" الإلماعة في بيان معنى لزوم الجماعة " مقال تأصيلي نفيس لشيخنا حسن آيت علجت الجزائري.
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته يسرني أن أنقل هذا المقال التأصيلي النفيس لإخواني طلبة العلم في منتديات كل السلفيين ، و هو موضوع مهم يهم كل مسلم سلفي حازم في أمره يريد النجاة عند ربه جل و علا ، كيف لا و هو موضوع " لزوم جماعة المسلمين " و الذي وصانا به رسولنا الأكرم صلى الله عليه و سلم ، و قد كتب هذا المقال شيخنا المفضال أبو عبد الله حسن بن محمد الطاهر آيت علجت الجزائري حفظه الله في أحد أعداد مجلة الإصلاح السلفية أدامها الله على خير، و لنفاسته كما أسلفت أردت نشره هنا رجاء تعميم الخير من جهة ، و إسهاما في نشر علم الشيخ من جهة أخرى ، فأسأل الله أن ينفع به كما نفع بكاتبه ( الشيخ حسن ) كثيرا ، و أن يكتب له الأجر و القبول إنه ولي ذلك و القادر عليه ، و إليكموه : " الإلماعة في بيان معنى لزوم الجماعة " لفضيلة الشيخ : أبي عبد الله حسن آيت علجت الجزائري - حفظه الله و رعاه - إنه لا يخفى على من اطلع على موارد الشريعة و مصادرها ، مدى أهمية لزوم الجماعة ، و حث الشارع على هذا الأمر الجلل ، فقد تضافرت بذلك الآي و الأخبار ، و الأحاديث و الآثار ، و دون ذلك الأئمة في مصنفاتهم ، سيما ما تعلق منها بمسائل الاعتقاد ، فلا يكاد يخلو كتاب في العقيدة من تقرير ذلك و بيانه ، بل نسبت العقيدة الصحيحة الحقة إلى من لزم الجماعة ، فقيل : " عقيدة أهل السنة و الجماعة " ، من أجل هذا و ذاك ، تعين بيان مفهوم لزوم الجماعة ، و تحديد معناه على ضوء اللغة و الشرع. تطلق الجماعة لغة على العدد الكثير من الناس ، و الشجر ، و النبات ، و على طائفة من الناس يجمعها غرض واحد. و هي اسم مصدر من اجتمع ، يجتمع ، اجتماعا (1). قال الشيخ ابن عثيمين في " شرح الواسطية " ( 1 / 52 ) : " أصل كلمة ( الجماعة ) هو بمعنى الاجتماع ، فهي اسم مصدر ، ثم نقلت من هذا الأصل إلى القوم المجتمعين ". أما فيما يخص المعنى الشرعي ، فقد تعددت تفاسير العلماء لهذه الكلمة ، تبعا لتنوع النصوص الواردة في شأنها و قد جمعها الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه المعطار " الاعتصام " ( 1 / 478 – 480 ) فبلغ بها خمسة تفاسير : الأول : أنها السواد الأعظم من أهل الإسلام ، و يدخل فيهم العلماء المجتهدون من باب أولى. الثاني : أنها جماعة أئمة العلماء المجتهدين. الثالث : أنها أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و هم سادات العلماء و قدوتهم رضي الله عنهم. الرابع : أنها جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على حاكم. الخامس : أنها جماعة أهل الإسلام إذا أجمعوا على أمر ، تعين على غيرهم من أهل الملل أن يتبعوهم فيه. و التحقيق في هذه المسألة – و به تجتمع هذه الأقوال كلها – أن الجماعة تطلق على أمرين (2) : الأول : البناء و الكيان. و الثاني : المنهج و الطريقة. * فعلى الإطلاق الأول و هو " البناء و الكيان " : يكون المعنى أن المسلمين إذا اجتمعوا تحت حاكم صاروا جماعة يجب لزومها ، و يحرم مفارقتها ، و الخروج عليها. و هذا هو المعنى المقصود في الحديث الذي رواه البخاري (6691) و مسلم (3523) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الخير ، و كنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية و شر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : " نعم " ، قلت : و هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال : " نعم ، و فيه دخن " ، قلت : و مادخنه ؟ قال : " قوم يهدون بغير هديي ، تعرف منهم و تنكر " ، قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : " نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها " ، قلت : يا رسول الله صفهم لنا ؟ فقال : " هم من جلدتنا ، و يتكلمون بألسنتنا " ، قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : " تلزم جماعة المسلمين و إمامهم " ، قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ، و لا إمام ؟ قال : " فاعتزل تلك الفرق كلها ، و لو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت و أنت على ذلك ". موطن الشاهد في هذا الحديث هو قول النبي صلى الله عليه و سلم : " تلزم جماعة المسلمين و إمامهم " ، حيث جعل النبي صلى الله عليه و سلم المسلمين المجتمعين على حاكم ، جماعة يتعين لزومها ، و عدم الخروج عليها. و قد نقل الحافظ ابن حجر في " الفتح " ( 13 / 37 ) عن ابن بطال أنه قال عند كلامه على هذا الحديث في شرحه ل " صحيح البخاري " : " فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين ، و ترك الخروج على أئمة الجور " اه. و في هذا المعنى أيضا جاءت لفظة " الجماعة " في حديث " الصحيحين " عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " من رأى من أميره شيئا يكرهه ، فليصبر عليه ، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات ، إلا مات ميتة جاهلية ". ومن بابته أيضا ، حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : " ثلاثة لا تسأل عنهم : رجل فارق الجماعة و عصى إمامه و مات عاصيا ..." الحديث (3). و مما يجدر التنبيه إليه ، أن الجماعة بهذا الإطلاق قد تتخلف ، فلا توجد في زمن من الأزمان ، و هو زمن الفتن ، بدليل ماجاء في حديث حذيفة رضي الله عنه الآنف الذكر ، حيث سأل حذيفة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم : فإن لم يكن لهم جماعة و لا إمام ؟ فقال صلى الله عليه و سلم : " فاعتزل تلك الفرق كلها – و لو أن تعض بأصل شجرة – حتى يدركك الموت و أنت على ذلك ". * أما الإطلاق الثاني للجماعة فهو " المنهج و الطريقة " : فيكون لزوم الجماعة من هذه الحيثية ، هو لزوم جماعة أهل الحق التي تسير وفق ما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه رضي الله عنهم. و في هذا المعنى جاء الحديث الذي رواه البخاري (6484) و مسلم (1676) عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " لا يحل دم امرىء مسلم ، يشهد أن لا إله إلا الله و أني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، و النفس بالنفس ، و التارك لدينه المفارق للجماعة ". فلفظ " الجماعة " هنا ، و إن كان المقصود به أهل الإسلام على سبيل العموم – و هم أهل الحق بالنسبة إلى غيرهم من أهل الملل الباطلة - ، إلا أن هناك معنى خاصا للفظ " الجماعة " ذكره العلماء ، و هو : أهل السنة و الاتباع ، إذ قال الإمام النووي رحمه الله في " شرحه على مسلم " ( 11 / 156 ) : " قال العلماء : و يتناول أيضا كل خارج عن الجماعة ببدعة ، أو بغي ، أو غيرهما ، و كذا الخوارج ، و الله أعلم " اه. و زاد هذا المعنى توضيحا الإمام أبو العباس القرطبي رحمه الله في " المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " ( 15 / 121 ) فقال عند شرحه لهذا الحديث : " غير أنه يلحق بهم في هذا الوصف ، كل من خرج عن جماعة المسلمين – و إن لم يكن مرتدا – كالخوارج ، و أهل البدع – إذا منعوا أنفسهم من إقامة الحد عليهم ، و قاتلوا عليه – و أهل البغي ، و المحاربون ، و من أشبههم ، فيتناولهم لفظ : " المفارق للجماعة " بحكم العموم " ... إلى أن قال : " و تحقيقه : أن كل من فارق الجماعة يصدق عليه أنه بدل دينه ، غير أن المرتد بدل كل الدين ، و غيره من المفارقين بدل بعضه " اه. و أصرح ما جاء في هذا المعنى ، ذلك الحديث المروي عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " افترقت اليهود على إحدى و سبعين فرقة : فواحدة في الجنة ، و سبعون في النار ، و افترقت النصارى على ثنتين و سبعين فرقة ، فإحدى و سبعون في النار ، و واحدة في الجنة ، و الذي نفس محمد بيده ، لتفترقن أمتي على ثلاث و سبعين فرقة : فواحدة في الجنة ، و ثنتان و سبعون في النار " ، قيل : يا رسول الله ، من هم ؟ قال : " الجماعة " (4). و بالنظر إلى الاشتقاق اللغوي للفظة " الجماعة " ، فإنه يكون معناها حينئذ : القوم المجتمعون على الحق. و لا شك أن أولى الناس بهذا الوصف ، و أسعدهم به ، هم النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه رضي الله عنهم ، لهذا جاء تفسير " الجماعة " في رواية أخرى لهذا الحديث بأنها : " ما أنا عليه و أصحابي " (5). ثم بعد هؤلاء تكون الجماعة هي أئمة العلماء الذين سلكوا سبيل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أصحابه البررة رضي الله عنهم ، في كل عصر و مصر ، لأنهم أعلم الناس بالحق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه رضي الله عنهم ، و أشدهم اجتماعا عليه. ومن تراجم الإمام البخاري في " صحيحه " - و فقه البخاري في تراجمه – قوله : " باب : { و كذلك جعلناكم أمة و سطا } ( البقرة : 143 ) ، و ما أمر النبي صلى الله عليه و سلم بلزوم الجماعة : و هم أهل العلم " (6). و قال الإمام الترمذي في " سننه " ( 4 / 467 ) : " و تفسير الجماعة عند أهل العلم هم : أهل الفقه و العلم و الحديث " اه. و مما يعضد هذا ، ما رواه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في " حلية الأولياء " ( 9 / 238 – 239 ) أن الإمام العلم إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المروزي – المعروف بابن راهويه – ( ت 238 ) سئل عن معنى السواد الأعظم الذي فسرت به الجماعة ، فقال : " محمد بن أسلم ، و أصحابه ، و من تبعهم " ، ثم قال : " سأل رجل ابن المبارك : من السواد الأعظم ؟ قال : أبو حمزة السكري (7) ". ثم قال إسحاق : " في ذلك الزمان ( يعني : أبا حمزة ) : و في زماننا : محمد بن أسلم (8) ومن تبعه " ، ثم قال إسحاق : " لو سألت الجهال عن السواد الأعظم لقالوا : جماعة الناس ... و لا يعلمون أن الجماعة : عالم متمسك بأثر النبي صلى الله عليه و سلم و طريقته ، فمن كان معه ، و تبعه فهو الجماعة ، و من خالفه فيه ترك الجماعة ". ثم قال إسحاق : " لم أسمع عالما منذ خمسين سنة ، كان أشد تمسكا بأثر النبي صلى الله عليه و سلم من محمد بن أسلم " (9). فتبين بهذا أن أئمة السنة و مقدميها ، قد نالوا من هذا الوصف حظا وافرا ، فهم الجماعة التي يتعين لزومها ، و الطائفة التي يرجع إلى فهومها ، و الجماعة بهذا الإطلاق لا تتخلف أبدا ، فهي باقية إلى قيام الساعة ، كما ثبت في " صحيح مسلم " (1920) عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله و هم كذلك ". و في البخاري ( 6881 ) و مسلم ( 1921 ) عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله و هم ظاهرون ". و قد ترجم الغمام البخاري رحمه الله لهذا الحديث بقوله : " باب قول النبي صلى الله عليه و سلم : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق " و هم : أهل العلم ". قال الحافظ في " الفتح " ( 13 / 293 ) : " قوله : " و هم أهل العلم " هو من كلام المصنف ، و أخرج الترمذي حديث الباب ، ثم قال : سمعت محمد بن غسماعيل – هو البخاري – يقول : سمعت علي ابن المديني يقول : هم أصحاب الحديث "...إلى أن قال : " و أخرج الحاكم في " علوم الحديث " بسند صحيح عن أحمد : " إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم ظ " ، ومن طريق يزيد بن هارون مثله ". اه *و نستنتج من هذا كله ما يلي : 1 – أن المعنى الأول للزوم الجماعة ، هو لزوم ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه الكرام رضي الله عنهم ، و لا يتم ذلك إلا بلزوم أهل العلم المجتهدين ممن عرفوا باتباع السنة و قفو الأثر. 2 - أن المعنى الآخر للزوم الجماعة ، هو لزوم الحاكم الذي اجتمع عليه المسلمون ، و طاعته في المعروف ، و عدم الخروج عليه ، و هذا سواء كان توليه بالاختيار ، أو بالقهر و الغلبة. 3 - أن أسعد الناس بلزوم الجماعة هم المستقيمون على السنة ، و الملازمون لطاعة ولاة الأمور في المعروف. 4 - أن أشأم الناس و أبخسهم حظا من لزوم الجماعة ، هم أهل البدع المضلة ، و الأهواء الردية ، الذين تنكبوا منهج النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه الكرام رضي الله عنهم في العلم و العمل . 5 - أن من أخص – و أخس – أهل البدع انحرافا عن هذا المعنى هم الخوارج ، لأن خروجهم عن الجماعة من جهتين : الأولى : مخالفتهم لطريقة النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه الكرام رضي الله عنهم ، و من سار على نهجهم من العلماء الربانيين ، في الإصلاح و التغيير. الثانية : خروجهم عن الحاكم الذي اجتمع عليه المسلمون. من أجل ذلك وصفهم النبي صلى الله عليه و سلم بأنهم : " شر الخلق و الخليقة " (10). و قد ترجم الإمام النووي للباب الذي عقده الإمام مسلم في " صحيحه " في ذكر الخوارج بقوله : " باب : الخوارج شر الخلق و الخليقة ". و الله الهادي إلى سواء السبيل ، و هو حسبنا و نعم الوكيل. ******************* (1) انظر : " المعجم الوسيط " ( 1 / 281 ) ، " لسان العرب " ( 8 / 53 ). (2) انظر : " الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة " رسالة ماجستير لعبد الرحمن بن معلا اللويحق ( ص 203 ) – ط : مؤسسة الرسالة. (3) صحيح : أخرجه أحمد ( 23943) ، و البخاري في " الأدب المفرد " ( 590 ). انظر : " الصحيحة " ( 542 ). (4) صحيح : رواه ابن ماجة ( 3992 ) وابن أبي عاصم في " السنة " ( 63 ). انظر : " الصحيحة " ( 1492 ). (5) حسن لغيره : رواه الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، انظر : " صحيح سنن الترمذي " ( 2641 ). (6) كتاب الاعتصام بالكتاب و السنة ، " الفتح " : ( 13 / 316 ). (7) محمد بن ميمون المروزي ، الحافظ الإمام الحجة ، سمي : السكري ، لحلاوة كلامه ، روى له الجماعة ، توفي سنة ( 167 ) على الأصح . انظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي ( 7 / 385 ). (8) ابن سالم بن يزيد الطوسي ، أبو الحسن ، الكندي مولاهم الخراساني ، الإمام الحافظ الرباني ، شيخ الغسلام ، مولده في حدود ( 180 ) ، و وفاته في ( 242 ) ، انظر : المصدر السابق ( 12 / 195 ). (9) رواه بهذا اللفظ الذهبي في " السير " ( 12 / 196 ) بسنده إلى ألى أبي نعيم ، و به – أيضا – عزاه إلى " الحلية " الشاطبي في " الاعتصام " ( 1 / 482 ) ن و لفظه في المطبوع من " الحلية " : " لم أسمع عالما منذ خمسين سنة أعلم من محمد بن أسلم ". (10) رواه مسلم ( 1067 ). انتهى انظر " مجلة الإصلاح السلفية " السنة الثانية - العدد العاشر - رجب / شعبان 1429ه - صفحة ( 37 - 42 ). نقله عبد الله بيباني العاصمي غفر الله له |
الساعة الآن 10:04 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.