{منتديات كل السلفيين}

{منتديات كل السلفيين} (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/index.php)
-   منبر القرآن وعلومه (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   *** القراء السبعة *** (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=12330)

أبومسلم 11-21-2009 01:33 AM

*** القراء السبعة ***
 
القراء السبعة



الحمد لله والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين, وبعد:

فقد اطلعت على كتاب قيم في علم القراءات لكاتبه الدكتور نبيل بن محمد آل اسماعيل ( عضو هيئة التدريس بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية ), وتقديم سماحة مفتى عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ- حفظه الله, واسم الكتاب "علم القراءات" ( نشأته – أطواره – أثره في العلوم الشرعية ), وهو عبارة عن رسالة الماجستير للكاتب الكريم, ويعتبر أول رسالة علمية في مجال القراءات سجلت في جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية, فألفيتها رسالة جامعة ماتعة من رجل خبير بهذا الفن, وبأسلوب قريب للفهم جدا, فأحببت أن أنقل منها شيئا جد هام, بل هو لب هذا الفن, وهو ما يخص " القراء السبعة ".

وقد اعتمد الكاتب على عدة كتب في النقل والترجمة لهؤلاء الفحول, أغلبها كان من كتاب: "الطبقات الكبرى", لمحمد بن سعد بن منيع البصري الأزهري, وكتابي: "معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار" و"سير أعلام النبلاء", كلاهما للامام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي, وكتاب: "غاية النهاية في طبقات القراء", لأبي الخير محمد بن محمد بن الجزري.




توطئة


وهم بعض الناس في فهم المراد بالأحرف الواردة في أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف, وظن أنها قراءات الأئمة السبعة التي هي قراءة:
نافع, وابن كثير, وأبي عمرو البصري, وابن عامر, وعاصم, وحمزة, والكسائي.

ولقد كان مبعث هذا التوهم أنه لما صنف ابن مجاهد ( ت 325 ه ) كتاب " السبعة في القراءات "واقتصر على سبع قراءات عفوا من غير تعمد منه لعدد السبعة, فقد اشترط على نفسه ألا يروي الا عمن اشتهر بالضبط, والأمانة, وطول العمر في ملازمة القراءة, واتفاق الآراء على الأخذ عنه والتلقي منه.

فالقراءات السبعة اختيرت حسب شروط معينة, لا على أن كلا منها حرف من الأحرف السبعة, ولا على أنها وحدها القراءات المتواترة, فالعشر متواترة أيضا.


قال مكي بن أبي طالب ( ت 437 ه ) في الابانة ص 97-98 :

" والسبب في اشتهار هؤلاء السبعة دون غيرهم أن عثمان رضي الله عنه لما كتب المصاحف, ووجهها الى الأمصار, وكان القراء في العصر الثاني والثالث كثيرا في العدد, كثيرا في الاختلاف, فأراد الناس في العصر الرابع أن يقتصروا من القراءات التي توافق المصحف على ما يسهل حفظه, وتنضبط القراءة به, فنظروا الى امام مشهور بالثقة والأمانة في النقل, وحسن الدين, وكمال العلم, قد طال عمره, واشتهر أمره بالثقة, وأجمع أهل مصره على عدالته فيما نقل, وثقته فيما قرأ وروى, وعلمه بما يقرأ, فلم تخرج قرائته عن خط مصحفهم المنسوب اليهم, فأفردوا من كل مصر واحد وجه اليه عثمان مصحفا اماما هذه صفته وقراءاته على مصحف ذلك المصر ... ولم يترك الناس مع هذا نقل ما كان عليه أئمة هؤلاء من الاختلاف, ولا القراءة بذلك, وأول من اقتصر على هؤلاء – أي السبعةأبوبكر بن مجاهد. "




تعريف القراءات



القراءات: جمع قراءة.
***والقراءة في اللغة
: مشتقة من مادة ( ق ر أ ) وهي مصدر للفعل قرأ, يقال: قرأ يقرأ قرآنا وقراءة, فكل منهما مصدر للفعل. وهو على وزن " فعالة ", وهذا اللفظ يستعمل للمعاني التالية:

1- الجمع والضم, أي جمع وضم الشيء الى بعضه, ومنه قولهم: " وما قرأت الناقة جنينا " أي لم تضم رحمها على ولد. أو ما جمعت أو ضمت في رحمها جنينا. وقد تقدم بيانه في تعريف القرآن آنفا.

2- التلاوة: وهي النطق بالكلمات المكتوبة, ومنه قولهم "قرأت الكتاب "أي تلوته, وسميت التلاوة قراءة لأنها ضم لأصوات الحروف في الذهن لتكوين الكلمات التي ينطق بها ( الوسيط ولسان العرب مادة " ق رأ ").



***القراءات في الاصطلاح: لعلماء القراءات تعريفات متعددة أذكر منها ما يلي:

أ- تعريف الامام الزركشي ( ت 794 ه ), قال في البرهان:1/318

" هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتبة الحروف أو كيفيتها, من تخفيف وتثقيل وغيرها ".

ب- تعريف الامام ابن الجزري ( ت 833 ه ), قال في منجد المقرئين 3:

" علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو ( اسناده ) الناقلة ".



وتعريف ابن الجزري يشمل القراءات المتواترة والمشهورة والشاذة, ذلك لأن القراءات المعزوة لناقلها اما أن تكون متواترة أو مشهورة أو شاذة.

ج- تعريف الامام القسطلاني ( ت 923 ه ), قال في لطائف الاشارات 1/170:

" فليعلم أن علم القراءات هو علم يعرف منه اتفاق الناقلين لكتاب الله واختلافهم ( في اللغة والاعراب ) " علم القراءات" والحذف والاثبات والتحريك والاسكان والفصل والاتصال وغير ذلك من هيئة النطق والابدال, من حيث السماع", أو يقال:" علم يعرف منه اتفاقهم واختلافهم في اللغة والاعراب والحذف والاثبات والفصل والوصل, من حيث النقل", أو يقال: " علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معزو الناقلة ".


د- تعريف طاش كبري زاده ( ت 962 ه ), قال في مفتاح السعادة 2/6:

" هو علم يبحث فيه عن صور نظم كلام الله تعالى من حيث وجوه الاختلافات المتواترة .. وقد يبحث فيه أيضا عن صور نظم الكلام من حيث الاختلافات الغير متواترة الواصلة حد الشهرة ".

ه- تعريف البنا الدمياطي ( ت 1117 ه ), قال في اتحاف فضلاء البشر1/67:

" علم يعلم منه اتفاق الناقلين لكتاب الله واختلافهم في الحذف والاثبات, والتحريك والتسكين, والفصل والوصل, وغير ذلك من هيئة النطق والابدال, وغيره من حيث السماع ".

و- تعريف الزرقاني ( ت 1367 ه ), قال في مناهل العرفان 1/410:

" هو مذهب يذهب اليه امام من أئمة القراء مخالفا به غيره في النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات والطرق عنه, سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف أم في نطق هيئتها ".


ومن خلال هذه التعريفات يظهر أنها على قسمين:

الأول: يعتبر أن القرءات ذات مدلول واسع, فهي تشمل الحديث عن ألفاظ القرآن المتفق عليها والمختلف فيها, وهو ما رجحه ابن الجزري وتابعه البنا الدمياطي, كما سبق.

الثاني: يرى أصحابه أن مفهوم القراءات مقصور على ألفاظ القرآن المختلف فيها, وممن ذهب هذا المذهب الزركشي والزرقاني, كما تقدم.

وكلا المفهومين وارد ومراد, لا تنافي بينهما, فلفظ القراءات يطلق تارة ويراد به العلم المشهور كمعرفة القراء من الصحابة ومن بعدخم وكتب القراءات وأسماء مؤلفيها الى غير ذلك مما يسمى بعلم الدراية, ويطلق تارة أخرى ويراد به أوجه الخلاف في اللفظة القرآنية من حيث النطق بها وهو ما يسمى بعلم الرواية. والضابط في التمييز بين المفهومين هو السياق.




يتبع بعون الله

عبيد المهيمن الهلالي 11-21-2009 08:17 PM

بارك الله فيك على هذا النقل الطيب وواصل فنحن معك

أبومسلم 11-24-2009 02:50 AM

*******القراء السبعة ( 2 )*******
 
مصطلحات لا بد منها



1- الروايات


***الروايات أو الروايا في اللغة ( كما في لسان العرب مادة ( روي )): جمع رواية, وهي كلمة مشتقة من مادة ( روي ) وهذا اللفظ يستعمل للدلالة على:

أ‌- حمل الشيء: تقول العرب, وان فلانا لراوية الديات: أي حاملها, ويروي الماء أي يحمله, وهم رواة الأحاديث أي: حاملوها.

ب‌- النقل: رويت على أهلي: نقلت لهم الماء, يطلق الرواية: على البعير أو البغل الذي يسقى عليه.

***وفي الاصطلاح ( كما في سراج القارئ لابن القاصح: 13, وغيره ): هي كل خلاف مختار ينسب للراوي عن الامام مما اجتمع عليه الرواة.


ومصدر الروايات هو الوحي, فليس للقراء في الروايات الا النقل.




2- الطرق



***الطرق في اللغة ( كما في معجم مقاييس اللغة لابن فارس مادة ( ط ر ق ), وغيره): جمع طريق, وهي كلمة مشتقة من مادة ( ط ر ق ), وهذا اللفظ يستعمل للدلالة على السبيل الواسع الذي يمر عليه الناس.

***وفي الصطلاح ( كما في النشر في القراءات العشر لابن الجزري 2/199, وغيره): كل خلاف ينسب للآخذ عن الراوي.

ومصدر الطرق هو الوحي أيضا.



3- الأوجه


***الأوجه في اللغة ( كما في معجم مقاييس اللغة مادة ( وج ه ), وغيره ): جمع وجه, وهو لفظ مشتق من مادة ( و ج ه ), وهو يستعمل للدلالة على الظهور والبدور, أو الجهة والناحية, أو النوع والقسم.

***وفي الاصطلاح ( كما في الاتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/ 209, وغيره ): هو كل خلاف ينسب لاختيار القارئ.


قال البنا الدمياطي في اتحاف فضلاء البشر (1/ 102), في توضيح هذه المصطلحات:


" واعلم أن الخلاف اما أن يكون للشيخ كنافع, أو للراوي عنه كقالون, أو للراوي عن الراوي وان سفل, كأبي نشيط عن قالون, والقزاز عن أبي نشيط, أو لم يكن كذلك.
فان كان للشيخ بكماله, أي مما اجتمعت عليه الروايات, والطرق عنه فقراءة. وان كان للراوي عن الشيخ فرواية. وان كان لمن بعد الرواة وان سفل فطريق. وما كان على غير هذه الصفة, مما هو راجع الى تخيير القارئ فيه فهو وجه
".



4- الاختيار


***الاختيار في اللغة ( كما في مختار الصحاح للرازي مادة ( خ ي ر ), وغيره ): لفظ مشتق من من مادة ( خ ي ر ), وهو يستعمل للدلالة على الاصطفاء والانتقاء والتفضيل.

***وفي الصطلاح ( كما في القراءات القرآنية لعبدالهادي الفضلي ص 105, وغيره ): الحرف الذي يختاره القارئ من بين مروياته مجتهدا في اختياراته .


وحقيقة الاختيار أن القراء أو الرواة أو الآخذين عنهم كانوا يختارون من مجموع مروياتهم التي سمعوها.


*ذكر ابن الجزري في غاية النهاية (1/ 426) أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقرأ القرآن على قراءة زيد بن ثابت رضي الله عنه الا ثمانية عشر حرفا أخذها من قراءة ابن مسعود رضي الله عنه.


*وكان نافع بن أبي نعيم ( كما في معرفة القراء الكبار للذهبي (1/ 109 )يقول: قرأت على سبعين من التابعين, فنظرت الى ما اجتمع عليه اثنان منهم أخذته, وما شذ فيه واحد تركته, حتى ألفت هذه القراءة من هذه الحروف, وقال: تركت من قراءة أبي جعفر ( من شيوخه, وأحد العشرة ) سبعين حرفا.

*وذكر مكي في الابانة (ص 55) أن الكسائي قرأ على حمزة وهو يخالفه في نحو ثلاث مائة حرف, لأنه كان يتخير القراءات, فأخذ من قراءة حمزة بعضا وترك بعضا.

*وكذلك كان أبو عمرو بن العلاء, وأبو عبيد, وأبو حاتم السجستاني, وغيرهم, وكان لكثير من القراء اختياران أو أكثر.




أقسام القراءات


تنقسم القراءات من حيث القبول والرد الى قسمين:

أولا: القراءة المقبولة: هي كل قراءة صح سندها, ووافقت رسم أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا, ووافقت أحد أوجه العربية.

قال ابن الجزري في طيبة النشر:

فَـكُـلُّ مَـا وَافَــقَ وَجْــهَ نَـحْـوِ *** وَكَــانَ لِلـرَّسْـمِ احْتِـمَـالاً يَـحْـوِي
وَصَــحَّ إسْـنَـادًا هُــوَ الْـقُــرْآنُ *** فَـهَــذِهِ الـثَّـلاثَــةُ الأَرْكَــــانُ
وَحَيثُـمَـا يَخْـتَـلُّ رُكْــنٌ أَثْـبِــتِ *** شُـذُوذَهُ لَــوْ أنَّــهُ فِــي السَّبْـعَـةِ



**أما ضوابطها فهي:


1- ضابط السند: اشترط علماء القراءات لقبول القراءة أن تكون ثابتة مع صحة الاسناد, وهو أهم ما علق عليه العلماء صحة القراءة, فلا بد أولا من ثبوت النقل ثم ينظر في توافر الشروط الأخرى.

2- ضابط الرسم: اشترط علماء القراءات أيضا لقبول القراءة أن تكون موافقة لرسم أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا, لأن موافقة القراءة للرسم قد تكون موافقة له موافقة صريحة أو ظاهرة, أو موافقة محتملة أي مقدرة.

** ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: ((مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)))فكلمة ( ملك ) قرئت بغير ألف, وهذه القراءة موافقة لخط المصحفموافقة صريحة ظاهرة, وقرئت بالألف, وهذه القراءة موافقة لخط المصحف موافقة محتملة مقدرة ( النشر 1/ 11).


3- ضابط العربية: اشترط علماء القراءات كذلك لقبول القراءة أن تكون موافقة لأحد الأوجه العربية, سواء أكان هذا الوجه فصيحا أم أفصح مجمعا عليه أم مختلف فيه.

ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: (( فتوبوا الى بارئكم )) فكلمة ( بارئكم ) قرئت بكسر الهمز, وهي قراءة ابن كثير ونافع وعاصم, وابن عامر وحمزة والكسائي, وهذا الوجه هو المشهور في العربية, وقرئت ( بارئكم ) باسكان الهمزة, أو باختلاس الحركة فيها وهي قراءة أبي عمرو, من رواية الدوري عنه وقيل من رواية السوسي ( النشر 2/ 212 ).

وهذا الوجه أقل شهرة من الأول وبناء على هذا الضابط فكلا القرائتين صحيحة ومقبولة. وليس قولنا موافقة العربية بوجه من الأوجه أن نجعل قواعد اللغة العربية هي الحاكمة على القرآن, لكن القرآن, انما نزل بلغة العرب ومحال أن يكون فيه ما يخالف قواعدها الأصلية المجمع عليها, وليس معنى هذا أن نجعل أقول النحاة هي الحاكمة على القرآن بل العكس, لكنا ان وجدنا قراءة وافقت العربية والرسم فانه لا ضير أن نبحث لها عن اسناد أصح وأقوى من الاسناد الذي وصلت به الينا, حيث ان الاسناد كما هو معلوم على مراتب, فمنه الصحيح لنفسه أو لغيره أو الحسن لذاته ولغيره وهكذا...


*وقد تولى حجة المحققين وامام المدققين شيخ القراء ابن الجزري ( كما في النشر 1/ 13-14 ) الرد بنفسه على هذا القول فقال:

" وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن ولم يكتف بصحة السند, وزعم أن القرآن لا يثبت الا بالتواتر وأن ما جاء مجيء الآحاد لا يتبت به قرآن, وهذا مما لا يخفى ما فيه, فان التواتر اذا ثبت لا يحتاج فيه الى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره, اذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب قبوله, وقطع بكونه قرآنا, سواء وافق الرسم أم خالفه.
واذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء السبعة وغيرهم.
ولقد كنت قبل أجنح الى هذا القول ثم ظهر فساده وموافقة أئمة السلف والخلف كأبي شامة والجعبري ومكي وغيرهم
".





ثانيا: القراءة المردودة: هي كل قراءة اختل فيها أحد ضوابط القراءة المقبولة التي سبق الحديث عنها.





مصدر القراءات



**بعد تتبع أقوال العلماء, والباحثين في هذه المسألة, يمكن أن نصنف ما قالوه في هذه المسألة على مذهبين:


المذهب الأول: ويرى أصحاب هذا المذهب أن مصدر القراءات هو التوقيف أو الوحي, فالقراءات في الواقع هي جزء من القرآن, وقد ثبت بالأدلة القطعية التي لا تحتمل الشك بأن القرآن الكريم بلفظه ومعناه هو من عند الله عز وجل, ولا دخل لجبريل عليه السلام ولا للرسول صلى الله عليه وسلم في تبديل أي حرف منه مكان الآخر, وبما أن القراءات هي جزء من القرآن اذا فهي من عند الله كذلك, ولا دخل لأحد سواء أكان ملكا أو رسولا أو غيرهما أن يغير فيها شيئا بزيادة أو نقصان أو ابدال.

**وأدلة هذا المذهب من القرآن والسنة كثيرة منها:

1- من الأدلة القرآنية التي تدل دلالة صريحة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يبدل حرفا بحرف, أو كلمة بكلمة, قوله تعالى: ((وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)) سورة يونس آية 15.
2- قوله تعالى: ((وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً)) الإسراء آية 106.
وقوله تعالى: ((وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) )) الحاقة.

**واذا كان القرآن صريحا بأن مصدر القراءات هو الوحي فالسنة النبوية صريحة وواضحة في ذلك أيضا.
ومن أدلتها:

1- ما رواه البخاري (( الصحيح 6/ 100 باب أنزل القرآن على سبعة أحرف )) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ )).

المذهب الثاني: ويرى أصحابه أن مصدر القراءات غير توقيفي, ولكنهم اختلفوا في تحديد هذا المصدر على ثلاثة أقوال:

القول الأول: منهم من يرى أن مصدر القراءات هو لهجات العرب ولغاتهم, يقول الدكتور طه حسين في عرضه لهذا المذهب: (( وهنا وقفة لا بد منها, ذلك أن قوما من رجال الدين فهموا أن هذه القراءات السبع متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بها جبريل على قلبه, فمنكرها كافر من غير شك ولا ريبة. ولم يوفقوا لدليل يستدلون به على ما يقولون سوى ما روي في الصحيح من قوله عليه السلام: (( أنزل القرآن على سبعة أحرف )) والحق أن ليست هذه القراءات السبع من الوحي في قليل, ولا كثير, وليس منكرها كافرا, ولا فاسقا, ولا مغتمزا في دينه, وإنما هي قراءات مصدرها اللهجات واختلافها... فإنك ترى أن هذه القراءات التي عرضنا لها, إنما هي مظهر من مظاهر اختلاف اللهجات )).( كما في الأدب الجاهلي لطه حسين ص 95-96 )

وهذا المذهب كما نرى ليس له دليل صريح يعتمد عليه ويصادم – ما سبق – من الأدلة الواضحة من الكتاب والسنة والتي تفيد أن القراءات من الوحي المنزل.



القول الثاني: ومنهم من يرى أن مصدر القراءات إنما هو اجتهاد من القراء, وهذا مخالف لما عليه المسلمون عامة علما وعملا.
وأصحاب هذا المذهب ليس لهم أي دليل يفيد القطع, وإنما هي بعض الأحاديث يوهم ظاهرها ما ذهبوا إليه, وإن كان حقيقة أمرها خلاف ذلك ( كما في القراءات القرآنية ص 82 ).

**وممن ذهب هذا المذهب قوم من المتكلمين, وابن مقسم ( ويحكى أنه تاب عنه ورجع كما في معرفة القراء الكبار 1/ 306 ), وأبو القاسم الخوئي( من أشهر علماء الشيعة ).


القول الثالث: ومنهم من يرى أن مصدر القراءات رسم المصحف, الذي كان خاليا من النقط والشكل.
وهذا القول رأي خاطئ, وزعم باطل, وفرية منكرة تتنافى مع قضايا العقل, وقوانين المنطق السليم والواقع التاريخي المعتمد.

**وممن ذهب هذا المذهب المستشرق جولد زيهر, وصلاح الدين المنجد وغيرهم, وتراجع عن هذا الرأي الدكتور علي عبدالواحد وافي ( كما في رسم المصحف لعبد الفتاح شلبي ص 20, ومذاهب التفسير الاسلامي لجولد زيهر ص 8, والقراءات القرآنية ص 82 ).

وبعد عرضنا لهذه القضية – بما يناسب هذا المقام- يظهر لنا بشكل واضح وجلي أن المذهب الأول الذي يذهب أصحابه إلى أن مصدر القراءات هو توقيفي من الوحي الإلهي هو المذهب الصحيح, الذي تؤيده الأدلة الصحيحة الصريحة التي سبق عرضها, ويوافق العقل السليم, والإعجاز القرآني, ولم تعرف البشرية كتابا حظي بالعناية والاهتمام على مدى الأجيال مثل القرآن الكريم, سواء من حيث كتابته ورسم حروفه, أم من حيث تلاوته وتحقيق قراءته, أم معرفة أحكامه وبيان معانيه.



يتبع بعون الله

أبومسلم 11-26-2009 12:35 AM

*******القراء السبعة ( 3 )*******
 
***تلقي جبريل عليه السلام القرآن من الله تعالى

اتفق العلماء على أن جبريل عليه السلام قد تلقى القرآن عن الله تعالى ولكنهم اختلفوا في كيفية هذا الأخذ أو التلقي على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: ويرى أصحابه أن جبريل عليه السلام تلقى القرآن سماعا من الله عز وجل. ودليل هذا المذهب: حديث النواس بن سمعان رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي, أخذ السموات منه رجفة – أو قال رعدة – شديدة خوفا من الله عز وجل, فإذا سمع ذلك أهل السموات صُعقوا وخروا لله سجدا, فيكون أول من يرفع رأسه جبريل, فيكلمه الله من وحيه بما أراد, ثم يمر جبريل على الملائكة, كلما مر بسماء سأله ملائكتها, ماذا قال ربنا يا جبريل ؟ فيقول جبريل: ( قال الحق وهو العلي الكبير ) فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل, فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل ))( كما في الفتح 13/ 457).

وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كالسلسلة على صفوان ))أخرجه البخاري في كتاب التفسير ( باب سورة الحجرات) 5/ 221.

ويرى أصحاب هذا المذهب أن هذه الأدلة وإن لم تكن نصا في القرآن, إلا أن الوحي يشمل وحي القرآن وغيره, بل يدخل فيه – وحي القرآن – دخولا أوليا لمنزلته وأهميته.

وهذا المذهب هو مذهب أهل السنة والجماعة.
*** قال الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله – فيما رواه ابنه صالح عنه: (( افترقت الجهمية على ثلاث فرق: فرقة قالوا: القرآن مخلوق, وفرقة قالوا: كلام الله وتسكت, وفرقة قالوا: لفظنا بالقرآن مخلوق, قال الله عز وجل في كتابه: ((فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ )) فجبريل سمعه من الله, وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل, وسمعه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من النبي, فالقرآن كلام الله غير مخلوق)) ( كما في العقيدة السلفية في كلام رب البرية للجديع ص 204 ).

***وقال شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني رحمة الله - : (( واستفاضت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين, ومن بعدهم من أئمة السنة, أنه سبحانه ينادي بصوت, ويتكلم بالوحي بصوت,ولم ينقل عن أحد من السلف أنه قال: إن الله يتكلم بلا صوت, أو بلا حرف, ولا أنه أنكر أن يتكلم بصوت, أو حرف )) ( كما في الفتاوى 12/ 304-305).

وتبع هذا المذهب الشيخ محمد عبدا لعظيم الزرقاني ( مناهل العرفان 1 /41 ) والدكتور محمد أبو شهبة رحمة الله –( المدخل لدراسة القرآن ص 59) والشيخ مناع القطان( مباحث في علوم القرآن ص 35 ), والدكتور محمد حسين الذهبي( الوحي للذهبي ص 10), والشيخ صالح البليهي( عقيدة المسلمين للبليهي 2 /481), والأستاذ إبراهيم علي عمر( القرآن الكريم تاريخه وآدابه ص 23), وعبد الحميد إبراهيم سرحان( الوحي والقرآن ص 36).


المذهب الثاني: ويرى أصحابه أن جبريل عليه السلام أخذ القرآن من اللوح المحفوظ.ومن أدلة هذا المذهب قول الله تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ {21} فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ {22}﴾ [البروج].ومن القائلين به الإمام القسطلاني ( لطائف الإشارات له 1/ 21-22), وقول هؤلاء واستدلالهم غير مسلم إذ القرآن كغيره من المغيبات المثبتة في اللوح المحفوظ وليس كونه في اللوح المحفوظ دالا على أن جبريل عليه السلام قد أخذه منه, لأن هذا من الإخبار بالمغيبات التي لا تؤخذ إلا بدليل صريح قطعي الثبوت والدلالة, ولا دليل قطعيا يجزم بأن جبريل عليه السلام قد أخذه القرآن من اللوح المحفوظ.


المذهب الثالث: ويقول أصحابه إن معنى القرآن موحى من الله تعالى ولفظه من جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم, وهذا مذهب الجهمية ومن القائلين به المستشرق " جولد زيهر " ( كما في مذهب التفسير الإسلامي لجولد زيهر ص 52 ), وهذا القول ليس له دليل لا من النقل ولا من العقل, بل هو قول مبني على الكيد للإسلام من قبل أعدائه, ممثلا في الطعن في القرآن الكريم وإلقاء الشبهات على القرآن للتشكيك في مصدره الأصلي وهو الله سبحانه وتعالى, وهذا القول معارض بصريح الكتاب العزيز.

قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ [النمل 6], وقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي ﴾[الأعراف 203], وقوله: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ {44} لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ {45} ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ {46} فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ {47}﴾[الحاقة],وقوله: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ﴾[ التوبة 6].


فالآيات الكريمات كلها نص في أن القرآن كلام الله وهذا هو الحق, فالقرآن ليس لجبريل عليه السلام فيه سوى حكايته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإيحائه إليه, وليس للرسول صلى الله عليه وسلم في هذا القرآن سوى وعيه وحفظه, ثم حكايته وتبليغه, ثم بيانه وتفسيره, ثم تطبيقه وتنفيذه.( كما في المناهل 1/ 42-43)

وأما الذي ينزل به جبريل عليه السلام بالمعنى دون اللفظ فهو السنة ولذلك جاز رواية السنة بالمعنى دون القرآن, لأن جبريل نزل بالسنة وأداها بالمعنى, ولم تجز قراءة القرآن بالمعنى, لأن جبريل أدى القرآن باللفظ, ولم يبح له أداؤه بالمعنى. والسر في ذلك أن المقصود منه التعبد بلفظه والإعجاز به, فلا يقدر أحد أن يأتي بلفظ يقوم مقامه, وأن تحت كل حرف منه معاني لا يحاط بها كثرة, فلا يقدر أحد أن يأتي بدله بما يشتمل عليه.( كما في الإتقان 1/ 128).

فبان بهذا بطلان هذا القول وظهر واضحا للعيان غرضهم الخبيث من وراء قولتهم هذه فالله متم نوره ولو كره الكافرون.
وبعد هذه الأقوال لم يبق معنا قول يحتج به سوى القول الأول وهو أن جبريل تلقى القرآن من الله وليس من اللوح المحفوظ لدلالة الكتاب والسنة وكلام السلف من أهل السنة والجماعة فالقرآن الكريم يذكر في أيما آية منه أن القرآن كلام الله حقيقة لا مجازا وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تلقاه من الله بوساطة جبريل عليه السلام وجبريل تلقاه عن الله عز وجل كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ [النمل 6],وقوله: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ {44} لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ {45} ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ {46} فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ {47}﴾[الحاقة]. وجبريل عليه السلام شأنه في هذا شأن محمد صلى الله عليه وسلم ليس له أن يتنزل بشيء من القرآن إلا بعد إذن الله ووحيه له بذلك وتكليمه به كما في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:(( إذا تكلم الله تبارك وتعالى بالوحي سمع أهل السموات شيئا, فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق, ونادوا ماذا قال ربكم قالوا الحق )) ( رواة البخاري كتاب التوحيد باب رقم 32 ).

فالقرآن لا يخرج عن كونه وحيا, والله تعالى يخاطب جبريل عليه السلام بالوحي ثم جبريل ينزل به على الرسول صلى الله عليه وسلم دون تحريف ولا تبديل ولا زيادة زلا نقصان ثم ما الفائدة من أخذ جبريل القرآن من اللوح المحفوظ وقد سمعه من الله, والله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: { سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى {6} إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ ﴾ [الأعلى], فكذلك جبريل لا ينسى ما سمعه من الله حتى يبلغه للرسول, والرسول صلى الله عليه وسلم كما هو معروف أمي لا يعرف القراءة فما الفائدة من إتيانه بالقرآن مكتوبا ؟ وحسبنا أن الله سمى القرآن كلامه وأن جبريل يسمعه ويبلغه للرسول وأن الله ثبت تكليمه لملائكته ورسله كما كلم موسى عليه السلام فما المانع من أن يتكلم بالقرآن ويأخذه منه جبريل؟ والله أعلم( انظر الفتح 13/ 456).

وهذا القول هو الذي يسلم من الاعتراضات والشبهات التي يطرحها أعداء الإسلام للتشكيك في مصدر القرآن.


يتبع بعون الله

عبيد المهيمن الهلالي 11-26-2009 01:09 AM

بوركت وجزاك الله خيرا هناك أمور ان وفق الله نناقشها بعد نهاية سلسلتك فلا تبخل علينا رحمك الله

أبومسلم 11-26-2009 07:43 AM

أبشر أخي العزيز

أبومسلم 12-04-2009 02:13 PM

******* القراء السبعة ( 4 ) *******
 
القرآن الكريم



***القرآن في اللغة: إن لفظ القرآن في اللغة مشتق من مادة ( ق ر أ ), وهو مصدر مرادف للقراءة , على وزن ( فعلان ), وهذا اللفظ يستعمل للمعاني التي استعمل لها لفظ ( قراءة ) وهي:


1- الجمع والضم, ومنه قولهم: ( ما قرأتْ هذه الناقة سلىً قط ) أي ما حملت جنيناً قط, ومنه قول عمرو بن كلثوم في معلقته المشهورة:

تُريك إذا دخَلتَ على خلاءٍ ******* وقد أمِنَتْ عيونُ الكاشحينا
ذِراعَيْ عَيْطَلٍ أَدْماءً بِكْر ******* هَجَانِ اللَوْنِ لم تَقْرأْ جَنِيناً

( كما في شرح القصائد السبع الجاهلية 380)

*قال أبوعبيدة معمر بن المثنى في كتابه مجاز القرآن:

(( إنما سمي قرآناً لأنه يجمع السور ويضمها )) ( كما في مجاز القرآن لابن قتيبة 1/1).

2- التلاوة: هي ضم الألفاظ بعضها إلى بعض في النطق, ومنه قوله تعالى: ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ) ( القيامة ) أي تلاوته.( جامع البيان 1/ 94-95)

*وقد اختار ابن جرير هذا التعريف فقال:
فأما (القرآن) فإن المفسرين اختلفوا في تأويله, والواجب أن يكون تأويله على قول ابن عباس: من التلاوة والقراءة, وأن يكون مصدرا من قول القائل: قرأت كقولك ( الخسران ) من ( خسرت ) و ( الغفران ) من ( غفر الله لك ...).


ولكن الذي أختاره من الأقوال ( المؤلف ) هو: أن القرآن مصدر بمعنى القراءة.( ينظر البرهان للزركشي 1/ 277-279, والاتقان للسيوطي 1/ 161-163).

ويشهد لهذا وروده مرتين في آيات سورة القيامة بهذا المعنى, وقول حسان بن ثابت يرثي أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنهما:

ضَحَّوْا بأَشْمَطَ عُنْوانُ السُّجُودِ بِهِ ******* يُقَطٍّعُ اللَّيلَ تَسْبِيحاً وقُرْآنا
( كما في ديوانه 248)
أي: قراءة.


***القرآن في الإصطلاح: نُقِل لفظ القرآن من معناه اللغوي إلى معناه الإصطلاحي, ويذكر العلماء له عدة تعريفات لعل أقربها للصواب ما عرفه بعضهم فقال:

" هو كلام الله تعالى المعجز المنزل بوسطة جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم المحفوظ في الصدور, المكتوب في المصاحف, المنقول بالتواتر, المتعبد بتلاوته, المبدوء بسورة الفاتحة, المختوم بسورة الناس " ( كما في إرشاد الفحول للشوكاني 29, ومناهل العرفان للزرقاني 1/ 17-22 وغيرهم ).

فهذا التعريف يضم حقيقة الكتاب لكونه كلام الله تعالى, ومصدره – وهو الله سبحانه – ثم يبين الوساطة بين المرسِل والمرسَل إليه – وهو محمد صلى الله عليه وسلم – ثم يبين المخاطبين بهذه الرسالة والهدف منها.

وبتأمل المعنى اللغوي والاصطلاحي يظهر لنا وضوح الصلة بين المعنين, فالقرآن سُمي بهذا الاسم لكونه جامعا للسور والآيات والأحكام والأخبار, أو كونه مجموعا في المصاحف والصدور, أو لأنه جامع لثمرة الكتب السابقة, أو لجمعه فنون المعاني والحقائق والحِكم والأحكام والعلوم, أو لأنه متلو بالألسن.




يتع بعون الله

أبومسلم 12-11-2009 05:00 PM

******* القراء السبعة ( 5 ) *******
 
تلقي الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن من جبريل عليه السلام





إن القرآن الكريم كلام الله تعالى حقيقة بلفظه ومعناه, أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم معجزة له, لهدايه خلقه تعالى, بوساطة جبريل عليه السلام, ولا شك أن الإعتماد في نقل القرآن الكريم هو التلقي والمشافهة.

وقد روعي في تسميته قرآنا كونه متلواً بالألسن, كما روعي في تسميته كتاباً كونه مدوناً بالأقلام, فكلتا التسميتين بالمعنى الواقع عليه, وتسميته بهذين الاسمين إشارة إلى أن من حقه العناية بحفظه في موضعين, لا في موضع واحد, وأعني بذلك أنه ينبغي حفظه في الصدور والسطور معا, وهي قاعدة ثابتة, منذ أن كُتب القرآن الكريم في اللوح المحفوظ وأنزل إلى بيت العزة في السماء الدنيا, وأوحي إلى جبريل عليه السلام فأخذه جبريل من الله تعالى سماعا, ونزل به إلى قلب محمد صلى الله عليه وسلم وتلقاه صحابته رضوان الله عليهم من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبقى طريقة الأخذ للقرآن بهذه الصورة إلى أن تقوم الساعة.( كما في مناهل العرفان 1/ 45 )

وقد نزل القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفرقا على ثلاث وعشرين سنة – على الأرجح – ثلاث عشر سنة بمكة, وعشر سنين بالمدينة ( كما في مناهل العرفان 1/ 53 ). وهذا يعني أن نزول القرآن على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كان منذ رسالته إلى قبيل وفاته, وكان ينزل مفرقا بحسب الحوادث, ومقتضيات الأحوال, تبعا لحاجة المسلمين إلى التشريع, وذلك لتثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم, وأنه أدعى إلى قبوله, وأيسر على أمة محمد صلى الله عليه وسلم في حفظ القرآن وفهمه, بخلاف ما لو نزل جملة واحدة, وإلى هذه المعاني يشير ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (( إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار, حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام, ولو أنزل أول شيء ( لا تشربوا الخمر ) لقالوا: لا ندع الخمر أبداً))
( أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب تأليف القرآن 6/ 101), ومما يعضد هذا المعنى قوله تعالى: ((وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) )) الإسراء, وقوله تعالى ردا على الكافرين حينما طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطلب من ربه أن ينزل القرآن جملة واحدة حيث يقول: ((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً (32) )) الفرقان.

ولو قيل كيف ينزل جبريل عليه السلام بالقرآن إلى محمد صلى الله عليه وسلم ؟؟
لقيل إن جبريل عليه السلام يهبط بالقرآن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصور وأساليب متعددة, فتارة يظهر للرسول في صورته الحقيقية الملكية, وتارة يظهر في صورة إنسان يراه الحاضرون ويستمعون إليه, وتارة ينزل على المصطفى صلى الله عليه وسلم خفية فلا يُرى, ولكن مع ذلك قد يظهر على الرسول صلى الله عليه وسلم أثر الوحي, فيغط غطيط النائم, ويغيب غيبة, ويستغرق مدة في لقاء الروح الأمين, وقد يتأثر جسمه صلى الله عليه وسلم من أثر الوحي, حيث يتصبب عرقا في اليوم الشديد البرد, وقد يكون وقع الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم كوقع الجرس إذا صلصل في أذن سامعه, وذلك أشد أنواعه.

وربما سمع الصحابه رضوان الله عليهم صوتا عند وجه النبي صلى الله عليه وسلم كأنه دويّ النحل, لكنهم لا يفقهون كلاماً ولا حديثاً بخلافه صلى الله عليه وسلم فإنه يسمع ويعي ما يوحى إليه, فإذا انجلى عنه الوحي وجد ما أوحي إليه حاضراً في ذاكرته منتقشاً في حافظته, كأنما كتب في قلبه كتابة ( كما في المناهل 1/ 64-91 ).

ومنها الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس – وهو أشدّه عليّ – فيفصم عني ( أي يُقلع عني, كما في النهاية لابن الأثير 3/ 452 ) وقد وعيت عنه ما قال, وأحيانا يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول ))قالت عائشة: (( ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصّد عرقاً ))( البخاري كتاب بدء الوحي 1/ 2 ).

والقرآن الكريم لم ينزل منه شيء إلا عن طريق جبريل عليه السلام, بل كله أوحي به في اليقظة وحيا جليا, كما ذكر ذلك السيوطي في كيفيات الوحي, راداً على من زعم نزول سورة الكوثر في المنام, على أنها حالة كانت تعتريه عند نزول الوحي من الغيبوبة عما حوله. ( كما في الإتقان 1/ 19,60 )

وهنا سؤالان يطرح كل منهما نفسه, الأول منهما:
هل نزل شيء من القرآن في حالة تمثل جبريل بصورة رجل ؟ والثاني كيف تلقى الرسول صلى الله عليه وسلم القراءات من جبريل ؟

وللإجابة على السؤال الأول, لا بد أن ننظر في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم والأحاديث الواردة في ذلك, وبإطلاعي على ذلك لم أجد رواية تدل على أن جبريل عليه السلام – وهو في صورة رجل – نزل بشيء من القرآن, ولكن صح نزوله على هيئة رجل في وحي السنة, كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوماً للناس فأتاه رجل فقال: ما الإيمان ؟ قال: (( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله ..فقال هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم ))( البخاري, كتاب الإيمان, باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان 1/ 18 ).

ومما يرجح نزول القرآن على الصورة الأولى قوله تعالى: ((إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5) )) المزمل. وقد ذكر الدامغاني( في قاموس القرآن) في مادة ( ث ق ل ) وحدها تسعة أوجه منها الشدة العظيمة, والثقل بعينه, وبمعنى: عظيم القدر.

وقال ابن جرير الطبري في معنى الآية: " وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: إن الله وصفه بأنه قول ثقيل فهو كما وصفه به ثقيل محمله, ثقيل العمل بحدوده وفرائضه" ( كما في جامع البيان 29/ 80 ).
وقال الشوكاني في تفسيره عند هذه الآية : أي سنوحي إليك القرآن وهو ثقيل ( فتح القدير 5/ 316 ), إذن يترجح بعد ذكر أقوال المفسرين أن القرآن ثقيل تلقيه, وهذا لا يكون إلا في الحالة الأولى. وفي الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنه قال: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعالج من التنزيل شدة ..)) ( البخاري, كتاب بدء الوحي 1/ 4 ).

وذكر ابن جرير في تفسيره عند هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها ( أي: باطن العنق, كما في غريب الحديث لابن الجوزي 1/ 152 ), فما تستطيع أن تحرك حتى يسرى عنه ( جامع البيان 29/ 80 ).

وحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم: (( وكان جبينه يتفصّد عرقاً في اليوم الشديد البرد )). كل هذه الأحاديث والآثار تدل على أن القرآن الكريم نزل على الهيئة الأولى, ولا يمنع من دخول وحي السنة في ذلك, وإنما الصورة الأولى أليق بنزول القرآن والصورة الثانية بوحي السنة, والله أعلم.
وبعد الجواب على التساؤل الأول يحسن بنا الوقوف قليلا للإجابة على التساؤل الآخر, الذي يُسأل فيه عن كيفية تلقي الرسول صلى الله عليه وسلم القراءات من جبريل عليه السلام ؟

فنقول: إن الله تعالى قال مخبراً عن الرسول صلى الله عليه وسلم, والكتاب الذي أنزل عليه: ((وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6))) النمل, وقال تعالى: (( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) )) الشعراء.

فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقى القراءات بوساطة جبريل عليه السلام, حيث كان يلقاه, في كل ليلة من رمضان فيدارسه ما نزل من القرآن العظيم ( البخاري, كتاب بدء الوحي, باب كيف كان الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/ 4 ), وطريقة هذه المدارسة, كما جاء في الحديث الصحيح ( البخاري, كتاب بدء الوحي, باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم 6/ 101 ) أن كلاً منهما يقرأ على الآخر – صلى الله عليه وسلم , وأنهما يتدارسان ما ينزل طول السنة.

وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( أقرأني جبريل على الحرف, فراجعته, فلم يزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف )) ( البخاري, كتاب فضائل القرآن, باب أنزل القرآن على سبعة أحرف 6/ 100), وعلى هذا تجيء قراءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسورة الفرقان, وقراءة هشام بن حكيم رضي الله عنه لها, وإلا ما صح أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لكل منهما في قراءته وقد اختلفتا ( كذلك أنزلت ) ( البخاري, كتاب فضائل القرآن, باب أنزل القرآن على سبعة أحرف 6/ 10), إلا إذا كان جبريل عليه السلام أقرأه مرة بهذا ومرة بهذا.

وبهذه الأحاديث الصحيحة يتقرر القول بأن الله تعالى قد أباح للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ القرآن بهذه الحروف السبعة – تيسيراً على الأمة وتوسيعاً عليها – وأن جبريل عليه السلام قد عارضه بهذه الحروف السبعة, ولا قيمة لما يخالف هذا القول من الآراء التي ترى أن الرسول صلى الله عليه وسلم عارض جبريل عليه السلام لبعض القراءات دون بعض ( البرهان 1/ 211-227, الإتقان 1/ 145 ).




يتبع بعون الله

أبومسلم 12-19-2009 09:57 PM

******* القراء السبعة ( 6 ) *******
 
تلقي الصحابة رضوان الله عليهم القرآن من الرسول صلى الله عليه وسلم





بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأُنزل عليه القرآن, فلقنه إياه جبريل عليه السلام, ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ يقرأه على الناس, ويدعوهم به إلى الله, فآمن به جمع غفير خاصة بعد هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. وبعد الغزوات العديدة, وفتح كافة الجزيرة العربية, وتوافد عليه المؤمنون من كل حدب وصوب يتلقون عنه تعاليم الإسلام بعد إسلامهم, وكان في مقدمة ما يتعلمون كتاب الله عز وجل.

ومعلوم أن مع هذه الكثرة العددية يصعب على الرسول صلى الله عليه وسلم إقراء كل فرد على حدة, فكان صلى الله عليه وسلم إذا جاء مؤمن جديد وأراد تعليمه القرآن دفعه للصحابة ليقوموا بذلك بدلا عنه صلى الله عليه وسلم, لا سيّما الصحابة السابقون الأولون للإسلام من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم, كانوا قد أتقنوا كثيرا من القرآن على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو على يد بعض الصحابة الذين أقرأهم الرسول صلى الله عليه وسلم, وكان هؤلاء جميعاً يتلقون القرآن من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء قرائته صلى الله عليه وسلم للقرآن في الصلوات الجهرية, فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي الفجر بالمفصل ( كما عند أحمد في المسند 6/ 204, 6/ 171, وصحح سنده الألباني في صفة الصلاة) وصلى المغرب يوماً بالأعراف ( أخرجه أبو داود في سننه, كتاب الصلاة, باب قدر القراءة في المغرب 1/ 274-275 , والنسائي في كتاب الإفتتاح, باب القراءة في المغرب ب المص 2/ 169, وصححه الألباني), فضلاً عن استماع بعض الصحابة لقراءته أثناء صلاة الليل كابن مسعود, وابن عباس, وحذيفة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.

فعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: (( صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة, فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوء. قلنا: وما هممت ؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النبي صلى الله عليه وسلم ))( أخرجه البخاري في كتاب التهجد, باب طول القيام 2/ 45).

وعن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: (( صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة, فافتتح البقرة, فقلت: يركع عند المائة, ثم مضى, فقلت: يصلي بها في ركعة, فمضى, فقلت: يركع بها, ثم افتتح النساء فقرأها, ثم افتتح آل عمران, فقرأها, يقرأ مترسلاً, إذا مر بآية فيها تسبيح سبح, وإذا مر بسؤال ...الخ )) ( أخرجه مسلم, كتاب صلاة المسافرين, باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل 1/ 536).

وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله تعالى عنها قالت: (( ما أخذت ( ق والقرآن المجيد ) إلا من وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان يصلي بها في الصبح )) ( أخرجه النسائي, كتاب الافتتاح, باب القراءة في الصبح بقاف 2/ 157, وقال عنه الألباني شاذ, لكنه ورد عند مسلم برقم 873 ولفظه: " ما حفظت (ق) إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم. يخطب بها كل جمعة. قالت: وكان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا " ), وعن ]محمد بن [ جبير بن مطعم عن أبيه – رضي الله عنهما – قال: (( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور )) ( أخرجه النسائي, كتاب الافتتاح, باب القراءة في المغرب بالطور 2/ 169 , وصححه الألباني).

ومن هذه الآثار التي ذكرت يتضح جلياً أن معظم الصحابة قد سمعوا شيئاً من القرآن من فم الرسول مباشرة أثناء الصلوات كما سنأتي على ذكره إن شاء الله تعالى, وبما أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو قائد الأمة, وإمامها والمسؤول عن جميع أحوالها, فإنه يصعب عليه أن يتفرغ لإقراء الصحابة واحداً واحداً, فهو القائد في المعارك, وهو المربي في المدينة, وهو منظم الجند, وهو المسؤول عن التشريع, وهو المشغول باستقبال الوحي وتفقد أحوال المسلمين إلى غير ذلك من مشاغله التي لا تحصى, ولا تعد, فكان لزاماً أن يتفرغ, أو يتخصص بعض الصحابة ممن أقرأهم الرسول صلى الله عليه وسلم لإقراء الناس, والجلوس لهم نيابة عنه صلى الله عليه وسلم.

وقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يتعلم الصحابة القرآن, وحثهم على ذلك, ورغبهم فيه, وإليك فيما يلي جملة من الأحاديث النبوية الدالة على ذلك:

روى البخاري وغيره عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )) ( البخاري, كتاب فضائل القرآن, باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه 6/ 108 ).

وفي الحديث الذي رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة, والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق, له أجران )) ( مسلم, كتاب صلاة المسافرين, باب فضل الماهر بالقرآن والذي يتعتع فيه 1/ 549 ).

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه )) ( مسلم, كتاب صلاة المسافرين, باب فضل قراءة القرآن 1/ 553 ).

وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما)) ( مسلم, كتاب صلاة المسافرين, باب فضل قراءة القرآن 1/ 554).

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين..)) ( مسلم, كتاب صلاة المسافرين, باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه 1/ 559).

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنه, والحسنة بعشر أمثالها, لا أقول: الم حرف, ولكن: ألف حرف ولام حرف وميم حرف..)) ( الترمذي, كتاب فضائل القرآن, باب ما جاء فيمن قرأ حرفاً من القرآن ما له من الأجر 5/ 161, وصححه الألباني ).

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب..)) ( الترمذي, كتاب فضائل القرآن }5/ 162{ وقال حديث حسن صحيح, وضعفه الألباني ).

وقد حرص الصحابة رضوان الله عليهم على تلقي القرآن, من رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو من بعضهم لبعض, فهذا معاذ رضي الله عنه يقول: (( عرضنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعب على أحد منا وقرأت عليه قراءة سفرتها سِفراً فقال: يا معاذ هكذا فاقرأ )) ( الانتصار للباقلاني: 73(خ) ولم أجد( المؤلف) له تخريجاً في كتب السنة بعد البحث والتقصي, ووجدته ( الكاتب) في فضائل القرآن وتلاوته لأبي الفضل الرازي بلفظ: " عَرَضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ قِرَاءَةً سَفْرًا ، وَقَالَ : " هَكَذَا فَاقْرَأْ يَا مُعَاذُ "وبه انقطاع ).

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن, فيقرأ سورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه, حتى ما يجد بعضنا موضعاً لمكان جبهته )) وفي لفظ (( في غير صلاة )) ( مسلم, كتاب الصلاة,باب سجود التلاوة 1/ 405). وهذا من أوضح الأدلة على أنه صلى الله عليه وسلم, كان يلقي القرآن إلقاءً شائعاً ذائعاً يجمعهم له, ويأخذهم بتعلمه, والإنصات له, وأن الحفظة له كانوا في عصره خلقا كثيراً.

وقد رُوي أن الأنصار بعد بيعة العقبة الأولى لم يرجعوا إلى المدينة حتى حفظوا في وقتهم صدراً من القرآن وكتبوه ورجعوا به إلى المدينة, فلما كان من قابل وبعد أن فشا الإسلام في المدينة, أرسلت الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبون رجلاً يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين, فوجه إليهم مصعب بن عمير رضي الله عنه وكانوا يسمونه المقرئ ومازال مقيماً عندهم يقرئهم القرآن إلى أن انتشر الإسلام في المدينة واستعلى ( السيرة النبوية لابن هشام 1/ 432).

وهذا عبادة بن الصامت رضي الله عنه يقول: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم عليه الرجل مهاجراً دفعه إلى رجل منّا يعلمه القرآن, قال: فدفع إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا, وكان معي في البيت أعشيه عشاء أهل البيت وأقرئه القرآن ))(مسند أحمد 5/ 324).

ويقول أيضاً: (( علّمت رجلاً من أهل الصفة القرآن والكتابة ))(مسند أحمد 5/ 315, وأبي داود, كتاب الإجارة, باب في كسب المعلم 2/ 285, وصححه الألباني ), إلى غير هذا من الأدلة التي وردت إلينا في بيان اهتمام وحرص الصحابة رضوان الله عليهم على تلقي القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومن بعضهم البعض.

وهكذا فقد عُرفت حال الصحابة رضوان الله عليهم في حسن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم, والانقياد له, والإيثار لنصرته, والانتهاء إلى أوامره, وأنهم قتلوا الآباء والأبناء في طاعته, فكيف يجوز مع ذلك أن يهملوا أمر القرآن, ويحتقروا شأنه, وهم يرون ويسمعون من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم له, وحثهم على تعلُّمه.

ولقد ظهر من حرصهم وشدة عنايتهم بحفظ القرآن ودراسته, والقيام به في آناء الليل وهواجر النهار, ما وَرِمَتْ معه أقدامهم, واصفرت ألوانهم, وعُرفت به سيماهم من أثر السجود, حتى همّ, خَلق كثير منهم بالتبتل والرهبانية, والإخلاد, والإصماد إلى العبادة فقط, وقَطْع الحرث والنسل, حتى أنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهاهم عنه, روي عن سعد بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (( لقد ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل, ولو رخص فيه لاختصينا )( أخرجه البخاري, كتاب النكاح, باب ما يكره من التبتل والخصاء 6/ 118).

ولقد كثرت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة للقرآن وإقراؤهم إياه, ومدارسته بينهم, ومواظبتهم عليه, وكثرة دعائهم الناس إليه حتى حفظ كثيراً منه, الوفود, والبوادي والأعراب, فضلاً عن المهاجرين والأنصار, فروي عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال: (( كنا على حاضر, فكان الركبان يمرون بنا راجعين من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأدنو منهم فأسمع حتى حفظت قرآناً كثيراً )( جزء من حديث أخرجه ابن أبي شيبة بطوله 1/ 343, وأحمد في المسند 5/ 30, قلت: وهو عند أبي داود برقم 585 صححه الألباني).

وهذا لا يكون إلا مع كثرة الراجعين بالقرآن من عنده, وانطلاق ألسنتهم به, ولصوقه بقلوبهم, وحرصهم على معاودته ودراسته.

والرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً ما كان يستمع لقراءة الصحابة رضي الله عنهم, ليعرف مدى إتقانهم لما تعلموه من القرآن, وقد كان بعض الصحابة رضوان الله عليهم يأتون الرسول صلى الله عليه وسلم متحاكمين في اختلافات وقعت بينهم بسبب قراءة أحدهم قراءة لم يسمعها الآخر من النبي صلى الله عليه وسلم, فيظن كلّ منهما أنه هو صاحب القراءة الصحيحة, لكونه واثقاً تمام الثقة من نفسه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد لقّنه إياها, وأقرأه على هذا الحرف,فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن يبادر فوراً إلى الاستماع لقراءة كل على حدة ثم يُقِرُّ كليهما, وما ذلك إلا لأن القرآن أُنزل على سبعة أحرف, كلها شافية كافية, وإليك فيما يلي عرضاً لبعض الأمثلة التي تشهد لما قلناه آنفاً, فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يروي لنا قصة وقعت بينه وبين هشام بن حكيم رضي الله عنه, فيقول فيما رواه الشيخان عنه: (( سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته, فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكدت أساوره في الصلاة فانتظرته حتى سلَّم فلببته فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقلت له: كذبت, فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو أقرأني هذه السورة التي سمعتُك, فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوده فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها, وإنك أقرأتني سورة الفرقان, فقال: يا هشام اقرأْها, فقرأها القراءة التي سمعته, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه ))( البخاري, كتاب فضائل القرآن, باب من لم ير بأساً أن يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا 6/ 111, ومسلم, كتاب صلاة المسافرين, باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف 1/ 560, واللفظ للبخاري).

وهذا أُبيُّ بن كعب رضي الله عنه يتعرض لنفس الموقف الذي تعرض له عمر بن الخطاب رضي الله عنه, حين سمع رجلين من الصحابة رضوان الله عليهم يقرآن بحرف لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم, فما كان منه إلا أن أخذهما, وذهب بهما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, فلنستمع له وهو يروي قصته التي رواها الإمام مسلم في صحيحه: (( عن أُبيُّ بن كعب قال: كنت في المسجد فدخل رجل يصلي, فقرأ قراءة أنكلرتها عليه, ثم دخل آخر, فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه. فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن هذا قرأ قراءةً أنكرتُها عليه, ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه, فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرآ. فحسّن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما, فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية ( أي: وسوس لي الشيطان تكذيباً للنبوة أشد مما كنت عليه في الجاهلية, صحيح مسلم 1/ 562 تعليق محمد فؤاد عبدالباقي ) فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري, ففضت عرقاً, وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فَرَقاً, فقال لي: يا أُبيّ أُرسل إلي: أن اقرأ القرآن على حرف, فرددت إليه: أن هوّن على أمتي, فرد إليَّ الثانية: اقرأهُ على حرفين, فرددت إليه أن هوّن على أمتي فرد إليَّ الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف ..))( مسلم, كتاب صلاة المسافرين, باب أن القرآن على سبعة أحرف 1/ 561-562).

ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستمع لقراءة الحاذقين من الصحابة في قراءة القرآن, بل وفوق ذلك يشهد لهم ويرغب الناس في تلقي القرآن عنهم, ولعلنا ندرك سر اشتهار هؤلاء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقبال الطلاب عليهم من كل فج وواد ليتلقوا عنهم القرآن والقراءات, فقلما تجد اليوم وقبله كتاباً أو إسناداً لقراءة مقرئ من القراء إلا وتجدهم في نهاية هذا الإسناد حتى كأنهم هم الذين أخذوا القرآن والقراءات عن الرسول صلى الله عليه وسلم دون غيرهم.

مع أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا حريصين كل الحرص كهؤلاء على تلقي القرآن والقراءات وجميع أمور الإسلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأكتفي هنا بذكر رجلين من جملة أولئك الصحابة القراء الذين أشرت إليهم لكون هذين الرجلين بلغا الذروة من الإتقان والتلقي للقرآن والقراءات حتى شهد لهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بتفوقهما على أقرانهما في ذلك والصابيان المعنيان هما عبدالله بن مسعود, وأبيّ بن كعب رضي الله عنهما, ولست بذلك أغفل أو أحط من قدر بقية الصحابة الذين اشتهروا بالقراءة والإقراء كزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان,وأبي موسى الأشعري وعبدالرحمن بن عوف وأبي هريرة وأبي الدرداء وعبدالله بن عباس, وعبدالله بن السائب وعائشة رضي الله عنهم, وغيرهم من الصحابة الذين لا يتسع المقام لذكرهم وحصرهم.


فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول محرضاً الناس على تلقي القراءة من عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فيقول: (( من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أُنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ))( ابن ماجة, باب فضائل عبدالله بن مسعود 1/ 49, وأحمد 1/ 7-26, وصححه الألباني).


وبما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حث الصحابة على تلقي القرآن من ابن مسعود فقد حُبب إليه الاستماع لقراءة عبدالله, فنجده صلى الله عليه وسلم يطلب من ابن مسعود القراءة عليه وذلك في الحديث الذي أورده الشيخان في صحيحهما أن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إقرأ عليَّ. قلت: يا رسول الله أَقْرأُ عليك وعليك أُنزل قال: نعم, فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً ) قال: حسبك الآن. فالتفتُّ إليه فإذا عيناه تذرفان))( البخاري, كتاب فضائل القرآن, 6/ 113, ومسلم, كتاب المسافرين 1/ 551, واللفظ للبخاري).

وكما شهد الرسول صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن مسعود رضي الله عنه واستمع منه بل وطلب منه أن يقرأ عليه القرآن, كذلك شهد لأُبيِّ بن كعب رضي الله عنه بالإتقان في القراءة, فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( أرحم أُمتي بأمتي أبو بكر, وأشدهم في دين الله عمر, وأصدقهم حياء عثمان, وأقضاهم علي بن أبي طالب وأقرأهم لكتاب الله أُبي بن كعب, وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل, وأفرضهم زيد بن ثابت, ألا وإن لكل أمة أميناً, وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ))( ابن ماجة, باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/ 55, وصححه الألباني ثم علق تضعيفه على هامش الثالث من الصحيحة).


ويشهد لجلالة قدر أُبيّ أن الله أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقرأ على أُبيِّ القرآن, فقد روى الشيخان في صحيحيهما, أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأبي: (( إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن. قال أُبيّ: آلله سماني لك, قال: الله سماك لي, فجعل أُبيّ يبكي ))( البخاري, كتاب التفسير, باب تفسير سورة لم يكن 6/ 90, ومسلم, كتاب فضائل الصحابة, باب فضل أُبي 4/ 1915, واللفظ لمسلم).

وهكذا رأينا شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذين الصحابيين الجليلين بالتفوق في إتقان القرآن أداء وحفظاً مع أن هذه الشهادة لا تقدح في تمكن غيرهما من الصحابة من حفظ القرآن وتلقي القراءات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوف أشير في نهاية هذا الفصل إلى أن حصر حفاظ القرآن من الصحابة صعب وأنه غير ممكن للأسباب التي سأذكرها إن شاء الله تعالى هنالك.




يتبع بعون الله

أبومسلم 12-25-2009 02:05 PM

******* القراء السبعة ( 7 ) *******
 
تلقي الصحابة القرآن بعضهم من بعض





سبقت الإشارة في المبحث السابق إلى أن الإسلام حينما قوي, وانتصر, أقبل الناس من كل جهة ومن كل ناحية من نواحي الجزيرة العربية, يعلنون إسلامهم, حتى إن الناس, أو المؤرخين أطلقوا على هذا العام الذي اشتد فيه الإسلام وقوي, عام الوفود ( سنة الوفود هي سنة تسع من الهجرة النبوية, قال ابن إسحاق: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم, مكة وفرغ من تبوك وأسلمت ثقيف وبايعت, ضربت إليه وفود العرب من كل وجه. انظر: السيرة النبوية لابن هشام: 4/ 559 ) مما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يستعين بالصحابة الكرام رضوان الله عليهم في تعليم المسلمين الجدد القرآن وأمور الدين, أضف إلى ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم منهم من لم يستكمل القرآن الكريم إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان بدهياً أن يستكمله ممن حفظه من إخوانه الصحابة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والذي يهمنا في هذا المبحث هو ذكر الأحاديث والآثار الدالة على إقراء الصحابة بعضهم بعضاً القرآن مع ذكر لأسماء من اشتهروا بالإقراء.
أما الأحاديث فمنها قوله عليه الصلاة والسلام: (( خذوا القرآن من أربعة من عبدالله بن مسعود – فبدأ به – وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب )) ( البخاري, كتاب أصحاب النبي, باب مناقب أُبيّ 4/ 228, ومسلم, كتاب فضائل الصحابة, باب من فضائل عبدالله بن مسعود 4/ 1913, واللفظ للبخاري) وقال صلى الله عليه وسلم حاثاً الصحابة على تلقي القرآن من عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (( من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد )) ( سبق تخريجه ).
فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما يحث الصحابة رضوان الله عليهم على أمر ما فإنهم لا بد وأن يستجيبوا لأمره ويمتثلوه, فلا بد أن الصحابة رضوان الله عليهم حين أرشدهم الرسول صلى الله عليه وسلم, ووجههم إلى تلقي القرآن عن الأربعة المذكورين في رواية البخاري قاموا ممتثلين لأمره فأخذوا القرآن عن هؤلاء الصحابة الذين ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم كيف لا, وهم يعلمون أن مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لا تجوز فهم يسمعون القرآن وهو يحذر من ذلك قال تعالى: (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) )(النور) وقوله تعالى: () وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (36) ) ( الأحزاب ) وقوله: (مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ) ( النساء 80 ) إلى غير ذلك من الآيات الموجبة لطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والمبينة أن طاعته طاعة لله, والآيات التي ورد فيها مدح لممتثلي آوامر الرسول صلى الله عليه وسلم.

أما الصحابة الذين اشتهروا بإقراء الصابة والتابعين فهم كثيرون ولقد ذكر الإمام شمس الدين الذهبي في كتابه( معرفة القراء الكبار ) أسماء من اشتهروا بذلك وعدَّ منهم سبعة هم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأُبيّ بن كعب وعبدالله من مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وأبو الدرداء رضي الله عنهم أجمعين ثم قال بعد ذكرهم ما يلي:


" فهؤلاء الذين بلغنا أنهم حفظوا القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأُخذ عنهم عرضاً وعليهم دارات أسانيد قراءة الأئمة العشرة, وقد جمع القرآن غيرهم من الصحابة ولكن لم تتصل بنا قراءتهم فلهذا اقتصرت على هؤلاء السبعة رضي الله عنهم " ( معرفة القراء الكبار 1/ 42), ولم يرد ذكر لسالم ومعاذ هنا – في قول الذهبي – لأن أسانيد قراءات القراء العشرة لا تعود لأحدهما.

ثم ذكر الذهبي - رحمة الله – أسماء من أخذوا القراءة من الصحابة والتابعين عرضاً على أولئك السبعة من الصحابة رضي الله عنهم, وعدهم فبلغ بهم اثني عشر رجلاً وهم أبو هريرة وابن عباس وابن السائب رضي الله عنهم,

والمغيرة ابن أبي شهاب المخزومي ( هو المغيرة بن أبي شهاب بن عبدالله بن عمرو بن ربيعة, أبو هشام الشامي, أخذ القراءة عرضاً عن عثمان بن عفان, أخذ القراءة عنه عرضاً عبدالله بن عامر اليحصبي, قال الحافظ الذهبي: (( وأحسبه كان يقرئ بدمشق في دولة معاوية, ولا يكاد يُعرف إلا من قراءة عبد الله بن عامر عليه )
) ( كما في معرفة القراء الكبار 1/ 41, وغاية النهاية لابن الجزري 1/ 424 و 1/ 606-607 ),

وحطان بن عبدالله الرقاشي( هو حطان بن عبدالله الرقاشي, ويقال: السدوسي, البصري, قرأ على أبي موسى الأشعري, قرأ عليه الحسن البصري وغيره, وكان كبير القدر, صاحب ورع وعلم. توفي سنة نيف وسبعين)
( كما في معرفة القراء الكبار 1/ 49 ),

والأسود بن يزيد النخعي( هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي, تابعي, فقيه, من الحفاظ, كان عالم الكوفة في عصره توفي سنة ( سنة 75ه) انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 50 والأعلام: 1/ 330),

وعلقمة بن قيس (هو علقمة بن قيس بن عبدالله بن مالك النخعي الهمداني, أبو شبل, تابعي, كان فقيه العراق, ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وروى الحديث عن الصحابة, وسكن الكوفة فتوفي بها سنة ( 62ه ) كما في الطبقات الكبرى لابن سعد: 6/ 86- 92, والأعلام 4/ 248 ),

وأبو عبدالرحمن السُّلمي ( هو عبدالله بن حبيب بن رُبيُّعة, مقرئ الكوفة, ولأبيه صحبة,وولد هو في حياة النبي صلى الله عليه وسلم, وقرأ القرآن, وجوده, وبرعَ في حفظه, وعرض على عثمان, وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم, وغيرهم, قال أبو عمرو الداني: أخذ القراءة عرضاً عن عثمان وعلي, وابن مسعود, وزيد بن ثابت, وأُبي بن كعب رضي الله عنهم.
وأخذ عنه القراءة عرضاً: عاصم بن أبي النجود, ويحيى بن وثذضاب, وعطاء بن السائب, والحسن والحسين رضي الله عنهما.
قال أبو إسحاق السبيعي: إن أبا عبدالرحمن كان يقرئ الناس في المسجد الأعظم
( مسجد الكوفة ) أربعين سنة.
وقال شعبة: عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة: إن أبا عبدالحمن أقرأ في خلافة عثمان رضي الله عنه, إلى أن توفي في إمرة الحجاج. سنة أربع وسبعين وقيل ثلاث وسبعين. كما في الطبقات الكبرى 6/ 172- 175, ومعرفة القراء الكبار 1/ 52- 57, وسير أعلام النبلاء 4/ 267- 272, وغاية النهاية 1/ 413),

وعبدالله بن عياش ( هو عبدالله بن عياش بن عمرو بن المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم, ولد بأرض الحبشة, ويكنَّى أبا الحارث, حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه, وعن ابن عمر وغيره. كما في الإستيعاب ( بهامش الإصابة ) 2/ 354),

وأبو رجاء العطاردي ( هو عمران بن تميم البصري, أبو رجاء العطاردي, أخذ القراءة عرضاً عن ابن عباس, وتلقن القرآن من أبي موسى, ولقي أبي بكر رضي الله عنه, قال ابن معين مات سنة خمس ومائة وله مائة وسبع وعشرون سنة ) ( كما في معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/ 58- 59, وتهذيب التهذيب 8/ 140),

وأبو الأسود الدؤلي ( هو أبو الأسود الدؤلي, واسمه ظالم بن عمرو, أول من أسس العربية, وكان من قرأ على علياً رضي الله عنه ) ( وترجمته في: أخبار النحويين للسيرافي 33 – 38, وطبقات النحويين للزبيدي 21 – 26, ومعرفة القراء الكبار 1/ 59 ),

وأبو العالية الرياحي ( هو رُفيع بن مهران البصري, أسلم في خلافة أبي بكر, وصلى خلف عمر, وقرأ القرآن على أبي زيد وغيرهم توفي سنة تسعين من الهجرة ) ( كما في معرفة القراء الكبار: 1/ 60 – 61, وتذكرة الحفاظ: 1/ 61 – 62) رحمهم الله أجمعين.( معرفة القراء الكبار 1/ 43 – 63 )


وهذا ليس حصراً لأولئك الذين تلقوا القرآن من الصحابة والتابعين على الصحابة رضي الله عنهم فهم خلق كثير يبلغ تعدادهم سفراً غير أن هذا يفي بالغرض من معرفة أن الصحابة تلقى بعضهم من بعض وكذلك التابعون تلقوا عنهم القرآن.
وبما أن حصر الحفاظ من الصحابة للقرآن في عهد الرسول أو بعده, بعيد المنال فإني سأشير هنا إلى أن الحصر الذي ورد في رواية أنس لأربعة من الصحابة ليس على حقيقته.

فعن قتادة قال: (( سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: أربعة, كلهم من الأنصار: أُبي بن كعب, ومعاذ بن جبل, وزيد بن ثابت, وأبو زيد, قلت: من أبو زيد ؟ قال: أحد عمومتي )) ( مسلم, كتاب فضائل الصحابة 4/ 1914).

وروي من طريق ثابت عن أنس كذلك قال: (( مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء, ومعاذ بن جبل, وزيد بن ثابت, وأبو زيد ))( البخاري, كتاب فضائل القرآن, باب القراء من أصحاب النبي 6/ 103).

وقد أجاب القاضي أبو بكر الباقلاني وغيره عن هذا الإشكال بأجوبة: (( أحدها: أنه لا مفهوم له فلا يلزم أن لا يكون غيرهم جمعه, ثانياً: المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بها إلا أولئك, ثالثها: لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته, رابعها: أن المراد بجمعه تلقيه من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون واسطة, خامسها: أنهم تصدوا لإلقائه وتعليمه فاشتهروا بذلك, وخفي حال غيرهم عمن عرف حالهم فحصر ذلك فيهم بحسب علمه, وليس الأمر في نفس الأمر كذلك, سادسها: المراد بالجمع الكتابة, فلا ينفي أن يكون غيرهم جمعه حفظاً عن ظهر قلب, وأما هؤلاء فجمعوه كتابة وحفظوه عن ظهر قلب ( ولنا أن نقول إن الأربعة المذكورين هم الذين جمعوه كتابة وحفظاً, فلا ينفي أن كثيراً غيرهم قد جمعه حفظاً فقط, أو كتابة فقط ). سابعها: المراد أن أحداً لم يفصح بأنه جمعه بمعنى أكمل حفظه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أولئك, بخلاف غيرهم فلم يفصح بذلك لأن أحداً منهم لم يكمله إلا عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت آخر آية منه, فلعل هذه الآية الأخيرة وما أشبهها ما حضرها إلا أولئك الأربعة ممن جمع جميع القرآن قبلها, ثامنها: أن المراد بجمعه السمع والطاعة له والعمل بموجبه, ... )) ( الإنتصار للباقلاني: ص 76 ( خ )).

قال ابن حجر العسقلاني - رحمة الله – معقباً على كلام الباقلاني المتقدم: ( وفي الغالب هذه الإحتمالات تكلف ولا سيما الأخير ) ( فتح الباري 9/ 51).

وقال المازري ( من كبار أئمة المالكية في عصره ) موضحاً نفس الإشكال الذي ورد في حديث أنس بقوله: ( لا يلزم من قول أنس: ( لم يجمعه غيرهم ) أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك, لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه, وإلا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة, وتفرقهم في البلاد ؟ وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على انفراده, وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمعه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا في غاية البعد في العادة, وإذا كان المرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك ) ( الإتقان 1/ 223), وقد رجح الدكتور محمد أبو شهبة ( المدخل لدراسة القرآن ص 265 ) قول الحافظ ابن حجر في الفتح من أن ذلك الحصر بالنسبة إلى الخزرج دون الأوس, فلا ينافي أن الكثيرين وغيرهم من المهاجرين قد حفظوه, قال الحافظ:

" وقد ظهر لي احتمال آخر وهو المراد إثبات ذلك للخزرج دون الأوس فلا ينفي ذلك عن غير القبيلتين من المهاجرين, لأنه قال ذلك في معرض المفاخرة بين الأوس والخزرج كما أخرجه ابن جرير بسنده عن أنس قال: (( افتخر الحيّان الأوس والخزرج فقال الأوس: منّا أربعة من اهتز له العرش سعد بن معاذ, ومن عدلت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن ثابت, ومن غسلته الملائكة حنظلة بن أبي عامر, ومن حمته الدذضبر, عاصم بن أبي ثابت, فقال الخزرج منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم, فذكرهم ) " ( فتح الباري: 9/ 51).

وبعد هذا العرض حول نفي الحصر الحقيقي المتوهم من حديث أنس رضي الله عنه تبين لنا من أن القراء الحفظة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة الكرام كانوا أكثر من أن يحصروا بمثل هذا العدد, وإن لم يرد فيها نص صريح إلا أن الواقع التاريخي يكفي دليلاً على كثرة الحفاظ في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري ذكر أن الذين قتلوا في وقعة بئر معونة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان يقال لهم القراء, كانوا سبعين رجلاً ( البخاري, كتاب المغازي, باب غزوة الرجيع ورعل وزعل وبئر معونة 5/ 40 - 44 ) وكما ذكر القرطبي قتلى اليمامة أكثر من هذا العدد فقال: (( فلما استحر ( اشتد وكثر. انظر غريب الحديث لابن الجوزي: 1/ 200) القتل بالقراء يوم اليمامة في زمن الصديق رضي الله عنه, وقتل منهم في ذلك اليوم فيما قيل سبعمائة, أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراء ..)) ( الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 1/ 49 – 50 ).

روى البخاري بإسناده عن أبي إسحاق عن البراء قال: (( أول من قدم علينا ( يعني المدينة ) من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم, فجعلا يقرآننا القرآن, ثم جاء عمّار وبلال, ولما فتح صلى الله عليه وسلم مكة ترك معاذ بن جيل للتعليم, وكان الرجل إذا هاجر إلى المدينة دفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل من الحفظة ليعلمه القرآن )) ( البخاري, كتاب تفسير القرآن, باب تفسير سورة الأعلى 6/ 82).

ومن هنا تبدو لنا الحقيقة واضحة في أن الإلمام بعدد حفظة كتاب الله من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم من الصعوبة بمكان. فلم نقف في حدود علمنا القاصر على أحد المؤرخين أو المحدثين الموثوق بعلمهم حصر أولئك الحفاظ, ولو كان الأمر بالإمكان لما توانى أولئك الأخيار والحفاظ والجهابذة الكبار في تدوين أسمائهم وحصرها, مما يجعلنا نسلم بأن العدد غير معروف إلا أنه جم غفير كما سبق بيان ذلك والله أعلم.




يتبع بعون الله


الساعة الآن 08:40 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.