم فذهب ، فيئس الرشيد من نفسه و أنشد :
إن الطيب بطبه و دوائه ===لا يستطيع دفاع نحب قد أتى
ما للطبيب يموت بالداء الذي ===قد كان أبرأ مثله فيما مضى
مات المداوي ، و المداوى ، و الذي=== جلب الدواء أو باعه ، و من اشترى
و بلغه أن الناس أرجفوا بموته . فاستدعى حماراً و أمر أن يحمل عليه فاسترحت فخذاه . فقال : أنزلوني صدق المرجفون
و دعا بأكفان فتخير منها ما أعجبه و أمر فشق له قبر أمام فراشه ثم اطلع فيه فقال :
(ما أغنى عني مالية هلك عني سلطانية ).
فمات من ليلته
فما ظنك ـ رحمك الله ـ بنازل ينزل بك فيذهب رونقك و بهاك و يغير منظرك و رؤياك
و يمحو صورتك و جمالك ، و يمنع من اجتماعك و اتصالك
و يردك بعد النعمة و النضرة ، و السطوة و القدرة ، و النخوة و العزة ، إلى حالة يبارد فيها أحب الناس إليك ، و أرحمهم بك ، و أعطفهم عليك ، فيقذفك في حفرة من الأرض
قريبة أنحاؤها مظلمة أرجاؤها ، محكم عليك حجرها و صيدانها
فتحكم فيك هوامها و ديدانها
ثم بعد ذلك تمكن منك الإعدام و تختلط بالرغام ، و تصير تراباً توطأ بالأقدام
و ربما ضرب منك الإناء فخار ، أو أحكم بك بناء جدار ، أو طلي بك حش ماء ، أو موقد نار .
كما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أتي بإناء ماء ليشرب منه فأخذه بيده و نظر إليه و قال :
الله أعلم كم فيك من عين كحيل ، و خذ أسيل .
التذكرة / القرطبي

طارق دامي المغربي 11-09-2011 10:18 AM

عباد الله
اعلموا أَنَّ الذُّنُوبَ وَالْمَعَاصِيَ تَضُرُّ ، وَلَا بُدَّ
و أَنَّ ضَرَرَهَا فِي الْقَلْبِ كَضَرَرِ السُّمُومِ فِي الْأَبْدَانِ عَلَى اخْتِلَافِ دَرَجَاتِهَا فِي الضَّرَرِ
وَهَلْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ شَرٌّ وَدَاءٌ إِلَّا سَبَبُهُ الذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي
فَمَا الَّذِي أَخْرَجَ الْأَبَوَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ ، دَارِ اللَّذَّةِ وَالنَّعِيمِ وَالْبَهْجَةِ وَالسُّرُورِ إِلَى دَارِ الْآلَامِ وَالْأَحْزَانِ وَالْمَصَائِبِ ؟
وَمَا الَّذِي أَخْرَجَ إِبْلِيسَ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَاءِ وَطَرَدَهُ وَلَعَنَهُ ، وَمَسَخَ ظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ فَجَعَلَ صُورَتَهُ أَقْبَحَ صُورَةٍ وَأَشْنَعَهَا ، وَبَاطِنَهُ أَقْبَحَ مِنْ صُورَتِهِ وَأَشْنَعَ
وَبُدِّلَ بِالْقُرْبِ بُعْدًا ، وَبِالرَّحْمَةِ لَعْنَةً ، وَبِالْجَمَالِ قُبْحًا ، وَبِالْجَنَّةِ نَارًا تَلَظَّى ، وَبِالْإِيمَانِ كُفْرًا ، وَبِمُوَالَاةِ الْوَلِيِّ الْحَمِيدِ أَعْظَمَ عَدَاوَةٍ وَمُشَاقَّةٍ
وَبزَجَلِ التَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّهْلِيلِ زَجَلَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَالْكَذِبِ وَالزُّورِ وَالْفُحْشِ
وَبِلِبَاسِ الْإِيمَانِ لِبَاسَ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ
فَهَانَ عَلَى اللَّهِ غَايَةَ الْهَوَانِ ، وَسَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ غَايَةَ السُّقُوطِ ، وَحَلَّ عَلَيْهِ غَضَبُ الرَّبِّ تَعَالَى فَأَهْوَاهُ ، وَمَقَتَهُ أَكْبَرَ الْمَقْتِ فَأَرْدَاهُ
فَصَارَ قَوَّادًا لِكُلِّ فَاسِقٍ وَمُجْرِمٍ ، رَضِيَ لِنَفْسِهِ بِالْقِيَادَةِ بَعْدَ تِلْكَ الْعِبَادَةِ وَالسِّيَادَةِ
فَعِيَاذًا بِكَ اللَّهُمَّ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِكَ وَارْتِكَابِ نَهْيِكَ .
وَمَا الَّذِي أَغْرَقَ أَهْلَ الْأَرْضِ كُلَّهُمْ حَتَّى عَلَا الْمَاءُ فَوْقَ رَأْسِ الْجِبَالِ ؟
وَمَا الَّذِي سَلَّطَ الرِّيحَ الْعَقِيمَ عَلَى قَوْمِ عَادٍ حَتَّى أَلْقَتْهُمْ مَوْتَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٌ ، وَدَمَّرَتْ مَا مَرَّت عَلَيْهِ مِنْ دِيَارِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ وَزُرُوعِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ ، حَتَّى صَارُوا عِبْرَةً لِلْأُمَمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ؟
وَمَا الَّذِي أَرْسَلَ عَلَى قَوْمِ ثَمُودَ الصَّيْحَةَ حَتَّى قَطَعَتْ قُلُوبَهُمْ فِي أَجْوَافِهِمْ وَمَاتُوا عَنْ آخِرِهِمْ ؟
وَمَا الَّذِي رَفَعَ قُرَى اللُّوطِيَّةِ حَتَّى سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ نَبِيحَ كِلَابِهِمْ ، ثُمَّ قَلَبَهَا عَلَيْهِمْ ، فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا ، فَأَهْلَكَهُمْ جَمِيعًا ، ثُمَّ أَتْبَعَهُمْ حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَمْطَرَهَا عَلَيْهِمْ ، فَجَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا لَمْ يَجْمَعْهُ عَلَى أُمَّةٍ غَيْرِهِمْ ، وَلِإِخْوَانِهِمْ أَمْثَالُهَا ، وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ؟
وَمَا الَّذِي أَرْسَلَ عَلَى قَوْمِ شُعَيْبٍ سَحَابَ الْعَذَابِ كَالظُّلَلِ ، فَلَمَّا صَارَ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ أَمْطَرَ عَلَيْهِمْ نَارًا تَلَظَّى ؟
وَمَا الَّذِي أَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فِي الْبَحْرِ ، ثُمَّ نَقَلَتْ أَرْوَاحَهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ ، فَالْأَجْسَادُ لِلْغَرَقِ ، وَالْأَرْوَاحُ لِلْحَرْقِ ؟
وَمَا الَّذِي خَسَفَ بِقَارُونَ وَدَارِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ ؟
وَمَا الَّذِي أَهْلَكَ الْقُرُونَ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ ، وَدَمَّرَهَا تَدْمِيرًا ؟
وَمَا الَّذِي أَهْلَكَ قَوْمَ صَاحِبِ يس بِالصَّيْحَةِ حَتَّى خَمَدُوا عَنْ آخِرِهِمْ ؟
وَمَا الَّذِي بَعَثَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْمًا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ، وَقَتَلُوا الرِّجَالَ ، وَسَبُوا الذُّرِّيَّةَ وَالنِّسَاءَ ، وَأَحْرَقُوا الدِّيَارَ ، وَنَهَبُوا الْأَمْوَالَ ، ثُمَّ بَعَثَهُمْ عَلَيْهِمْ مَرَّةً ثَانِيَةً فَأَهْلَكُوا مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ وَتَبَّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ؟
وَمَا الَّذِي سَلَّطَ عَلَيْهِمْ أَنْوَاعَ الْعُقُوبَاتِ ، مَرَّةً بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَخَرَابِ الْبِلَادِ ، وَمَرَّةً بِجَوْرِ الْمُلُوكِ ، وَمَرَّةً بِمَسْخِهِمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ ، وَآخِرُ ذَلِكَ أَقْسَمَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ
[ سُورَةُ الْأَعْرَافِ : 167 ] .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عُمَرَ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :
لَمَّا فُتِحَتْ قُبْرُصُ فُرِّقَ بَيْنَ أَهْلِهَا ، فَبَكَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، فَرَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ جَالِسًا وَحْدَهُ يَبْكِي ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ مَا يُبْكِيكَ فِي يَوْمٍ أَعَزَّ اللَّهُ فِيهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ
فَقَالَ : وَيْحَكَ يَا جُبَيْرُ ، مَا أَهْوَنُ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَضَاعُوا أَمْرَهُ ، بَيْنَمَا هِيَ أُمَّةٌ قَاهِرَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُمُ الْمُلْكُ ، تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ فَصَارُوا إِلَى مَا تَرَى .
الداء و الدواء/ ابن القيم

طارق دامي المغربي 11-23-2011 01:23 PM

يا مغرورا بالأماني !!
أين الذي جمعته من الأموال ، و أعددته للشدائد و الأهوال ؟!
لقد أصبحت كفك منه عند الموت خالية صفراً ، و بدلت من بعد غناك و عزك ذلاً و فقراً
فكيف أصبحت يا رهين أوزاره و يا من سلب من أهله و دياره ؟
ما كان أخفى عليك سبيل الرشاد ، و أقل اهتمامك لحمل الزاد ، إلى سفرك البعيد ، و موقفك الصعب الشديد
أو ما علمت يا مغرور : أن لا بد من الارتحال ، إلى يوم شديد الأهوال ، و ليس ينفعك ثم قيل و لا قال
بل يعد عليك بين يدي الملك الديان ، ما بطشت اليدان ، و مشت القدمان و نطق به اللسان ، و عملت الجوارح و الأركان
فإن رحمك فإلى الجنان ، و إن كانت الأخرى فإلى النيران
يا غافلاً عن هذه الأحوال .
إلى كم هذه الغفلة و التوان ، أتحسب أن الأمر صغير . و تزعم أن الخطب يسير ؟
و تظن أن سينفعك حالك ، إذا آن ارتحالك ، أو ينقذك مالك ، حين توبقك أعمالك ، أو يغني عنك ندمك ، إذا زلت بك قدمك ، أو يعطف عليك معشرك ، حين يضمك محشرك
كلا و الله ساء ما تتوهم و لا بد لك أن ستعلم .
لا بالكفاف تقنع ، و لا من الحرام تشبع ، ولا للعظاة تستمع ، و لا بالوعيد ترتدع
دأبك أن تنقلب مع الأهواء ، و تخبط خبط العشواء
يعجبك التكاثر بما لديك ، و لا تذكر ما بين يديك
يا نائماً في غفلة و في خبطة يقظان ، إلى كم هذه الغفلة و التوان
أتزعم أن ستترك سدى ، و أن لا تحاسب غداً ، أم تحسب أن الموت يقبل الرشا ، أم تميز بين الأسد و الرشا
كلا و الله لن يدفع عنك الموت مال ولا بنون
و لا ينفع أهل القبور إلا العمل المبرور
فطوبى لمن سمع و وعى ، و حقق ما ادعى ، و نهى النفس عن الهوى ، و علم أن الفائز من ارعوى ، و أن ليس للإنسان إلا ما سعى و أن سعيه سوف يرى
فانتبه من هذه الرقدة ، و اجعل العمل الصالح لك عدة
و لا تتمن منازل الأبرار ، و أنت مقيم على الأوزار ,عامل بعمل الفجار
، بل أكثر من الأعمال الصالحات ، و راقب الله في الخلوات . رب الأرض و السموات
ولا يغرنك الأمل ، فتزهد عن العمل
أو ماسمعت الرسول حيث يقول ، لما جلس على القبور : يا إخواني ، لمثل هذا فأعدوا ، أو ما سمعت الذي خلقك فسواك ، يقول :
( وتزودوا ، فإن خير الزاد التقوى )
و أنشدوا :
تزود من معاشك للمعاد ==و قم لله و اعمل خير زاد
و لا تجمع من الدنيا كثيراً ==فإن المال يجمع للنفاد
أترضى أن تكون رفيق قوم ==لهم زاد وأنت بغير زاد ؟
و قال آخر :
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ==و لاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله ==و أنك لم ترصد كما كان أرصدا
و قال آخر :
الموت بحر طافح موجه ==تذهب فيه حيلة السابح
يانفس إني قائل فاسمعي== مقالة من مشفق ناصح
لا ينفع الإنسان في قبره ==غير التقى و العمل الصالح
و قال آخر :
أسلمني الأهل ببطن الثرى== و انصرفوا عني فيا وحشتا
و غادروني معدماً يائساً== ما بيدي اليوم إلا البكا
و كل ما كان كأن لم يكن ==و كل ما حذرته قد أتى
و ذاكم المجموع و المقتنى== قد صار في كفي مثل الهبا
و لم أجد لي مؤنساً ها هنا== غير فجور موبق أو نقا
فلو تراني و ترى حالتي ==بكيت لي يا صاح مما ترى
و قال آخر :
و لدتك إذ ولدتك أمك باكياً ==و القوم حولك يضحكون سروراً
فاعمل ليوم أن تكون إذا بكوا ==في يوم موتك ضاحكاً مسروراً
التذكرة / القرطبي

طارق دامي المغربي 12-09-2011 10:09 AM

يا ابن آدم
توهم نفسك إذا تطايرت الكتب و نصبت الموازين
و قد نوديت باسمك على رؤوس الخلائق
أين فلان ابن فلان هلم إلى العرض على الله تعالى و قد وكلت الملائكة بأخذك فقربتك إلى الله لا يمنعها اشتباه الأسماء باسمك و اسم أبيك إذ عرفت أنك المراد بالدعاء إذ قرع النداء قلبك ،
فعلمت أنك المطلوب ، فارتعدت فرائصك ، و اضطربت جوارحك ، و تغير لونك ، و طار قلبك .
تحظى بك الصفوف إلى ربك للعرض عليه و الوقوف بين يديه ، و قد رفع الخلائق إليك أبصارهم و أنت في أيديهم
و قد طار قلبك و اشتد رعبك لعلمك أين يراد بك .
فتوهم نفسك و أنت بين يدي ربك في يدك صحيفة مخبرة بعملك لا تغادر بلية كتمتها و لا مخبأة أسررتها
و أنت تقرأ ما فيها بلسان كليل و قلب منكسر و الأهوال محدقة بك من بين يديك و من خلفك
فكم من بلية قد كنت نسيتها ذكرتها ، و كم من سيئة قد كنت أخفيتها قد أظهرها و أبداها ،
و كم من عمل ظننت أنه سلم لك و خلص فرده عليك في ذلك الموقف و أحبطه بعد أن كان أملك فيه عظيماً
فيا حسرة قلبك و يا أسفك على ما فرطت فيه من طاعة ربك
فأما من أوتي كتابه بيمينه فعلم أنه من أهل الجنة فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه و ذلك حين يأذن الله فيقرأ كتابه .
فإذا كان الرجل رأساً في الخير يدعوا إليه و يأمر به و يكثر تبعه عليه دعي باسمه و اسم أبيه فيتقدم
حتى إذا دنا أخرج له كتاب أبيض بخط أبيض في باطنه السيئات و في ظاهره الحسنات ، فيبدأ بالسيئات فيقرؤها فيشفق و يصفر وجهه و يتغير لونه
فإذا بلغ آخر الكتاب و جد فيه هذه سيئاتك و قد غفرت لك
فيفرح عند ذلك فرحاً شديداً ، ثم يقلب كتابه فيقرأ حسناته فلا يزداد إلا فرحاً
حتى إذا بلغ آخر الكتاب و جد فيه هذه حسناتك قد ضوعفت لك فيبيض و جهه
و يؤتى بتاج فيوضع على رأسه و يكسى حلتين و يحلى كل مفصل فيه و يطول ستين ذراعاً و هي قامة آدم
و يقال له : انطلق إلى أصحابك فبشرهم و أخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا فإذا أدبر قال:
(هاؤم اقرؤوا كتابيه * إني ظننت أني ملاق حسابيه )
قال الله تعالى :
(فهو في عيشة راضية ) :أي مرضية قد رضيها (في جنة عالية): في السماء (قطوفها ):ثمارها و عناقيدها دانية أدنيت منهم فيقول لأصحابه هل تعرفونني ؟
فيقولون قد غمرتك كرامة الله من أنت فيقول أنا فلان ابن فلان ليبشر كل رجل منكم بمثل هذا
( كلوا و اشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية ):أي قدمتم في أيام الدنيا .
و إذا كان الرجل رأساً في الشر يدعو إليه و يأمره به فيكثر تبعه عليه و نودي باسمه و اسم أبيه ،
فيتقدم إلى حسابه فيخرج له كتاب أسود بخط أسود في باطنه الحسنات و في ظاهره السيئات ، فيبدأ بالحسنات فيقرؤها و يظن أنه سينجو ،
فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه : هذه حسناتك و قد ردت عليك ، فيسود وجهه و يعلوه الحزن و يقنط من الخير ثم يقلب كتابه فيقرأ سيئاته فلا يزداد إلا حزناً و لا يزداد و جهه إلا سوداً
فإذا بلغ آخر الكتاب و جد فيه : هذه سيئاتك و قد ضوعفت عليك أي يضاعف عليه العذاب ليس المعنى أنه يزاد عليه ما لم يعمل .
قال : فينظر إلى النار و تزرق عيناه و يسود و جهه و يكسى سرابيل القطران ، و يقال له : انطلق إلى أصحابك فأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا فينطلق و هو يقول :
(يا ليتني لم أوت كتابيه * و لم أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية ) :يعني الموت
(هلك عني سلطانيه): تفسير ابن عباس رضي الله عنهما هلكت عني حجتي .
قال تعالى :(خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه ):أي اجعلوه يصلى الجحيم
(ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه ):و الله أعلم بأي ذراع . قال الحسن و قال ابن عباس رضي الله عنهما : سبعون ذراعاً بذراع الملك .
التذكرة / القرطبي


الساعة الآن 08:55 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.