{منتديات كل السلفيين}

{منتديات كل السلفيين} (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/index.php)
-   منبر الحديث وعلومه (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   نزول قبر المرأة لرجلٍ لم يقارف ؟! (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=31825)

أبو محمد رشيد الجزائري 10-11-2011 05:14 PM

نزول قبر المرأة لرجلٍ لم يقارف ؟!
 
ماهي العلة في نزول القبر رجلٌ لم يقارف الليلة ؟!.


عن أنس قال : " شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تدفن ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر ، فرأيت عينيه تدمعان ، فقال : هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة ؟ فقال أبو طلحة : أنا . قال : فانزل في قبرها ، فنزل في قبرها ". رواه البخاري .

هذا الحديث مشكل ، وقد اختلف العلماء في تفسيره ، وسأجمع أقوال العلماء فيه ، فلنشارك جميعا

ولنبدأ بمشاركة الأخ السكران التميمي حيث إني أراها نافعة كانطلاقة في بحث هذا الموضوع الهام :


بسم الله الرحمن الرحيم


وبه تعالى نستعين


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، ثم أما بعد..

في الحقيقة قد أعجبني الموضوع ولم أكن رأيته قبل الآن، فأحببت أن أخوض معكم بما فتح الله سبحانه وتعالى من تقريرات وتوضيحات في بيان المعنى أو المراد أو الغاية مما حصل في الحديث، فأقول وبالله التوفيق:

سيكون الكلام هنا من خلال محورين:

(المحور الأول): من هي البنت المدفونة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!


في البداية لتعلم رحمني الله تعالى وإياك أن الرواة اختلفوا في تحديد من هي ابنته صلى الله عليه وآله وسلم المدفونة في تلك الحادثة؛ وذلك على ثلاث أقوال:
1) أنها رقية.
2) أنها زينب.
3) أنها أم كلثوم.

فممن روى أنها (رقية) حماد بن سلمة رحمه الله، حيث روي ذلك عنه عند:
_ الحاكم في (المستدرك برقم 6852) حيث قال:
حدثنا محمد بن صالح، ثنا الحسين بن الفضل، ثنا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه، قال: لما ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل القبر رجل قارف أهله الليلة" فلم يدخل عثمان القبر. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

_ ابن حزم في (المحلى ج5/ص145) قال:
حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي، ثنا ابن مفرج، ثنا محمد بن أيوب الصموت، ثنا أحمد بن عمرو البزار، ثنا محمد بن معمر، ثنا روح بن أسلم، أنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما ماتت رقية ابنته رضي الله عنها: "لا يدخل القبر رجل قارف الليلة" فلم يدخل عثمان.

_ الإمام أحمد في (المسند ج3/ص229) قال:
حدثنا يونس، ثنا حماد يعني بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن رقية رضي الله عنها لما ماتت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل القبر رجل قارف أهله" فلم يدخل عثمان بن عفان رضي الله عنه القبر.
_ أيضا الإمام أحمد في (المسند ج3/ص270) قال:
حدثنا عفان، ثنا حماد، ثنا ثابت، عن أنس: أن رقية لما ماتت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل القبر رجل قارف أهله الليلة".

_ الإمام البخاري في (التاريخ الوسط ج1/ص18) قال:
حدثني عبد الله المسندي، ثنا عفير، ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس قال: لما ماتت رقية قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل القبر رجل قارف أهله الليلة" فلم يدخل عثمان القبر.

_ الفسوي في (المعرفة والتاريخ ج3/ص225) قال:
حدثني محفوظ بن أبي توبة، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس قال: لما ماتت رقية بنت رسول الله قال رسول الله: "لا يدخلن القبر أحد قارف أهله البارحة" قال: فتنحى عثمان بن عفان.

_ ابن بشكوال في (غوامض الأسماء المبهمة ج1/ص150) قال:
أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد التجيبي، قال: قرأت على أبي حسين بن محمد الغساني (ح) وأخبرنا أبو الحسن بن مغيث، قالا: أنا أبو عمر أحمد بن محمد القاضي، قال: ثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: ثنا قاسم بن أصبغ، قال: ثنا أحمد ابن زهير، قال: ثنا أبو سلمة الخزاعي، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: لما ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل القبر رجل قارف أهله" فلم يدخل عثمان.
وأخبرني أبو بحر الأسدي فيما أجاز لي تجاوز الله عنه، عن أبي العباس العذري، قال: ثنا أبو ذر عبد بن أحمد، قال: ثنا زاهر بن أحمد، قال: ثنا أبو محمد زنجويه بن محمد، قال: ثنا محمد بن إسماعيل البخاري، قال: ثنا عبد الله ابن محمد المسندي، قال: ثنا عفان، قال: ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس قال: لما ماتت رقية قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل القبر رجل قارف أهله يعني الليلة" فلم يدخل عثمان القبر.

أقول: وكل هذه الروايات خطأ، وهم فيها حماد بن سلمة رحمه الله تعالى، وبيان ذلك يتجلى فيما يلي:
قال الإمام البخاري بعد أن ساق هذا الحديث بهذه الرواية: (لا أدري ما هذا فإن رقية ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر لم يشهدها).
قال الحافظ ابن حجر: (قلت: وهم حماد في تسميتها فقط).
قال الحافظ ابن عبد البر: (وهذا الحديث خطأ من حماد بن سلمة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشهد دفن رقية ابنته، ولا كان ذلك القول منه في رقية، وإنما كان ذلك القول منه في أم كلثوم.
وروى ابن المبارك وابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: تخلف عثمان عن بدر على امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد أصابتها الحصبة فماتت، وجاء يزيد بن حارثة بشيرا بوقعة بدر وعثمان على قبر رقية.
قال أبو عمر: لا خلاف بين أهل السير أن عثمان بن عفان إنما تخلف عن بدر على امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه ضرب له بسهمه وأجره، وكانت بدر في رمضان من السنة الثانية من الهجرة).

فبان بهذا يقينا أنها ليست (رقية) رضي الله عنها، ومن قال ذلك فهو غير صحيح قد أخطأ، كما أشار إلى ذلك الأئمة الكبار.

وممن روى أنها (زينب) ابن بشكوال في (غوامض الأسماء ج1/ص151) قال:
(ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوفاة رحمها الله اختلف فيها؛ فقيل: هي زينب، وقيل: إنها رقية، وقيل: أم كلثوم. والأول أصح إن شاء الله.
والحجة لما صححناه ما أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أنا أبي رحمه الله، قال: ثنا خلف بن يحيى، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، عن محمد بن وضاح، عن أبي بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا شريح بن النعمان، قال: ثنا فليح، عن هلال بن علي، عن أنس، قال: شهدنا جنازة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان فقال: "هل فيكم من لم يقارف الليلة يعني ذنبا" قال: قال أبو طلحة: أنا. قال: "انزل" فنزل في قبرها.

قلت: ولم أر من رواية مسندة لهذا الحديث من هذا الطريق وهو طريق ابن أبي شيبة إلا هذا عند ابن بشكوال فقط والتي أتى التصريح فيها تعيينا باسم البنت وأنها (زينب).
ثم لتعلم أيضا أني لم أر في الطريق الآخر لهذا الحديث من رواية فليح تصريحا بتعيين اسم بنت من بناته صلى الله عليه وسلم، بل كل روايات الحديث من هذا الطريق الآخر فيها الكلام هكذا: (بنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم) على البناء للمجهول بدون تعيين أو تحديد. فتأمل
إلا ما فسره به أهل العلم فقط من أنها أم كلثوم بنته رضي الله عنها.
وإن كنت أرى قوة هذا القول؛ لأنها زيادة ثقة مقبولة في مقابل إبهام الروايات الأخرى، لاحتمال أن تكون المبهمة هي رضي الله عنها.
ولكن يشكل على هذا القول أنه في بعض الطرق أن عثمان رضي الله عنه كان معهم وأنه زوجها، وليست (زينب) رضي الله عنها زوجة له.
وبالنسبة لكونها (زينب) والله تعالى أعلم، فقد تتبعت روايات أخبار وفاتها ودفنها فلم أظفر بتفصيل يبين أو يجلي الأمر، فقط أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المغسلات بغسلها ثلاثا وتكفينها، أما كيفية قبرها ومن تولّاها فلم أجد. على أنه بعض أهل العلم قال أنها (أم كلثوم) أيضا. فالله أعلم

وممن روى أنها (أم كلثوم) ففي الواقع لم أجد إلا الرواية المبهمة لها فقط، سوى بعض تقريرات أهل العلم في تعيينها، فممن رواها على الإبهام:
_ الإمام البخاري في (الصحيح ج1/ص432) قال:
حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو عامر، حدثنا فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: شهدنا بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، قال: فرأيت عينيه تدمعان، قال: فقال: "هل منكم رجل لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة: أنا. قال: "فانزل" قال: فنزل في قبرها.
_ أيضا البخاري في (الصحيح ج1/ص450) قال:
حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فليح بن سليمان، حدثنا هلال بن علي، عن أنس رضي الله عنه، قال: شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة: أنا. قال: "فانزل في قبرها" فنزل في قبرها فقبرها.
_أيضا البخاري في (التاريخ الأوسط ج1/ص18) قال:
حدثني محمد بن سنان، ثنا فليح بن سليمان، ثنا هلال بن علي، عن أنس: شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة"؟ قال أبو طلحة: أنا. قال: "انزل في قبرها" فنزل في قبرها.

_ الإمام ابن حزم في (المحلى ج5/ص145) قال:
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد، قال: ثنا إبراهيم بن أحمد، ثنا الفربري، ثنا البخاري، ثنا عبد الله بن محمد هو المسندي، ثنا أبو عامر هو العقدي، ثنا فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل منكم رجل لما يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة: أنا. قال: "فانزل" فنزل في قبرها.

_ الفسوي في (المعرفة والتاريخ ج3/ص225) قال:
حدثنا عبد الله بن عثمان، قال: أخبرنا عبد الله، قال: ثنا فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا بنتا لرسول الله؛ ورسول الله جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل فيكم من رجل لم يقارف الليلة"؟ قال أبو ذر وأبو طلحة؛ قال عبد الله: حفظي أبو طلحة: أنا يا رسول الله. قال: "فانزل في قبرها".

_ الحاكم في (المستدرك ج4/ص52) قال:
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبد الله المنادي، ثنا يونس بن محمد، ثنا فليح، عن هلال بن علي بن أسامة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: شهدت دفن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس على القبر، ورأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل منكم رجل لم يقارف الليلة أهله"؟ فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله. قال: "فانزل في قبرها". هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

_ الإمام البيهقي في (الكبرى ج4/ص53) قال:
أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أنبأ أبو حامد بن بلال البزاز، ثنا أبو الأزهر، ثنا يونس بن محمد، ثنا فليح، عن هلال بن علي بن أسامة. (ح) وأنبأ أبو عبد الله الحافظ، أنبأ أبو محمد عبد الله بن محمد بن موسى، ثنا محمد بن أيوب، أنبأ محمد بن سنان، ثنا فليح، أنبأ هلال، عن أنس، قال: شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل منكم من أحد لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة رضي الله عنه: أنا. قال: "فأنزل في قبرها" فنزل في قبرها. وقال يونس: "هل منكم من رجل".
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أنبأ الحسن بن حليم المروزي، أنبأ أبو الموجه، أنبأ عبدان، أنبأ عبد الله، أنبأ فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل فيكم من رجل لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة أو أبو ذر: أنا يا رسول الله. قال: "فأنزل في قبرها".

_ الإمام أحمد في (المسند ج3/ص126) قال:
حدثنا أبو عامر، ثنا فليح، عن هلال بن علي، عن أنس، قال: شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل فيكم رجل لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة: نعم أنا. قال: "فانزل" قال: فنزل في قبرها.
_ أيضا الإمام أحمد في (المسند ج3/ص228) قال:
حدثنا يونس وسريج، قالا: ثنا فليح، عن هلال بن علي بن أسامة، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، ثم قال: "هل منكم من رجل لم يقارف الليلة" فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله. قال: "فانزل" قال: فنزل في قبرها.

_ الترمذي في (الشمائل ص268) قال:
حدثنا إسحاق بن منصور، أنا أبو عامر، ثنا فليح وهو ابن سليمان، عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ورسول الله جالس على القبر، فرأيت عيينة تدمعان، فقال: "أفيكم لم يقارف الليلة"؟ قال أبو طلحة: أنا. قال: "انزل" فنزل في قبرها.

_ الخطيب في (تاريخ بغداد ج12/ص436) قال:
أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل المتوثي، أخبرنا احمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان، حدثنا القاسم بن نصر البزاز دوست، حدثنا سريج بن النعمان، حدثنا فليح، عن هلال بن على، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل منكم من أحد لم يقارف الليلة"؟ قال أبو طلحة: أنا. قال: "انزل" فنزل في قبرها.

_ ابن بشكوال في (غوامض الأسماء ج1/ص150) قال:
أخبرنا أبو محمد وأبو الوليد قراءة عليهما وأنا أسمع، قالا: ثنا حاتم بن محمد، ثنا علي بن محمد، ثنا أبو زيد، ثنا محمد بن يوسف، ثنا محمد بن إسماعيل، قال: ثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، قال: فرأيت عينيه تدمعان، قال: فقال: "هل فيكم رجل لم يقارف الليلة"؟ قال أبو طلحة: أنا. قال: "فانزل" فنزل في قبرها.

_ الطيالسي في (المسند برقم 2116) قال:
حدثنا فليح بن سليمان، قال: حدثني جدي هلال بن علي، عن أنس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على شفير قبر ابنته وهي تدفن، فرأيت عينيه تدمعان، وانزل أبا طلحة في قبرها.

قلت: فهذه جميع الروايات التي عثرت عليها من هذه الطريق وليس في واحدة منها تعيين من هي ابنته صلى الله عليه وآله وسلم المدفونة. وإن كان في الواقع قد فاتني غيرها فلكن ليس في واحد منها تعيين. فتأمل
وممن عينها بأنها (أم كلثوم) من الأئمة والعلماء ما يلي:
· قال أبو المحاسن الحنفي في (معتصر المختصر): هي أم كلثوم توفيت في سنة تسع من الهجرة.
· وقال ابن حجر في (مقدمة الصحيح): وقال الطبراني: هي أم كلثوم. وصححه ابن عبد البر.

قلت: ومن ذكر أنها (أم كلثوم ) رضي الله عنها مستندا على ما جاء عند ابن سعد والدولابي والواقدي فقد أبعد وأغرب، إذ أنه عند هؤلاء قد أتت القصة مضطربة متداخلة مع قصة دفن (إبراهيم) بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فقد أتى عند الدولابي في (الذرية الطاهرة ص60) قال:
حدثني أبو أسامة بن زيد الليثي، عن محمد بن عبد الرحمن بن زرارة، قال: صلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلس على حفرتها علي والفضل وأسامة بن زيد.
وقال أنس بن مالك رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على قبرها، فرأيت عينيه تدمعان فقال: "منكم أحد لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله. قال: "أنزل". حدثنا بذلك فليح بن سليمان، عن هلال بن أسامة، عن أنس.

وأتى عند ابن سعد في (الطبقات الكبرى ج8/ص38) قال:
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني فليح بن سليمان، عن هلال بن أسامة، عن أنس بن مالك قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم جالسا على قبرها، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "فيكم أحد لم يقارف الليل"؟ فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله. قال: "انزل".
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني أسامة بن زيد الليثي، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلس على حفرتها، ونزل في حفرتها علي بن أبي طالب والفضل بن عباس وأسامة بن زيد.

وأتى عند الواقدي كما في (سير أعلام النبلاء ج2/ص253) قال الذهبي:
قال الواقدي: حدثنا فليح، عن هلال بن أسامة، عن أنس: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم جالسا على قبرها يعني أم كلثوم وعيناه تدمعان، فقال: "فيكم أحد لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة: أنا. قال: "انزل".
قال ابن حجر في (الإصابة ج8/ص289): وقال الواقدي بسند له: نزل في حفرتها علي والفضل وأسامة بن زيد.
قلت: وهذا منهم وهم رحمهم الله، فبعد أن رووا الحديث بالطريق المعروف المشهور أدخلوا معه قصة دفن (إبراهيم) على أنه من قصتها رضي الله عنها. فأخذ عنهم بعض العلماء التحديد من هذا الوجه، وهو غير صحيح.
وهو وإن كان بعض العلماء قد حددها وعينها بأنها (أم كلثوم) رضي الله عنها إلا أنه ليس استنادا على هذا الوهم، بل على روايات أخرى غير هذه، منها ما رواه ابن سعد نفسه في (الطبقات) عند ترجمتها حيث قال: نزل في حفرتها أبو طلحة.

وقال ابن عبد البر في (الاستيعاب ج4/ص1841):
وقد روى حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: لما ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل القبر رجل قارف أهله" فلم يدخل عثمان.
ذكر البخاري قال: حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فليح بن عثمان، حدثنا هلال بن علي، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا دفن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل منكم من أحد لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة: أنا. فقال: "انزل في قبرها" فنزل في قبرها. وهذا هو الصحيح من حديث أنس لا قول من ذكر فيه (رقية)، ولفظ حديث حماد بن سلمة أيضا في ذلك منكر مع ما فيه من الوهم في ذكر (رقية).

قال ابن بشكوال في (غوامض الأسماء المبهمة ج1/ص150):
وذكر البخاري أيضا قال: ثنا محمد بن سنان، قال: ثنا فليح بن سليمان، قال: ثنا هلال بن علي، عن أنس بن مالك، قال: شهدنا دفن أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: "هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة"؟ فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله. فنزل في قبرها.
قلت: وقد تتبعت روايات البخاري في الصحيح وغيره، فلم أجد هذه الرواية التي فيها التعيين للاسم.

أقول: ولعل أنها (أم كلثوم) هو الصحيح والصواب. والله تعالى أعلم.


(المحور الثاني): في معنى المراد من قوله: "قارف".

في الواقع تباينت آراء العلماء حول المراد من معنى هذه اللفظة، وقد تضافر لكل فريق أدلته التي استند عليها في حكمه، وذلك على النحو الآتي:
· قال الحافظ ابن حجر في (الأمالي المطلقة ص139):
وقوله: "مقراف" بوزن مفعال، من القرف وهو الكسب وزنا ومعنى، وأكثر ما يستعمل في السيئ، وقد يطلق في الحسن، ومنه قوله تعالى: {ومن يقترف حسنة}، ويطلق الاقتراف أيضا على المجامعة، وهو أحد التأويلين في قوله: "لم يقارف الليلة".
· وقال في (مقدمة فتح الباري ج1/ص172):
قوله: "اقترفت ذنبا" أي: اكتسبت، وقارفت ذنبا أي: خالطت، ومنه: "من لم يقارف الليلة" أي: يكتسب، وقيل: المراد هنا الجماع.

· وقال القاضي عياض في (مشارق الأنوار ج2/ص180):
قوله: "منكم من لم يقارف الليلة" قيل: يعني يكتسب الذنب؛ وجاء في نسخة الأصيلي نحوه عن فليح. ويقال: القرف الذنب والجرم، والقرف أيضا رميك غيرك بذلك. وقيل: معناه جامع؛ وقد جاء في الرواية الأخرى: "لم يقارف أهله" وأنكر هذا الطحاوي هنا؛ وقال: معناه قاول. قال غيره: لأنهم كانوا يكرهون الحديث بعد العشاء ويحبون النوم بعدها على كفارتها لما تقدم، وجاء النهي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "أن تكون أمك قارفت بعض ما قارف نساء الجاهلية" يريد اكتسبت وعملت، وأراد به الزنا. وقوله في حديث الإفك: "إن كنت قارفت سوءا فتوبي منه".

· قال ابن الأثير في (النهاية في غريب الأثر ج4/ص45) في بيان إطلاقات اللفظة:
(قرف) فيه: رجل قرف على نفسه ذنوبا؛ أي: كسبها، يقال: قرف الذنب واقترفه إذا عمله، وقارف الذنب وغيره إذا داناه ولاصقه، وقرفه بكذا أي أضافه إليه واتهمه به، وقارف امرأته إذا جامعها، ومنه حديث عائشة أنه كان يصبح جنبا من قراف غير احتلام ثم يصوم، أي من جماع، ومنه الحديث في دفن أم كلثوم من كان منكم لم يقارف أهله الليلة فليدخل قبرها.
ومنه حديث عبد الله بن حذافة قالت له أمه: أمنت أن تكون أمك قارفت بعض ما يقارف أهل الجاهلية؟! أرادت الزنا.
ومنه حديث الإفك: "إن كنت قارفت ذنبا فتوبي إلى الله" وكل هذا مرجعه إلى المقاربة والمداناة.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأخذ بالقرف؛ أي التهمة، والجمع القراف.
ومنه حديث علي: أو لم ينه أمية علمها بي عن قرافي. أي: عن تهمتي بالمشاركة في دم عثمان.
وفيه: أنه ركب فرسا لأبي طلحة مقرفا، المقرف من الخيل الهجين، وهو الذي أمه برذونة وأبوه عربي، وقيل بالعكس، وقيل هو الذي دانى الهجنة وقاربها.
ومنه حديث عمر كتب إلى أبي موسى في البراذين ما قارف العتاق منها فاجعل له سهما واحدا، أي: قاربها وداناها.
وفيه: أنه سئل عن أرض وبيئة فقال: دعها فإن من القرف التلف. القرف ملابسة الداء ومداناة المرض، والتلف الهلاك، وليس هذا من باب العدوى وإنما هو من باب الطب، فإن استصلاح الهواء من أعون الأشياء على صحة الأبدان وفساد الهواء من أسرع الأشياء إلى الأسقام.
وفي حديث عائشة: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رجل مقراف للذنوب. أي: كثير المباشرة لها، ومفعال من أبنية المبالغة.

قال فليح نقلا عن ابن المبارك عنه، وتبعهما سريج: أظنه يعني الذنب. وقد ألمح البخاري إلى تأييد هذا المعنى بتعليقه عليه بقوله: ليقترفوا: أي ليكتسبوا.

قال ابن حزم في (المحلى ج5/ص145): المقارفة الوطء لا مقارفة الذنب، ومعاذ الله أن يتزكى أبو طلحة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم يقارف ذنبا، فصح أن من لم يطأ تلك الليلة أولى من الأب والزوج وغيرهما.
قال ابن حجر: ويقويه أن في رواية ثابت المذكورة بلفظ لا يدخل القبر أحد قارف أهله البارحة فتنحى عثمان.
ومال إلى هذا الوادياشي في (تحفة المحتاج ص609) وقال: قيل معنا لم يقارف ذنبا، وقيل لم يجامع أهله بدليل رواية أحمد: "لا يدخل القبر رجل قارف الليلة أهله".
ورجحه النووي في (المجموع ج5/ص248).

قال الحافظ ابن حجر في (الفتح):
وقيل: إنما آثره بذلك؛ لأنها كانت صنعته، وفيه نظر، فإن ظاهر السياق أنه صلى الله عليه وسلم اختاره لذلك لكونه لم يقع منه في تلك الليلة جماع، وعلل ذلك بعضهم بأنه حينئذ يأمن من أن يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة.
وحكي عن ابن حبيب أن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة، فتلطف صلى الله عليه وسلم في منعه من النزول في قبر زوجته بغير تصريح، ووقع في رواية حماد المذكورة فلم يدخل عثمان القبر.

قلت: ويؤيد أن المراد به الجماع ليس الذنب؛ أن قوله: قال أبو عبد الله إلى آخره؛ لم يثبت إلاَّ في رواية الكشميهني فقط دون غيره من الروايات، فلا بد من التأمل حقيقة في اعتماد هذا التفسير، ولم يتعرض له البخاري نفسه عندما روى الحديث في (التاريخ الأوسط). فتأمل

وقد أبعد الطحاوي في تأويل المعنى وأغرب بتأويل لم يوافقه عليه أحد من أهل العلم ولم يرتضه منه، بل ردوه وخطاؤوه.

إذا نخلص من خلال هذا السرد بإذن الله تعالى بما يلي:
1- أن البنت هي أم كلثوم على الصحيح إن شاء الله تعالى.
2- أن المراد بكلمة (قارف) أي: جامع أهله وغشاهم، بدليل تلميح بعض الروايات بذلك.
3- أن الرجال هم الذين يتولون الدفن وإن كان الميت امرأة.
4- أنه لم يكن هناك عدد كثير في تلك الوقعة حاضرين الدفن، بل كان العدد قليل جدا بحيث أنه لم يستثنى من المقارفة سوى أبو طلحة، مع تأكد أنه قد يوجد غيره لم يقارف يقينا لو كان العدد أكثر ممن حضر في ذلك الوقت.
5- أن كونه يراد به الجماع وهو الصحيح إن شاء الله تعالى أعطى حكما شرعيا أنه لا يتولى الدفن جنب، بغض النظر عن عدم مباشرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدفن لعلة قد تكون عرضت له.
6- أن جعل معناه الذنب، حقيقة يستلزم الاستقراء والتتبع من الأشخاص المسئولين بهذا السؤال وهذا سيأخذ منهم وقتا في الجواب، بينما أبو طلحة لم يتردد في الجواب، بل قال: أنا، مباشرة، وهذا يؤيد أن المراد أنه الجماع لسهولة تذكر حصوله أو عدمه.

هذا على عجل في الواقع ما ألهم الله تعالى سبحانه من توضيح حول هذا الحديث وهذه القصة، فما كان فيها صوابا فمن الله تعالى توفيقا وتسديدا، وما كان فيها خطأ فمن نفسي والشيطان تقصيرا وإغواء، فالعذر منكم رحمكم الله.

والله تعالى أعلم

[منقول من الألوكة]

خالد الشافعي 10-11-2011 11:21 PM

جزاكم الله خيرا

أبو محمد رشيد الجزائري 10-13-2011 01:49 PM

بارك الله فيك أخي الفاضل على تعقيبك المشجع
وهذه إجابة وافية إن شاء الله للشيخ أبي يزيد المدني - حفظه الله - :
-----------------------------------------------
السؤال : عن أنس قال‏:‏ ‏(‏شهدت بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم تدفن وهو جالس على القبر فرأيت عيناه تدمعان فقال‏:‏ هل فيكم أحد لم يقارف الليلة فقال أبو طلحة‏:‏ أنا قال‏:‏ فانزل في قبرها فنزل في قبرها‏)‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري‏.‏ ولأحمد عن أنس‏:‏ ‏(‏أن رقية لما ماتت قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا يدخل القبر رجل قارف الليلة أهله فلم يدخل عثمان بن عفان القبر‏)‏‏.‏
بارك الله فيكم
هل هذا الحديث يدل على جواز تقديم الرجال الأجانب في دفن المرأة على الأقارب؟؟؟
و هل يستدل به على حرمة من عاشر زوجته تلك الليلة أن يدخل القبر؟؟؟
جزاكم الله خيرا و أحسن إليكم


الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه, وبعد:
اعلم أخي الحبيب أنّ هذا الحديث, وهذه الواقعة مما أشكل على كثير من أهل العلم توجيهه, وحصل لأجل ذلك لبس عند أكثر أهل العلم من الفقهاء وغيرهم. ولعلي أوجز لك ما يدفع هذا الإشكال, ويوضح الحقّ بدليله, والله المستعان وعليه التكلان.

أولاً: اتفق أهل العلم على أنّ الرجل أحق بتولي الدفن من المرأة مطلقاً, حتى ولو كان المقبور امرأة.
والدليل على ذلك, حديث أنس الوارد في السؤال, وفيه: "شهدنا بنت النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فقال: منكم رجل لم يقارف الليلة ؟ فقال أبو طلحة رضي الله عنه أنا ، قال : فانزل ، فنزل في قبرها" (رواه البخاري).
قال النووي في " المجموع " (5 / 289): "هذا الحديث من الأحاديث التي يحتج بها في كون الرجال هم الذين يتلوا عن الدفن وإن كان الميت امرأة، قال: ومعلوم أن أبا طلحة رضي الله عنه أجنبي عن بنات النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان من صالحي الحاضرين، ولم يكن هناك رجل محرم إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فلعله كان له عذر في نزول قبرها، وكذا زوجها، ومعلوم أنها أختها فاطمة وغيرها من محارمها وغيرهن هناك، فدل على أنه لا مدخل للنساء في إدخال القبر والدفن".
ووجه الحكمة من ذلك:
هو ما ذكره الإمام النووي رحمه الله في المجموع (5/253), قال: "الأولى أن يتولى الدفن الرجال، لأنه يحتاج إلى بطش وقوة. وكان الرجال أحق، وأولاهم بذلك أولاهم بالصلاة عليه، لأنهم أرفق به".
فإن قيل: كيف يمسّ الرجل الأجنبي المرأة ؟
أجاب عن ذلك الإمام الشوكاني رحمه الله بقوله: "لا يدخل أحدا من النساء القبر ولا يخرجهن إلا الرجال ولو كانوا أجانب, لأن مس الأجنبي لها بحائل عند الضرورة جائز في حياتها , فكذا بعد موتها".

ثانياً: زوج المرأة وأولياؤها أحقّ بدفنها.
لعموم قوله تعالى: { وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}. ولقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "ما ضرّك لو مت قبلي فغسّلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك" (رواه أحمد وابن ماجه, وحسنه الألباني).
قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع (5/253): "وإن كانت امرأة - أي المقبور- فزوجها أحق بدفنها لأنه أحق بغسلها، فإن لم يكن لها زوج فالأب، ثم الجد، ثم الابن، ثم ابن الابن، ثم الأخ ، ثم ابن الأخ ، ثم العم ، فإن لم يكن لها ذو رحم محرم ولها مملوك كان المملوك أولى من ابن العم ، لأنه كالمحرم ، والخصيّ أولى من الفحل، وإن لم يكن مملوك فابن العم ثم أهل الدين من المسلمين".
وقال الإمام ابن قدامة في المغني: "لا خلاف بين أهل العلم في أن أولى الناس بإدخال المرأة قبرها محرمها, وهو من كان يحل له النظر إليها في حياتها‏,‏ ولها السفر معه".

ثالثاً: هل الجنابة مانعة من تولّي دفن المرأة؟.

أ- ما المقصود بالمقارفة الورادة في الحديث:

1- ظاهر الحديث يدلّ على أنّ المراد بالمقارفة ههنا: "الجماع".
بدليل رواية الإمام أحمد, وفيها: "لا يدخل القبر رجل قارف الليلة أهله".
قال ابن حزم في المحلى (5/145): "المقارفة الوطء لا مقارفة الذنب، ومعاذ الله أن يتزكى أبو طلحة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم يقارف ذنبا، فصح أن من لم يطأ تلك الليلة أولى من الأب والزوج وغيرهما".

2- ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ المراد بالمقارفة ههنا: "أي الذنب". وقد مال إلى هذا التأويل الإمامان: ابن المبارك, والبخاري رحمهما الله.
قال ابن الأثير رحمه الله في النهاية في غريب الأثر (4/45): "... قال فليح نقلا عن ابن المبارك عنه، وتبعهما سريج: أظنه يعني الذنب. وقد ألمح البخاري إلى تأييد هذا المعنى بتعليقه عليه بقوله: ليقترفوا: أي ليكتسبوا".
وعللوا ذلك بأنّه يستبعد أن يكون عثمان جامع في تلك الليلة التي حدث فيها موت زوجته لحرصه
على مراعاة الخاطر الشريف.
ولكن هذا التأويل مردود من وجوه:
1- أجيب عن استبعادهم لجماع عثمان رضي الله عنه تلك الليلة؛ باحتمال أن يكون مرض المرأة
طال واحتاج عثمان إلى الوقاع, ولم يكن يظن موتها تلك الليلة.
وحكى عن ابن حبيب أن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان؛ أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة؛ فتلطف صلى اللَّه عليه وسلم في منعه في النزول قبر زوجته بغير تصريح‏.‏

2- أنه لو أراد الذنب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار المهاجرين أحق بذلك.

3- أن يكون أبو طلحة قد مدح نفسه بهذا ولم يكن ذلك من خصالهم.
(انظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي3/296).

والحكمة من منع الجنب تولي دفن المرأة:
ما ذكره الإمام الشوكاني رحمه الله بقوله: "وعلل بعضهم تقديم من لم يقارف بأنه حينئذ يأمن من أن يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة".

ب- هل يستدلّ بالحديث على أنّ الجنابة مانعة من تولّي دفن المرأة؟.
من الغرائب أن عامة كتب الفقه لم تتعرض لهذه المسألة، لا نفيا ولا إثباتاً -كما ذكر الألباني- وهذا ما جعل العلامة ابن باز رحمه الله ينحى إلى أنها قضية عين؛ لا يستنبط منها حكم شرعي عام للأمة.
ويؤيد اختيار العلامة ابن باز رحمه الله؛ أنه جاءت الكثير من الأحاديث في باب دفن الميّت.. ولم تنقل أنه عليه الصلاة والسلام كان يسألُ أصحابه هذا السؤال.
فغاية ما يدلّ عليه الحديث أنّ من لم يجامع أهله أولى في تولّي الدفن, ولا يستنبط من ذلك حكم شرعي (أي تحريم أوكراهة تولي الجنب دفن المرأة)

والله تعالى أعلم

كتبه وحرّره أبو يزيد المدني

رابط الموضوع :
http://www.tbessa.net/t6352-topic

---------------------------------------------------
قال ابن بطال في شرحه للبخاري :
" وذهب العلماء إلى أن زوج المرأة أولى بإلحادها من الأب والولد، ولا خلاف بينهم أنه يجوز للفاضل غير الولى أن يلحد المرأة إذا عدم الولى، ولما كان النبى، - صلى الله عليه وسلم - ، أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ولم يجز لأحد التقدم بين يديه فى شىء لقوله تعالى: {لا تقدموا بين يدى الله ورسوله} [الحجرات: 1] لم يكن لعثمان أن يتقدم بين يدى رسول الله فى إلحاد زوجته.
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : « هل فيكم أحد لم يقارف أهله الليلة؟ » فيحتمل أن يستدل على معناه بقوله فى حديث المسندى: « فلم يدخل عثمان القبر » ودل سكوت عثمان وتركه المشاحة فى إلحاد أهله أنه قد كان قارف تلك الليلة بعض خدمه، لأنه لو لم يقارف لقال: أنا لم أقارف فأتولى إلحاد أهلى، بل كان يحتسب خدمته فى ذلك من أزكى أعماله عند الله، وكان أولى من أبى طلحة لو ساواه فى ترك المقارفة.
فأراد - صلى الله عليه وسلم - أن يمنعه إلحادها حين لم يمنعه حزنه بموت ابنة رسول الله، وانقطاع صهره منه، عن المقارفة تلك الليلة على طراوة حزنه وحادث مصابه لمن لا عوض منها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : « كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببى ونسبى » . رواه عمر بن الخطاب، وابن عباس، وأبو رافع، والمسور، كلهم عن النبى، - صلى الله عليه وسلم - ، ذكرها كلها الطبرى.
فعاقبه - صلى الله عليه وسلم - بأن حرمه هذه الفضيلة، وكان عثمان كثير الخدم والمال، وفيه فضل عثمان وإيثاره الصدق حتى لم يدع تلك الليلة ترك المقارفة، وإن كان عليه بعض الغضاضة فى إلحاد غيره لزوجته.
" أهـ
وقال العصامي في سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي :
" قال السهيلي في شرح سيرة ابن هشام: ما الحكمة في قول النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن ابنته أم كلثوم: أيكم لم يقارف الليلة أهله؟ فقال أبو طلحة: أنا، وقد كان عثمان أحق بذلك من؛ لأنه كان بعلها؟
قال ابن بطال: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرم عثمان النزول في قبرها، وقد كان أحق الناس بذلك لأنه كان بعلها وفقد منهم علقا لا عوض له؛ لأنه حين قال النبي صلى الله عليه وسلم أيكم لم يقارف الليلة أهله سكت عثمان ولم يقل أنا؛ لأنه كان قد قارف ليلة ماتت بعض نسائه، ولم يشغله الهم بالمصيبة وانقطاع صهره من النبي صلى الله عليه وسلم عن المقارفة؛ فحرم بذلك ما كان حقا له، وكان أولى به من أبي طلحة وغيره، وهذا بين في معنى الحديث، ولعله عليه الصلاة والسلام قد كان علم ذلك بالوحي فلم يقل له شيئا؛ لأنه فعل فعلا حلالا، غير أن المصيبة لم تبلغ منه مبلغا يشغله حتى حرم ما حرم من ذلك بتعريض غير تصريح
" أهـ
قال العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري :
" ويقال إن عثمان في تلك الليلة باشر جارية له فعلم رسول الله بذلك فلم يعجبه حيث شغل عن المريضة المحتضرة بها وهي أم كلثوم زوجته بنت الرسول فأراد أنه لا ينزل في قبرها معاتبة عليه فكنى به عنه " أهـ

ويؤيد أيضا اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله أنها قضية عين ، قضية أخرى مشابهة وهي ما رواه البخاري أن عليا بن أبي طالب - رضي الله عنه - خطب ابنة أبي جهل على فاطمة رضي الله عنها فعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم قائلا " إني لست أحرم حلالا ، ولا أحل حراما ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله أبدا " فدل أن هذا خاص بفاطمة رضي الله عنها .
قَالَ اِبْن التِّين : " أَصَحّ مَا تُحْمَل عَلَيْهِ هَذِهِ الْقِصَّة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ عَلَى عَلِيٍّ أَنْ يَجْمَع بَيْن اِبْنَته وَبَيْن اِبْنَة أَبِي جَهْل ؛ لأَنَّهُ عَلَّلَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُؤْذِيه ، وَأَذِيَّته حَرَام بِالاتِّفَاقِ " أهـ .

والله أعلم

أبو محمد رشيد الجزائري 10-13-2011 02:10 PM

قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله :
"لكن ذلك مشروط بما اذا لم يطأ تلك الليلة وإلا لم يشرع له دفنها وكان غيره هو الأولى بدفنها ولو أجنبيا بالشرط المذكور لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله جالس على القبر فرأيت عينيه تمعان ثم قال :هل منكم من رجل لم يقارف الليلة(أهله)؟فقال ابو طلحة (نعم)أنا يارسول الله قال فنزل قال فأنزل في قبرها(فقبرها)
وفي رواية عنه "....قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:لايدخل القبر رجل قارف الليلة اهله فلم يدخل عثمان بن عفان رضي الله عنه القبر " .

ثم بين من أخرجه,وقال في الفهرس :حديث صحيح لم يرد له ذكر ولا لحكمه في كتب الفقه لا نفيا ولا اثباتا!!
وقال:"والحديث ظاهر الدلالة على ما ترجمنا له وبه قال ابن حزم رحمه الله, ومن الغرائب أن عامة كتب الفقه التي كنت وقفت عليها أو راجعتها بهذه المناسبة لم تتعرض لهذه المسألة لا نفيا ولا اثباتا وهذا دليل من أدلة كثيرة على أنه لا غنى للفقيه عن كتب السنة خلافا لما يظنه بعض المتعصبة للمذاهب أن كتب الفقه تغني عن كتب الحديث بل وعن كتاب الله تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا" [احكام الجنائز ص188-190]
الشيخ - رحمه الله - صحح الحديث مع أنه من رواية فليح بن سليمان وقد ضعف الشيخ - رحمه الله - أحاديثه في البخاري ، أم صححه لرواية حماد بن سلمة مع ما فيها من نكارة ووهم ؟ أم بجمع الطريقين ؟ أرجو من الإخوة أن يبينوا لنا مذهب الشيخ في هذا الحديث ؟

عبدالله اليازوري السلفي 10-13-2011 06:23 PM

جزاكم الله خيرا

طاهر نجم الدين المحسي 10-14-2011 10:40 PM

جزاك الله خيرا وبارك في علمك ونفع بك ...

عبد الله بن مسلم 10-15-2011 12:55 AM

بارك الله فيكم!

اقتباس:

الشيخ - رحمه الله - صحح الحديث مع أنه من رواية فليح بن سليمان وقد ضعف الشيخ - رحمه الله - أحاديثه في البخاري ، أم صححه لرواية حماد بن سلمة مع ما فيها من نكارة ووهم ؟ أم بجمع الطريقين ؟ أرجو من الإخوة أن يبينوا لنا مذهب الشيخ في هذا الحديث ؟

لعله بجمع الطريقين، و الله تعالى أعلم. فإن ضعف فليح بن سليمان من جهة حفظه لا من جهة صدقه.


أبومسلم 10-18-2011 10:42 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد رشيد الجزائري (المشاركة 150176)
الشيخ - رحمه الله - صحح الحديث مع أنه من رواية فليح بن سليمان وقد ضعف الشيخ - رحمه الله - أحاديثه في البخاري ، أم صححه لرواية حماد بن سلمة مع ما فيها من نكارة ووهم ؟ أم بجمع الطريقين ؟ أرجو من الإخوة أن يبينوا لنا مذهب الشيخ في هذا الحديث ؟


قال الشيخ الألباني -رحمة الله- عند تعليقه على حديث (علي رضي الله عنه والدَّوالي..) [السلسلة الصيحة 1/ 128-129]:
(( قلت: وهو مختلف فيه[يعني: فليح بن سليمان]، وقد ضعَّفه جماعة، ومشَّاه بعضهم، واحتج به الشيخان في "صحيحيهماوالراجح عندنا أنَّه صدوق في نفسه، وأنَّه يخطئ أحياناً، فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى إذا لم يتبيَّن خطؤه )).

جزيت خيراً أبا محمد على النقولات المحرَّرة المفيدة.

أبو محمد رشيد الجزائري 10-19-2011 01:51 PM


وبارك الله فيكم إخواني



اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبومسلم (المشاركة 151285)
قال الشيخ الألباني -رحمة الله- عند تعليقه على حديث (علي رضي الله عنه والدَّوالي..) [السلسلة الصيحة 1/ 128-129]:
(( قلت: وهو مختلف فيه[يعني: فليح بن سليمان]، وقد ضعَّفه جماعة، ومشَّاه بعضهم، واحتج به الشيخان في "صحيحيهماوالراجح عندنا أنَّه صدوق في نفسه، وأنَّه يخطئ أحياناً، فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى إذا لم يتبيَّن خطؤه )).

جزيت خيراً أبا محمد على النقولات المحرَّرة المفيدة.

أخي الكريم :
كان الشيخ الألباني - رحمه الله - يرى تحسين رواية فليح بن سليمان ثم رأى تضعيف حديثه في آخر حياته أنظر كلامه عليه في السلسلة الضعيفة الأحاديث رقم 4839 و رقم 6945 و رقم 6947 و رقم 6950 .
قال د.محمد حمدي محمد أبو عبده في بحث له بعنوان ( الأحاديث التي ضعفها الشيخ الألباني في صحيح البخاري ) :
" ولا غرو أن الشيخ الألباني يقول عن حديث فليح : " فلا ضير على أصل حديثه ما دام أنه لم يتفرد به " [أنظر السلسلة الصحيحة ج1 ص 477 وإرواء الغليل ج2 ص16 ولا ندري هل هذا وفق رأيه الأول فقط عندما كان يرى تحسين حديثه ] وهذا يعني أن لفليح أحاديث صالحة . فالذي يظهر لي من صنيع الألباني مع أحاديث فليح :
- أنه يقبلها ما ما لم يتفرد أو يخالف . وفي هذا الحديث تفرد بإخراج حديث فليح [يقصد حديث " بينا أنا قائم ، فإذا زمرة ... " ] ، فلم يرضه الألباني .
- ثم إن الألباني قد اعتمد على ما لم يتفرد به " فليح " في تقوية أحاديث أخرى لتقويتها .
- ويقول عن إسناد فيه " فليح " : ( ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون سند الحديث بالذات صحيحا لجواز أن يكون فيه من تُلكم فيه ، وإن كان صاحب الصحيح احتج به ، فإنه يجوز أن ذلك لأنه لم يثبت جرحه عنده ، أو أنه كان ينتقي من حديثه ، مع اعتقاده أن فيه ضعفا يسيرا لا يسقط به حديثه جملة عنده ، خلافا لغيره ) [السلسلة الضعيفة ج2 ص177] قلت : وهذا ما فعله البخاري بالضبط .
" أهـ
والملاحظ في هذا القول أن صاحب البحث اعتمد على مؤلفات سابقة قد يكون الشيخ قد غيّر رأيه فيها ، فأرجو من تلاميذ الشيخ أوتلامذتهم بيان هذه المسألة " مذهب الشيخ رحمه الله في فليح بن سليمان " فهم أقرب الناس إليه والأعلم بآخر أقواله .

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله بن مسلم (المشاركة 150448)

لعله بجمع الطريقين، و الله تعالى أعلم. فإن ضعف فليح بن سليمان من جهة حفظه لا من جهة صدقه.

كما قلت آنفا إن الشيخ - رحمه الله - قد غيّر رأيه في الرواي فيلزم أن حكمه على الحديث قد تغيّر . فالطريق الضعيف إذا أضفناه لطريق ضعيف لا يعطينا حديثا صحيحا بل في أحسن أحواله أن يكون حسنا لغيره .

والله أعلم


الساعة الآن 12:47 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.