{منتديات كل السلفيين}

{منتديات كل السلفيين} (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/index.php)
-   ملتقى الحوارات و النقاشات (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/forumdisplay.php?f=66)
-   -   ضوابط الرقائق الوعظية (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=69874)

ابوعبد المليك 08-16-2016 07:55 PM

ضوابط الرقائق الوعظية
 
ضوابط الرقائق الوعظية


الرقائق هي مفتاح استمالة القلوب ، وفيها من المُلح والنوادر والطرائف ما يجعل المستمع لها يتعلق بمعانيها ومقاصدها . فهي فاكهة المواعظ ، وزينة المجالس .

وقد تكون الرقائق الوعظية عبارات قصيرة أو حكم يسيرة ، لكنها تفعل في القلوب ما لا يقدر عليه المربون والمعلمون
وقد تُغيِّر الرقائق الوعظية مسار حياة كثير من الناس من الضلالة الى الهدى ، ومن الغيِّ الى الرشاد . ويقع خلط عند بعض الدارسين في التمييِّز بين الرقائق الوعظية الشرعية ، والرقائق الوعظية البدعية .

وهذه بعض المعالم التي حرَّرْتُها في نقد الرقائق الوعظية ، لتصحيح الافادة منها وتقويم أثرها بين الناس .

· ضوابط الرقائق الوعظية :

1- الرقائق القرآنية أنفع ما يحرِّك شغاف القلوب ، ففيها الشفاء والدواء الذي لا ترياق بعده . فكلام الله تعالى ، هو طب القلوب ودؤاؤها وعافية الأبدان وشفاؤها

والرقائق القرآنية منثورة في كل سور الكتاب المجيد ، ويكثر ورودها في المفصل من الحجرات الى الناس . وأنفع رقائق القران ما ورد في قصص المكذِّبين بتوحيد الله ، والمعاندين لرسل الله ، وما دلَّ على عظمة الله وتدبيره لخلقه

ففيها من الدلالة على نور التوحيد وهيبته في قلوب المؤمنين ما يفوق الوصف ، كقول الله تعالى :” حتى إذا فرحوا بما اوتوا أخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون ، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين”(الأنعام:44-45)
وقوله سبحانه : “حتى اذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير “( سبأ: 23 )

وهذه الاية هي التي قال العلماء عنها إنها تقطع عروق الشرك من شجرة القلب . وقول الله تعالى :” أفرأيت إن متعناهم سنين، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون، ما أغنى عنهم ما كانوا يُمتَّعون ” (الشعراء:205 -207 ) قال فيها بعض السلف : ” إن هذه الايه لو فهمتها بقلبك لألفيتَ لها في قلبك كلوما ”

ورقائق القران لا تُمل ولا تبلى بكثرة التكرار والترديد . وهذه خاصية انفردت بها رقائق الكتاب العزيز . ومن الغلط الاستشهاد بالرقائق القرآنية في غير موضعها المشروع ، مثل الاستشهاد بقول الله تعالى : ” كذلك كنتم من قبل ” ( النساء: 94 ) وقوله :” لن تراني ” ( الأعراف: 143) وقوله: ” ثم جئتَ على قدر يا موسى “( طه: 40)، وقوله تعالى : ” ومن نُعمِّره نُنكِّسه في الخلق ” ( يس:68 )
في معاني فكاهية أو لتعابير فيها ابتذال للنص القرآني ، فلا يجوز الاستشهاد بها ، ويستثنى من ذلك ما صح الاستشهاد به عن السلف .


2- الرقائق النبوية من أنجع الأساليب البيانية . وقد اشتملت على الفصاحة والبلاغة . ويكثر عند الوعاظ ترقيق القلوب بالاحاديث الموضوعة والواهية . وهذه ظهرت على أيدي القُصَّاص والوعاظ بعد التابعين

وكانت زادا دسما في مجالس الاخباريين . وضابط الاستشهاد بها صحة النقل والاسناد . ومما خالف هذا الضابط ما رُوي: ” العار خير من النار”و”الشيب نور المؤمن ” و”من لم يخف الله خف منه ” ومن كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار “و” من بورك له في شي فليلزمه” و” الظُّهور يقطع الظُّهور ” و” رِضى الناس غاية لا تدرك ” ،
و” ليس في الموت شماتة ”

ونحوها مما لا يصح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم ، مما يُستشهد به لترقيق القلوب . فهذه لا يجوز الترقيق بها لعدم صحة اسنادها ، ولأن القبول بها هجر للكلم الطيِّب الذي نزل به الوحي ، الذي أمر الله باتباعه والعمل به .


3- الحكم النورانية والأقوال السائرة : وهي كل قول وأثر ثبت اسناده الى عالم أو واعظ من أهل القبلة، ممن يُقتدى به ، ولا مخالفة في اتِّباعه والاقتداء بأقواله ، ولا يترتب على قوله ترك فريضة أو هجر سنة أو الوقوع في مخالفة عقدية

فمما خالف هذه الضوابط ما رواه كُميل بن زياد النخعي( ت: 82هـ )رحمه الله تعالى قال: أخذعليٌّ ( ت: 40هـ ) رضي الله عنه بيدي ،فأخرجني ناحية الجُبّانة، فلما أصحَرَ جَعَلَ يتنفس، ثم قال: يا كميل بن زياد ، القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير،أحفظ عنِّي ما أقول لك..” .

” وما روي عن ابي سعيد الخدري ( ت: 74هـ ) رضي الله عنه :إنا كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ، بِبُغضهم عليَّ بن أبي طالب ” . وما روي عن رابعة العدوية ( ت: 180هـ ) رحمها الله تعالى : ” ما عبدته خوفًا من ناره، ولا حبًا لجنته، فأكونُ كالأجير السوء، بل عبدته حبًا وشوقًا إليه ” . ويلحق بها ما يزعمه أهل التصوف من الكشف والذوق والوجد .


4- القصص والحكايات الوعظية : والاستشهاد بها في ترقيق القلوب جائز بأربعة ضوابط
-أن تكون منقولة باسناد صحيح
-أن لا تُقدَّم على القران والسنة
-أن لا يكون في الاستشهاد بها ملحظٌ عقدي
-أن لا يكون في مضمونها ما يخالف الفطرة والعقل الصحيح

مثال ذلك ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما كان يخطب و يحث على عدم المغالاة في مهور النساء، ثم خطَّئته امرأةُ أستدلت بآية قرآنية ، فقال عمر رضي الله عنه : كل أحدٍ أفقهُ من عمر . ومثلها ايضا قصة تعذيب النساء بتعليقهن من شعورهن في الآخرة ، التي رويت على لسان عليّ رضي الله عنه

فانها لم تثبت فلا يجوز الوعظ بها . ومثلها حكايات الصوفية في مقابلة الخضر عليه السلام والاجتماع به . ويُلحق بها ما يدَّعيه بعضُ مريدي التصوف من تلقي العلم عن أشياخهم المقبورين، وعن بعض الأنبياء عليهم السلام، كزعمهم تلقِّي العلم والخير من قبر أُويس القرني ( ت:37هـ )، ورؤية مشايخهم ليونس وزكريا وابراهيم عليهم الصلاة والسلام . ونحوها من الخرافات .



5-الأشعار الزهدية : وهي الأبيات والقصائد التي تُزهِّد في الحياة الفانية وتحثُّ على التشمير لليوم الاخر
والاستشهاد بها في ترقيق القلوب جائز بثلاثة ضوابط :
أن لا يكون قائلها معروفا ببدعة عقدية
وأن لا يكون في ألفاظها ما يخالف أصلا من أصول الدِّين
وان يكون لها أصل في المرويات

ومما خالف هذه الضوابط ، قصيدة البردة للبوصيري ( ت: 695هـ ) ، والأناشيد الصوفية البدعية في أبيات الحلاج(ت: 309هـ) ، والسهروردي(ت: 563هـ ) ، وابن عربي (ت: 638هـ ) عاملهم الله بعدله . وفيها من قوادح التوحيد ما تقشعر منه الأبدان والقلوب .


ويجب التنبيه أن بعض الجماعات الاسلامية أغرقت في الحديث عن الرقائق والعمل بها ، وأغفلت التنبيه عن أُسس العقيدة الاسلامية ، والدعوة الى العلم الشرعي . وهذا مخالف لمنطوق نصوص الشرع الحنيف .

ومن أراد أن ينتفع بالرّقائق فليُدمن الكتب المجوَّدة المُحقَّقة في أُمَّهات الرقائق ، مثل :تفسير ابن سعدي ( ت:1376هـ ) ، والتحفة العراقية ،لابن تيمية( ت:728هـ ) وصيد الخاطر ،لابن الجوزي( ت:597هـ )
وحلية الأولياء ،لأبي نعيم ( ت:430هـ ) مع الاحتياط والتنبُّه لهناته ، ومصنفات ابن ابي الدنيا ( ت:281هـ )
ومدارج السالكين ، والجواب الكافي ،لابن القيِّم( ت:751هـ ) ، ومختصر منهاج القاصدين لابن قدامة ( ت: 620هـ ) ، وموسوعة نضرة النعيم ، لمجموعة من الباحثين . رحم الله الجميع

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .


المصادر :
1-الرواة الثقات المتكلم فيهم / الذهبي .
2–حلية الأولياء / لأبي نعيم /385-389 .
3-سير أعلام النبلاء 16/342 -347 وقال الذهبي في ترجمة” محمد بن خفيف الشيرازي” ( ت: 371هـ) : صوفي، جمع بين العلم والعمل وعلوّ السند والتمسك بالسُّنن ، درس على أبي الحسن الأشعري ، يُروى أنه لما ادركته الوفاة ، قيل له قل لا اله الا الله ، فحوَّل وجهه الى الجدار، وقال أفنيت كُّلي بِكُلِّك . ومن أقواله : ليس شيٌ اضرَّ بالمريد من مُسامحة النفس في ركوب الرخص .
4- الحموية / لابن تيمية / 405 .
5-الجدُّ الحثيث / الغزي .
6-المصادر العامة للتلقي عند الصوفية / لصادق سليم صادق .

أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة


الساعة الآن 05:43 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.